يعقد "مجلس الشعب" (البرلمان) التابع للنظام السوري، اليوم الاثنين، ما قال إنها "دورة استثنائية" لـ"مناقشة الواقع الاقتصادي والمعيشي" في سورية، في خطوة تثير سخرية سوريين يدركون أن لا دور لهذا المجلس الذي يهيمن عليه حزب البعث، واختارت الأجهزة الأمنية أعضاءه بعناية.
وتأتي جلسة "مجلس الشعب" في ظلّ انهيار متسارع في سعر صرف الليرة السورية، حيث كسر الدولار حاجز 12 ألف ليرة سورية، وهو ما يفاقم ضعف القدرة الشرائية لملايين السوريين الخاضعين لهذا النظام، الذي فقد القدرة كما يبدو على ضبط سعر الصرف في الأسواق المحلية.
وتقلص راتب الموظف في مؤسسات النظام السوري إلى نحو 8 دولارات في الشهر، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة، يحاول النظام تفاديها من خلال دفع مجلس الشعب كما يبدو إلى تحميل الحكومة الحالية مسؤولية التدهور الاقتصادي. ويحاول النظام الإيحاء بأن لديه مؤسسات دستورية تسعى إلى تحسين الواقعين الاقتصادي والمعيشي لنحو 9 ملايين سوري في مناطق سيطرته، التي تُحكم عبر أجهزة أمنية تمنح الحكومة دوراً هامشياً في إدارة البلاد.
مجلس الشعب السوري... غياب تام عن المشهد
من جهتها، تغيب السلطة التشريعية بشكل كامل عن المشهد، إذ يعد مجلس الشعب "مجرد مكان يثير سخرية مُرّة"، وفق أحد الكتاب السوريين المقيمين في العاصمة دمشق. ويقول الكاتب في حديث مع "العربي الجديد": في سورية لا يوجد عمل برلماني حقيقي. هناك مجموعة من الأشخاص اختارتهم الأجهزة الأمنية بعناية للتصديق على ما يصدره (رئيس لظام بشار) الأسد من قرارات لا أكثر ولا أقل.
رشيد حوراني: المجلس لا يملك آليات معالجة الانهيار
ويؤكد الكاتب السوري أن "لا حل في سورية ما دامت هذه الآليات السياسية المهترئة متبعة"، مضيفاً أن "هذا النظام قاد البلاد إلى الخراب وفق سياسة ممنهجة متبعة منذ عام 1970 (تاريخ استلام حافظ الأسد السلطة)". ويحذر الكاتب من أن "المجتمع السوري يتجه بسرعة نحو التفسخ"، مضيفاً أن "حلم أي سوري اليوم هو الخروج من بلده، وهذه كارثة".
ويقول الصحافي الاقتصادي السوري فؤاد عبد العزيز، لـ"العربي الجديد"، إن النظام غالباً ما يلجأ إلى إقحام مجلس الشعب، أو غيره من المؤسسات الصورية، عندما يواجه وضعاً صعباً، ولا تكون لديه أجوبة مقنعة حول الأسئلة المطروحة من الشارع، بما في ذلك الشارع الموالي له.
وعلى الرغم من تدهور الاقتصاد ووصول الحالة المعيشية في عموم سورية إلى حافة خطرة، لا يزال النظام السوري يرفض التعاطي الإيجابي مع كل المبادرات السياسية التي تطرح من أجل التوصل إلى حل للقضية السورية، وآخرها المبادرة العربية التي تؤكد الوقائع والمعطيات المتوافرة أنها تواجه عقبات بسبب رفض رئيس النظام بشار الأسد التعامل معها. ويريد النظام إبقاء آليات الحكم الموجودة في سورية منذ عام 1970، رافضاً تطبيق القرار الدولي 2254، في تحد لم ينقطع للمجتمع الدولي منذ عام 2012، حين صدر بيان جنيف 1 الذي وضع خريطة طريق للحل في سورية أكدها القرار الدولي المذكور.
محمد سالم: مجلس الشعب خلطة من المحسوبيات والفساد الممنهج، زادها سوءاً إدخال أعضاء جدد محسوبين على إيران
خلطة من الفساد
ويرى الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "جلسات مجلس الشعب وغيرها من الإجراءات التي تتخذها مؤسسات النظام هي لذرّ الرماد في العيون". ويشرح أن هذه الجلسات "شكلية ولا تمتلك القدرات والإمكانيات اللازمة لمعالجة الانهيار الاقتصادي، كما لا تملك الجرأة على المطالبة بتحويل ما يجرى صرفه للجيش لصالح تحسين أوضاع المواطنين".
ويهيمن حزب البعث الحاكم على "مجلس الشعب" وعلى الحياة السياسية في سورية منذ عام 1963، تاريخ استيلاء هذا الحزب على السلطة بانقلاب عسكري كرّس حكم الفرد والحزب والطائفة الواحدة. ولم تعرف البلاد حياة برلمانية حقيقية منذ ذلك الحين.
وفي السياق، يرى الباحث السياسي محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "منذ استيلاء البعث على السلطة، ومن ثم سيطرة الأسد (الأب) في 1970، لم يكن لهذا المجلس أي دور حقيقي في الحياة السياسية". ويؤكد أيضاً أن دور مجلس الشعب التابع للنظام "شكلي وعبارة عن ديكور سياسي لا أكثر، بل هو خلطة من المحسوبيات والفساد الممنهج، زادها سوءاً إدخال أعضاء جدد محسوبين على إيران".
وكان النظام السوري أجرى انتخابات ما أسماه "الدور التشريعي الثالث" منتصف عام 2020 وفق دستور وضعه في عام 2012، في خطوة لم تنجح حينها لتطويق الحراك الثوري الذي بدأ في عام 2011 مطالباً بتغيير سياسي حقيقي في البلاد. وعلى الرغم من أن النظام ألغى مادة كانت موجودة في الدستور الذي وضعه حافظ الأسد في سبعينيات القرن الماضي، تكرس "البعث" حاكماً للدولة والمجتمع، إلا أن الوقائع تشير إلى أن هذا الحزب، الذي يرأسه اليوم بشار الأسد، لا يزال يفرض هيمنة مطلقة على الحياة السياسية تحت إشراف الأجهزة الأمنية المتعددة.