فشل البرلمان اللبناني في انتخاب رئيس جديد للبلاد، بعد عدم تمكن أي مرشح من تأمين غالبية الثلثين من أصوات النواب، أي ما يعادل 86 نائباً من أصل 128، وذلك في الدورة الأولى التي شارك فيها 122 نائباً، في حين ختم رئيس المجلس نبيه بري الجلسة بعد إسقاط نصاب الدورة الثانية، من دون أن يحدد موعداً جديداً "بانتظار حصول نوع من التوافق"، على حدّ تعبيره، في سيناريو كان متوقعاً.
وغادر عددٌ من النواب الذين يمثلون كتلا نيابية سياسية، على رأسها كتلة "التنمية والتحرير" برئاسة نبيه بري، وكتلة "حزب الله" وحلفائه، القاعة، ما أسقط نصاب الدورة الثانية، في مشهدٍ سبق أن اعتمده هذا الحلف عند انتخاب خلف الرئيس الأسبق ميشال سليمان عام 2014، فكان المتحكّم بالنصاب، ومسقط الجلسات لحين فرض مرشحه ونضوج التسوية السياسية التي أوصلت ميشال عون لسدة الرئاسة عام 2016.
وقال رئيس البرلمان نبيه بري عند ختمه الجلسة: "إذا لم يكن هناك توافق، وإذا لم نكن 128 صوتاً، لن نتمكّن من إنقاذ لا المجلس النيابي ولا لبنان، وعندما أرى أن هناك توافقاً سوف أدعو فوراً إلى جلسة لانتخاب رئيس، وإلا فلكل حادث حديث".
وانحصر التنافس اليوم الخميس بين "الأوراق البيضاء" التي أنزلها في الصندوق نواب "حزب الله"، و"حركة أمل" برئاسة بري، و"التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل وحلفائهم، وقد بلغت 63 ورقة، فيما حصل النائب ميشال معوض على 36 صوتاً من أصوات القوى المعارضة، حزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، وحزب "الكتائب اللبنانية" برئاسة النائب سامي الجميل، و"الحزب التقدمي الاشتراكي" برئاسة وليد جنبلاط، وبعض النواب المستقلين.
وحاز مرشح النواب التغييريين سليم إده على 11 صوتاً، مع الإشارة إلى أن نائبين من التكتل اعتذرا عن الحضور، هما النائبة نجاة صليبا، والنائب إبراهيم منيمنة، في حين حصلت الشابة الإيرانية مهسا أميني، التي فجّرت وفاتها احتجاجات في إيران، على صوت واحد من قبل أحد النواب الذي أنزل اسمها في الصندوق في خطوة وضعت في إطار توجيهه رسالة ضد حزب الله ومن خلفه إيران. بينما صوّت 10 نواب بورقة كتب عليها "لبنان"، واختار نائب التصويت بورقة كتب عليها "نهج رشيد كرامي".
ولم تفضِ المشاورات بين قوى المعارضة والتغييريين ليلاً إلى الاتفاق حول اسم واحد، الأمر الذي دفع كل فريق إلى اختيار مرشحه، ما أطاح بتسمية النائب الأسبق صلاح حنين، المعروف سياسياً بقربه من خط 14 آذار، حيث رشح المعارضون، وبعض النواب المستقلين، النائب ميشال معوض (نجل الرئيس الأسبق رينيه معوض الذي اغتيل في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989)، وهو اسمٌ لم يقبل به التغييريون، لكونه يمثل السلطة السياسية، ولأنه كان أيضاً عضواً في تكتل "لبنان القوي" برئاسة جبران باسيل في انتخابات 2018 النيابية، فتحالف معه رغم الاختلاف السياسي بينهما ومعارضته لـ"حزب الله" وحلفائه.
وذهب التغييريون باتجاه تسمية سليم إده، رجل الأعمال اللبناني ونجل المحامي والسياسي ميشال إده، وذلك بعدما ضمت قائمة اقتراحاتهم صلاح حنين، ووزير الداخلية الأسبق زياد بارود.
بينما عجز "حزب الله" عن تقريب المسافات بين المتنافسين الأبرز على الرئاسة، باسيل، ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، صاحب التأييد الأكبر من بري وكتلته البرلمانية، وقد أعلن ترشحه للرئاسة بعكس باسيل المستمرّ في المناورة، من هنا كانت الورقة البيضاء إلى حين التوافق على اسم للرئاسة.
السبب وراء اختيار إده
وحول السبب وراء اختيار إده بالذات، يشير النائب ياسين ياسين إلى أنه "كان بين أربعة أسماء مرشحة بالنسبة إلينا، وحاولنا الخروج باسم واحد خلال يومين، وكثفنا اجتماعاتنا، ونحن نعرف مسبقاً مسار الجلسة ونتيجتها، ملمحاً إلى إمكانية تغيير المرشح في الجلسات المقبلة".
ويؤكد ياسين على أهمية الاستحقاق وإطلاقهم مبادرة رئاسية وتواصلهم مع جميع الكتل نظراً لضرورة إتمامه، وفق الأصول الديمقراطية، وعدم جرّ البلاد إلى الفراغ، آملاً أن يتم تحديد جلسة ثانية سريعاً، لكنه في المقابل أعرب عن عدم تفاؤله بقرب موعدها
مشهد يعبّر عن الانقسام العمودي في المجتمع اللبناني
في السياق، يرى النائب السابق مصطفى علوش أن "ما حصل اليوم مشهدية طبيعية تعبّر عن واقع الانقسام العمودي في المجتمع اللبناني، ولو كان الوضع عكس ذلك لكانت الأمور في البلاد بخير، وذهبنا بالتوجه الديمقراطي، بيد أن هيمنة السلاح، وهي قوّة أكبر من الخيارات الديمقراطية، تجعلنا نقع بالإشكال الكبير والفراغ".
واعتبر علوش، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن ذهاب قوى المعارضة بمرشح محدد "بداية ممتازة، وتخفف من عبء الحيرة والجدل، وتجعلنا نقترب من الخيار الممكن"، إلا أنه أشار إلى وجود صعوبة في الوصول إلى الثلثين المطلوبين لانتخاب رئيس، باعتبار ذلك "بيد الطرف الآخر"، مبينًا أن "الوضع مستمرّ على التشنّج القائم، وأن الفراغ سيطول، لأن الحلول تكون بالتشارك بين الخارج والداخل".
ويشير علوش إلى أن أي طرح لرئيس جمهورية يعني أن هناك اتفاقاً دولياً إقليمياً على إيصاله، في حين أن الظروف التي تجعل الاتفاق قائماً ليست متوافرة اليوم، ولم تنضج بعد.
معوض مرشح المعارضة الدائم؟
وقال عضو "اللقاء الديمقراطي"، النائب بلال عبد الله لـ"العربي الجديد"، إن "البداية اليوم إيجابية، والتعبير وطريقة التصويت هما حقان ديمقراطيان لكل فريق سياسي، وتبقى العبرة أن البلد لا يحتمل التعطيل والتأجيل، والمهم أن نسرع إلى بلورة مخارج لانتخاب رئيس يستطيع أن يساعد على انتقال البلد من مرحلة الانهيار إلى التعافي".
وعما إذا كان معوض سيكون مرشح المعارضة الدائم، يلفت عبد الله إلى أنه "طالما أنه مرشح فنحن ممكن أن نتبناه، فهو حريص على اتفاق الطائف، ومن بيت سياسي قدم شهيداً للوطن، وله حضور وممارسة نوعية بإطاره التشريعي المؤسساتي والاجتماعي، وكما بات معروفاً أن لا فريق سياسيا يملك اليوم الأكثرية في مجلس النواب، من هنا سنكون برأيي أمام حالة انتظارية".
ويؤكد عبد الله أن حركة التواصل والمشاورات ستتكثف في المرحلة المقبلة بين الكتل البرلمانية والقوى السياسية.
وحول عدم التقائهم مع تكتل التغييريين، رغم التواصل بينهم ومحاولة التوافق على اسم واحد، يقول عبد الله، إن "التواصل حصل وسيستمرّ، ونحن اعتبرنا معوض يحوز على الأكثرية ضمن الجو المرتبط بالموقف السياسي، وفتح لبنان على العمق العربي والمجتمع الدولي بالإنقاذ الاقتصادي، بيد أن التغييريين لم يتبنّوه".
من جهته، يقول النائب عن كتلة التغييريين، ياسين ياسين لـ"العربي الجديد"، أن جلسة الخميس لم تشهد مفاجآت، لافتاً إلى أن الوقت كان ضيقاً جداً للخروج باسم مرشح للرئاسة، قائلاً: "فكّرنا حتى بالورقة البيضاء، لكن قررنا خوض الاستحقاق والمشاركة والانتخاب، ووضعنا سلة من الأسماء منها صلاح حنين وسليم اده، فوقع الاختيار على الأخير".
القوات اللبنانية: هدفنا أن تتوحد المعارضة حول اسم واحد
من جهته، يقول رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب "القوات اللبنانية" شارل جبور، إن "موقف القوات يرتكز على وحدة موقف المعارضة، إذ إن الهدف الأساسي للحزب أن تتوحد المعارضة حول اسم واحد، وهو ما عملنا ونعمل عليه".
ولفت جبور، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أنه "انطلاقاً من رؤيتنا، وبعد الاستطلاع والاتصالات واللقاءات الجانبية والتواصل المفتوح منذ دعوة رئيس البرلمان نبيه بري إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، رأينا أن أكثرية قوى المعارضة ذاهبة باتجاه النائب ميشال معوض، وذلك ليس مفاضلة، فالأسماء الموجودة بالسلة التي بحثنا فيها سيادية وإصلاحية، ولكن بنهاية المطاف يجب أن نتبنى موقفا معينا، وهو ما ذهبنا باتجاهه".
ويشدد رئيس جهاز الإعلام والتواصل على أن "أهمية المشهد اليوم تكمن في أنّ المعارضة لها مرشح، بينما الفريق الآخر صوّت بورقة بيضاء، الأمر الذي يشكل خطوة متقدمة للمعارضة على الفريق الآخر".
ويشير جبور إلى أن "صلاح حنين طُرح اسمه ضمن السلة السيادية الإصلاحية، والمواصفات المطلوب توافرها في الرئيس، لكن هناك تبدية اسم على اسم، لأن أكثرية المعارضة ذهبت بهذا الاتجاه، وأولويتنا الدائمة وحدة موقف المعارضة"، لافتاً إلى أن "المرحلة المقبلة فيها تحديات كثيرة، ونحن بحاجة إلى شخصية رئاسية قادرة على مواجهة هذه التحديات".
وكان البرلمان اللبناني، قد عقد اليوم الخميس، جلسة لانتخاب رئيس جديدٍ للبلاد خلفاً للرئيس ميشال عون، الذي تنتهي ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
أما أسماء من أعلنوا رسمياً ترشحهم لرئاسة الجمهورية، رغم عدم توافر أي حظوظ لهم، فمنها: ترايسي شمعون حفيدة الرئيس السابق كميل شمعون، والمناهضة لـ"حزب الله"، ورجل الأعمال زياد حايك، والكاتبة المدافعة عن حقوق المرأة مي الريحاني، ورجل الأعمال سايد بطرس، ورئيس حزب الإنقاذ البيئي بشارة أبي يونس.
وتتوزع الكتل النيابية على الشكل الآتي: تكتل "الجمهورية القوية" (يمثل القوات) 19 نائباً، "لبنان القوي" برئاسة باسيل 18 نائباً، وهو يضيف إليهم النواب الأرمن (3 نواب)، و"الوفاء للمقاومة" (تمثل حزب الله) 15 نائباً، و"التنمية والتحرير" برئاسة بري 15 نائباً، وكتلة التغييريين تضم 13 نائباً، واللقاء الديمقراطي الاشتراكي 8 نواب، واللقاء النيابي الشمالي 6 نواب، و"الكتائب اللبنانية" 4 نواب، وكتلة التجدد 4 نواب، والتكتل الوطني المستقل 3 نواب، وكتلة مشروع وطن الإنسان نائبين، وكتلة المشاريع نائبين، الجماعة الإسلامية نائب واحد، والمستقلون 15 نائباً.
ومن المعروف أن مدة ولاية رئيس الجمهورية هي ست سنوات، في وقت ينص العرف على أن يكون من المذهب الماروني، كما لا توجد في الدستور اللبناني أي آلية إدارية أو قانونية خاصة بالترشح للانتخابات الرئاسية، ويمكن للنواب ترشيح أي شخصية ولو لم تكن مرشحة، وهو حال معظم الأسماء التي يتم تردادها، وإدخالها السباق الرئاسي، من دون أن تعلن ترشحها.
وكان المدير التنفيذي في جمعية "لادي" (الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات في لبنان) علي سليم، قد قال إن الأكثرية المطلوبة في دورة الاقتراع الأولى هي غالبية الثلثين، أي ما يعادل 86 نائباً للمجلس النيابي المكتمل، أما في الدورة اللاحقة فتكون الغالبية المطلقة، أي ما يعادل 65 نائباً من مجموع أعضاء المجلس الـ128.
وأشار سليم، في حديث مع "العربي الجديد" قبل الجلسة، إلى أنه بغض النظر عن الاعتبارات التوافقية السياسية حول اسم للرئاسة، فإنه "بالنسبة إلينا" يكمن دور المجلس في الانعقاد لانتخاب رئيس قبل انتهاء ولاية عون، وعدم إدخال البلاد في فراغ رئاسي، فالأهم يتمثل في استمرارية المؤسسات الدستورية.
في المقابل، لا يخفي سليم أن "الاعتبارات السياسية حتماً تخيفنا"، لأن الأحزاب والكتل النيابية التابعة لها تضرب كل اللعبة الديمقراطية من خلال الاتفاق المسبق على اسم وتجهيز الطبخة الرئاسية قبل النزول إلى مجلس النواب وتأمين النصاب، وهذا النهج استمر على مرّ الممارسات والاستحقاقات الماضية.