قرّر مجلس النواب الليبي مخاطبة المجلس الرئاسي ووزارة الخارجية في الحكومة، لـ"تقييد تحركات وزيارات السفراء الأجانب في ليبيا"، بل وإعداد قرار للتصويت عليه، باعتبار السفيرة البريطانية كارولين هورندال "شخصية غير مرغوب فيها".
يأتي هذا على خلفية بيان أصدرته سفارات خمس دول، هي الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة، تؤكد ضرورة تسليم السلطة في ليبيا إلى سلطة منتخبة، وبسبب تصريح السفيرة بأن بلادها ستواصل الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية إلى حين الإعلان عن نتائج الانتخابات المؤجلة.
وصدرت تلك القرارات خلال جلسة حامية للنواب، الاثنين الماضي، عبّروا فيها عن "غيرتهم" على الشأن الداخلي للبلاد. ووصل بعضهم إلى المطالبة بـ"طرد السفيرة البريطانية"، لتعمل هيئة الرئاسة على تلطيف هذا الطلب، بمطالبة وزارة الخارجية والمجلس الرئاسي بإعلام بريطانيا بأن سفيرتها "شخصية غير مرغوب فيها".
نظر النواب إلى بيانات تلك السفارات كشقين؛ فلم يستنكروا إلا الشق الخاص بالحديث عن الحكومة، التي يتواجد على رأسها منافس رئاسي لشخصيات تسيطر على قرار المجلس، وهو عبد الحميد الدبيبة، ولطالما سعوا إلى الإطاحة به.
وجاءت فرصة فشل الانتخابات لتحميله مسؤولية كل شيء. أما الشق الآخر من البيان، والمتعلق بضرورة تعديل القوانين الانتخابية وتحديد مواعيد جديدة للانتخابات في أقرب وقت، فلم يلتفت إليه مجلس النواب، وكأن الانتخابات ليست شأناً داخلياً! وكأن الناخبين ليسوا ليبيين.
أما استنكار مجلس النواب التدخلات الخارجية في الشأن الليبي، فهو أمر مضحك. فهذا المجلس هو الذي شرعن هذه التدخلات، وأول من سمح لكل المتنافسين الدوليين في الملف الليبي بأن يتنفذوا على الأرض، مع تواجد مقاتلين من جنسيات أفريقية مختلفة على الأراضي الليبية، ناهيك عن قاعدة الخادم العسكرية، التي بناها الإماراتيون على بعد 400 كيلومتر فقط من مقر مجلس النواب. والقائمة تطول لأسماء الدول التي فتح لها مجلس النواب أبواب البلاد على مصراعيها، للتدخل في الشأن الليبي، وآخرها شركات المرتزقة الروسية، وإن اشتهرت من بينها "فاغنر".
حتى قبل شهرين من الآن، كان التدخل العسكري التركي في ليبيا، إلى جانب قوات حكومة الوفاق السابقة، "استعماراً وغزواً"، قبل أن تتلاشى بشكل تدريجي تلك التوصيفات، ورأينا نواباً يزورون أنقرة قبل أيام، قبل أن يرجعوا وكلهم ثناء على الاتفاقات التي وقّعتها حكومة الوفاق مع تركيا، وأصبحت في صالح الوطن والبلاد، بعد أن كانت شعاراً للتعبئة والتحشيد المسلح ضمن المعارك والحروب التي أتت على الأخضر واليابس.
التدخل في الشأن الداخلي لدى مجلس النواب، لم يعد تدخلاً فقط، بل بات مشاركة، وربما أكثر، في صياغة وصناعة القرار الليبي. وإلا ما الذي جعل المجلس يعدل عن كل حماسه، خلال جلسته يوم الإثنين، ولا يصوّت على أي من تلك القرارات التي سنّها في جلسته السابقة، ويستعيض عنها بجدول أعمال جديد، عن قانون النقابات والعلاج في الخارج؟
يعلق أحد المدونين الليبيين بالقول إنه "بدلاً من أن يصوّت على قرارات التدخل الخارجي، فضّل أن يصوّت على قرار لتسهيل العلاج لليبيين في الخارج... شر البلية ما يضحك".