فشل مجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة، في تمرير مشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد استخدام الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو". وحصل القرار على تأييد 13 دولة، ودعم ورعاية 99 دولة، على الأقل، فيما امتنعت بريطانيا عن التصويت. ويحتاج أي مشروع قرار في مجلس الأمن من أجل تبنيه إلى تسعة أصوات.
وهذه هي المرة الثانية التي تستخدم فيها الولايات المتحدة الفيتو ضد مشروع قرار يطالب بوقف إنساني لإطلاق النار في غزة منذ بدء الحرب، إذا لا ترغب واشنطن التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي بالأسلحة والمعلومات والإسناد اللوجستي والدبلوماسي بأن يكون هناك وقف لإطلاق النار.
وكان من المفترض أن يصوت مجلس الأمن صباح اليوم، على مسودة مشروع القرار التي صاغتها الإمارات، الدولة العربية العضوة في المجلس، بالتنسيق مع الجانب الفلسطيني، وبدعم من الدول العربية والإسلامية، ولكن جرى تأجيل التصويت لوقت لاحق من مساء الجمعة بتوقيت نيويورك، في محاولة لإقناع الجانب الأميركي بعدم استخدام الفيتو.
ونص مشروع القرار على إعراب مجلس الأمن عن "بالغ القلق إزاء الحالة الإنسانية الكارثية في قطاع غزة ومعاناة السكان المدنيين الفلسطينيين". وطالب "بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، فضلاً عن ضمان وصول المساعدات الإنسانية، وضرورة امتثال جميع الأطراف لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، ولا سيما فيما يتعلق بحماية المدنيين".
وبعد التصويت على المشروع، قال نائب السفيرة الإماراتية، محمد أبو شهاب، أمام الدول الأعضاء: "نشعر بخيبة أمل عميقة لعدم اعتماد هذا القرار، وللأسف وإزاء بؤس لا يوصف فإن المجلس لم يتمكن من المطالبة بوقف إطلاق نار إنساني. سأكون صريحاً في ظل التحذيرات الخطيرة التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة ونداءات المنظمات الإنسانية والرأي العام العالمي، فإن هذه المجلس بات معزولاً وبشكل متزايد ومنفصلاً عن وثيقته التأسيسية".
وتساءل عن الرسالة "التي يتم توجيهها للشعب الفلسطيني إن لم نتمكن من الاتحاد وراء نداء يدعو لوقف قصف غزة بلا هوادة، وللمدنيين في العالم بأسره الذين قد يجدون أنفسهم في وضع مشابه".
من جانبه، وصف نائب السفيرة الأميركية، روبر ود، المفاوضات حول نص القرار بالمتسرّعة، مشيراً إلى عدم توازن المشروع.
إلى ذلك، عبر المندوب الصيني، تشانغ جون، عن أسف بلاده لعرقلة الولايات المتحدة جهود مجلس الأمن لتبني القرار، واصفاً موقفها بالمنافق. وقال: "هذا القرار طالب بوقف إطلاق نار فوري، وإطلاق سراح الرهائن كافة، وإدخال المساعدات، وحظي بتأييد عدد كبير من الدول الراعية للقرار".
وأضاف: "شهران من القتال تسببا بدمار وموت غير مسبوقين. ووقف إطلاق نار فوري شرط أساسي وأي تبريرات ضعيفة". وحول الموقف الأميركي قال: "إن التسامح مع استمرار القتال وفي الوقت ذاته الادعاء بأنكم قلقون على حياة المدنيين في غزة واحتياجاتهم الإنسانية لهما أمران يتعارضان".
بدوره، قال نائب السفير الروسي، دميتري بوليانسكي: "مجدداً عرقلت الولايات المتحدة التوصل لوقف إطلاق نار. أمام أعيننا حكموا بالموت على عشرات الآلاف من المدنيين. إن التاريخ سيحكم على هذه التحركات من واشنطن. يمكننا أن نستخدم عبارات جميلة مثل حقوق الإنسان والنظام العالمي، ولكن شهدنا الآن القيم الحقيقية عندما رأينا أن عضوين (الفيتو الأميركي والامتناع البريطاني) يفضلان التسامح مع سفك الدماء من قبل إسرائيل".
من جانبه، قال مندوب فلسطين في الأمم المتحدة، رياض منصور، إن "لحظة الحقيقة حانت. هذه نقطة فاصلة في التاريخ وفات وقت الأسف. إنها كارثة أن يُمنع المجلس مجدداً من تحمّل مسؤوليته، وأن يكون على قدر المسؤولية. ملايين الأرواح الفلسطينية على المحك"، مضيفاً: "لقد أعطي مجرمو الحرب وقتاً إضافياً للاستمرار في مذابحهم.. كيف يمكن تبرير ذلك؟".
ومضى قائلاً إن تمديد أمد الحرب يشي بالمزيد من الدمار، مشيراً إلى "ازدواجية المعايير والعنصرية ضد الفلسطينيين". وشدد على أن دعم الحرب يعني تمكّن إسرائيل من الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
وسبق أن حث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، مجلس الأمن في جلسة سبقت جلسة التصويت، على عدم ادخار أي جهد للضغط من أجل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، وحماية المدنيين، والإيصال العاجل للمساعدات المنقذة للحياة في قطاع غزة.
وقال غوتيريس في مستهل الجلسة التي عقدت استجابة لتفعيله المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة ورسالته التي بعثها لمجلس الأمن في وقت سابق من الأسبوع في هذا السياق، موجهاً حديثه لسفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن، إن "أعين العالم والتاريخ تراقبكم.. حان الوقت للتحرك".
وكان غوتيريس قد حذر وناشد مجلس الأمن من أجل "المساعدة في تجنب كارثة إنسانية، وكذلك إعلان وقف إنساني لإطلاق النار".
وتهدف هذه الخطوة النادرة التي اتخذها أنطونيو غوتيريس، لأول مرة منذ توليه منصب الأمين العام للمنظمة الأممية عام 2017، إلى الضغط على المجلس للتحرك، والقيام بمهامه كالجهة المسؤولة عن الأمن والسلم الدوليين.
يشار إلى أن هذه الخطوة من تفعيل المادة 99 مهمة من الناحية الرمزية، ولكن القرار والتحرك يبقى في نهاية المطاف بيد مجلس الأمن الدولي الذي من المفترض أن سيصوت في وقت لاحق من مساء اليوم بتوقيت نيويورك على مشروع قرار حول الموضوع.
وفي مداخلته أمام مجلس الأمن قال غوتيريس إنه كتب إلى مجلس الأمن مستشهداً بالمادة 99 "لأننا وصلنا إلى نقطة الانهيار.. هناك خطر كبير لحدوث انهيار كامل لمنظومة الدعم الإنساني في غزة، وسيكون لذلك عواقب مدمرة. ونتوقع أن يؤدي ذلك إلى انهيار كامل للنظام العام وزيادة الضغط باتجاه نزوح جماعي إلى مصر. أخشى أن تكون العواقب مدمرة على أمن المنطقة برمتها".
وفيما أكد وجود خطر حقيقي بأن تهدد المخاطر الحالية المتفاقمة الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، قال إن "خطر انهيار المنظومة الإنسانية مرتبط بشكل وثيق بغياب أمن وسلامة موظفينا في غزة، وبطبيعة وكثافة العمليات العسكرية التي تحد بشدة من الوصول إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها".
كما أكد مقتل أكثر من 130 موظفاً في الأونروا (كلهم من الفلسطينيين في غزة) خلال القصف الإسرائيلي للقطاع.
وأشار إلى قرار مجلس الأمن 2712 الذي دعا إلى "توسيع نطاق توفير المساعدات من أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية للسكان المدنيين، وخاصة الأطفال". وأضاف "يؤسفني بشدة أن أبلغ المجلس أنه في ظل الظروف الحالية على أرض الواقع، لم يتم الوفاء بهذا القرار، أصبح هذا التفويض مستحيلاً".
ولفت الانتباه إلى أن معبر رفح غير مصمم أصلاً لدخول مئات الشاحنات يومياً. وأكد "أنه حتى لو سمح بتدفق المساعدات فإن القصف المكثف والأعمال العدائية، والقيود الإسرائيلية على الحركة، ونقص الوقود، وانقطاع الاتصالات، تجعل الأمر كذلك من المستحيل على وكالات الأمم المتحدة وشركائها الوصول إلى معظم الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة".
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى استمرار الهجمات المكثفة الجوية والبرية والبحرية، مؤكداً أنها واسعة النطاق.
رياض منصور: رفض الدعوة إلى وقف إطلاق النار يعني استمرار الإبادة الجماعية
وفي حديث خلال الجلسة قبل صدور القرار، قال المندوب الفلسطيني، رياض منصور، إن إسرائيل قتلت في غضون شهرين أكثر من 17 ألف فلسطيني، من بينهم 7 آلاف طفل، فيما جرح نحو 40 ألفاً وهُجر 1.9 مليون داخل قطاع غزة، عدا عن تدمير ثلثي المنازل والقضاء نهائياً على كل المستشفيات وقصف المخابز.
وأكد أن هدف إسرائيل هو التطهير العرقي لقطاع غزة وتهجير قسري لأهلها، مشيراً إلى أن رفض الدعوة إلى وقف إطلاق النار يعني رفض الدعوة للأمر الوحيد الذي يمكن أن ينهي جرائم الحرب والإبادة الجماعية.
وأضاف "وضعت إسرائيل كل حاجز ممكن أمام دخول المساعدات الإنسانية للقطاع، ويفترض بنا أن نصدق أن هذا الادعاء لا يهدف إلى تدمير الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في الوقت الذي يستمر فيه حصار شعبنا وحرمانهم من كل أسس الحياة".
الصين: وقف إطلاق النار يمنع مأساة إنسانية أكبر في غزة
بدوره، قال المندوب الصيني إن "ما يحتاج مجلس الأمن للقيام به واضح، وهو أن نتحرك فوراً وأن نحمي المدنيين ونمنع كارثة إنسانية واسعة النطاق".
وحول مشروع قرار وقف إطلاق النار لدواع إنسانية، قال إنه "يعكس الدعوة العالمية من المجتمع الدولي ويمثل الاتجاه السليم لاستعادة السلام.. الصين تؤيد هذا تأييداً كاملاً"، مشدداً على أن وقف إطلاق النار سينقذ الأرواح، ويمنع مأساة إنسانية أكبر في قطاع غزة.
وفي حين أكد أنه ما من مكان آمن في غزة، وأن أي انتظار يعني المزيد من القتلى، حذر من فوضى إقليمية وآثار سلبية للحرب على كل المنطقة، وشدد على أن التأخر في وقف إطلاق النار، يدفع المنطقة والأمن في المنطقة نحو الهاوية.
الولايات المتحدة: وقف إطلاق النار "يزرع بذور حرب جديدة"
أما نائب المندوبة الأميركية، روبيرت وود، فتحدث عما أسماه "الدبلوماسية الأميركية" التي رأى أنها فتحت المجال لدخول المساعدات إلى غزة، وإطلاق سراح المحتجزين.
يأتي ذلك رغم تأكيد الأمم المتحدة، في أكثر من مناسبة، أن المساعدات التي تدخل غير كافية بتاتاً، ورغم دق العديد من المنظمات الإنسانية ناقوس الخطر حول مواجهة أهل غزة الجوع وانتشار الأمراض وغيرها من الأوضاع الإنسانية الكارثية آنفة الذكر.
وادعى الدبلوماسي الأميركي أن حركة حماس ترفض إطلاق سراح بقية المحتجزين، مؤكداً عدم تأييد بلاده وقف إطلاق النار، لأن ذلك "يزرع بذور حرب جديدة"، ثم تحدث عن "ضرورة أن تضمن إسرائيل وجود المساعدات الكافية، وفتح إسرائيل المعبر من طرفها (كرم أبو سالم)، فيما شدد على عدم تأييد بلاده تهجير الفلسطينيين.
روسيا: إسرائيل انتقلت لمرحلة جديدة أشد عنفاً بعد الهدنة
أما نائب السفير الروسي، دميتري بوليانسكي، فشدد على أن إسرائيل انتقلت إلى مرحلة جديدة من النزاع أشد عنفاً، بعد هدنة شهدها القطاع لبضعة أيام، مؤكداً في الوقت ذاته أن "الهدنة لم يكن لها أي أهمية سياسية، لأنها لم تكن بإشراف أي جهة دولية". كما أكد كذلك عدم وجود أي مكان آمن في غزة في ظل القصف الإسرائيلي الكاسح، ما يجعل توصيل المساعدات المحدودة أصلاً مستحيلاً، بحسب ما قالت الأمم المتحدة.
وأضاف "نأسف أن مجلس الأمن لم يستطع المطالبة بوقف العنف بسبب ضغط من الولايات المتحدة التي منعت صدور أي قرار من مجلس الأمن ينفذ ذلك". وشدد على ضرورة "أن ننفذ ما ينتظره منا المجتمع الدولي، وأن نعتمد مشروع القرار الذي قدمته الإمارات العربية المتحدة".
وتحدث الدبلوماسي الروسي كذلك عن استهداف متعمد لمنشآت تحميها القوانين الدولية، معبراً عن صدمته من الأخبار التي تتحدث عن نية إسرائيل غمر الأنفاق بمياه البحر قائلاً "إن ذلك إن حدث، يمثّل جريمة حرب، لأنه يتجاهل كلياً إمكانية وجود مدنيين، وهو تدمير للبنية التحتية بما فيها المياه الجوفية".
وأشار إلى أن محاولات التهجير القسري استراتيجية غير إنسانية وتنتهك اتفاقيات جنيف، مشدداً على حظر استهداف المدنيين بموجب هذه الاتفاقيات.