يعقد اليوم مجلس القضاء العدلي، التابع لـ"المجلس الأعلى للقضاء"، جلسة تأديبية للنظر في ملف تجاوزات أكبر قضاة تونس الطيب راشد، وسط ضغوطات متزايدة لفتح ملفات جميع القضاة ووقف التدخل السياسي في السلطة القضائية.
ويشغل القاضي الطيب راشد منصب الرئيس الأول لمحكمة التعقيب ورئيس الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين.
وينتظر أن يمثل راشد، اليوم الجمعة، أمام مجلس التأديب في جلسة حاسمة ينتظرها الشارع التونسي والمجتمع السياسي والمدني على حد سواء، بعد سلسلة التأجيلات التي شهدتها الجلسات السابقة بسبب تغيّبه، إذ كان آخر تغيب له بسبب إصابته بفيروس كورونا حسب نتائج التحليل التي تقدّم بها لسان الدفاع عنه.
وأخذت جلسة تأديب الطيب راشد أبعادا سياسية بسبب ارتباط ملفه بأطراف سياسية وازنة وقضايا أخرى منشورة، اتهم فيها بالمشاركة والتستر وتوجيه الأعمال القضائية لفائدة جهات سياسية وأصحاب أعمال، بحسب ملفه.
ويحظى ملف الطيب راشد، الذي يقبع قيد الإقامة الجبرية منذ أسبوعين بقرار من المكلف بتسيير وزارة الداخلية رضا غرسلاوي، باهتمام كبير، لما له من علاقة باستقلالية السلطة القضائية ونزاهتها، حيث تسجل البلاد لأول مرة في تاريخها فتح ملف قاض بهذا الوزن والمنصب، ما اعتبره متابعون بمثابة تحولات مهمة في المشهد التونسي.
ويرتبط ملف الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الطيب راشد بملف ثقيل يشمل عشرات القضاة، من بينهم ملف وكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية (النائب العام) بشير العكرمي، الذي قرّر مجلس القضاء العدلي، في جلسة بتاريخ 13 كانون الثاني/يناير الماضي، إيقافه عن العمل وإحالة ملفه على النيابة العمومية للتحقيق معه.
وشهدت تونس جدلا غير مسبوق هز السلطة القضائية بدخول أعلى هرمي السلطة القضائية في صراع محموم بين رئيس محكمة التعقيب، أعلى محكمة قضائية، والنائب العام بشير العكرمي، حيث تبادلا اتهامات بالفساد والرشوة والتورط في جرائم إرهابية في شكل شكايات ومحاضر قضائية تم تسريبها.
وأعلن المجلس الأعلى للقضاء (هيئة دستورية مستقلة مهمتها تنظيم منظومة القضاء والعدالة)، منذ أسابيع، تجميد عضوية راشد، فيما طالب عدد من القضاة والمجتمع المدني برفع الحصانة عنه ومثوله أمام النيابة العمومية للتحقيق معه على غرار العكرمي، كما طلبوا بتعيين قاض آخر في منصبه على رأس محكمة التعقيب وفي رئاسة الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين (المحكمة الدستورية المؤقتة).
وتزايد طلب الشارع التونسي فتح ملفات جميع القضاة الذين تحوم حولهم شبهات فساد، بغض النظر عن مواقعهم أو الدعم السياسي الذي يحظون به.
وطالما ضغط الرئيس التونسي قيس سعيد على القضاء في البلاد، وطالب بضرورة تنقية السلطة القضائية لحماية استقلاليتها رافعا شعار "قضاء نزيه خير من ألف دستور" بحسب تعبيره.
وكان الرئيس التونسي قد أكد، في آخر لقاء جمعه بممثلي الهياكل القضائية، أن" تطهير البلاد لا يمكن أن يتحقق إلا بقضاء عادل وقضاة يحرصون على استقلاليتهم نفس حرصهم على تطبيق القانون".
واستنكر سعيّد، أمس الخميس، إطلاق سراح القاضية التي ضبطت مؤخرا وبحوزتها مبلغ مالي هام من العملة التونسية والأجنبية (1.5 مليون دينار) من دون محاسبة، قائلا بمنتهى الغضب "الأخيرة حملت مليار وتركوها هكذا".
وتابع رئيس الدولة في كلمة نشرت على صفحة الرئاسة "لم نتدخل يوما في القضاء ولكن ليتحمل مسؤوليته، إما أن يكون في الموعد مع التاريخ، أو فإن من يتواطأ مع هؤلاء سيتحمل مسؤوليته".
وفي السياق، أكدت جمعية القضاة في بيانها الأخير تمسكها بموقفها الثابت بخصوص مبدأ سيادة القانون ونفاذه على الجميع، مشددة على أهمية ضرورة إخضاع كل من ثبت تورطه في جرائم وانتهاكات، مهما كان نوعها، إلى المساءلة والمحاسبة الفاعلة والجدية في نطاق الإجراءات والضمانات التي يكفلها القانون من دون تأخير.
ودعا المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين المجلس الأعلى للقضاء إلى تحمل مسؤوليته الدستورية في مجالات اختصاصه، مع التأكيد على وجوب ضمان المجلس لاستكمال مسار المساءلة والمحاسبة بكامل الجدية والشفافية ومن دون توان في نطاق الإجراءات المنصوص عليها قانونا وضمانات المحاكمة العادلة.