أعلنت مكونات من محافظة حضرموت، شرقي اليمن، الثلاثاء الماضي، إشهار كيان جديد تحت مسمى "مجلس حضرموت الوطني"، كحامل سياسي لتطلعات المحافظة، وذلك في ختام مشاورات لمشايخ ووجهاء وأعيان من مختلف المكونات، عقدت في الرياض بين 21 مايو/ أيار الماضي و19 يونيو/ حزيران الحالي.
وصدرت في الجلسة الختامية للمشاورات، التي حضرها السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر ومحافظ حضرموت مبخوت بن ماضي، "الوثيقة السياسية والحقوقية الحضرمية". وتضمنت نتائج المشاورات التي وصفت بـ"الشاملة والمسؤولة"، والتي استمرت شهراً في الرياض، بهدف الخروج برؤية موحدة بشأن مستقبل المحافظة.
ونصت الوثيقة على أن يضم "مجلس حضرموت الوطني" في عضويته كل المشاركين في المشاورات، والوزراء الحضارم والمحافظ والوكلاء، والوكلاء المساعدين بالمحافظة، وممثليها في مجلسي النواب والشورى، إضافة إلى القادة العسكريين والأمنيين والأكاديميين، وممثلين عن قطاع المرأة والشباب ومنظمات المجتمع المدني والمهاجر الحضرمية وشخصيات اعتبارية.
كما نصت الوثيقة على أن يبقى الباب مفتوحاً لانضمام القوى والشخصيات الفاعلة، وتلك التي تتبنى رؤية المجلس. واشتملت الوثيقة المعلنة على مجموعة من الالتزامات والمبادئ والترتيبات الضامنة، وإنشاء هيئة تأسيسية للمجلس برئاسة بدر باسلمة، وهو شخصية تجارية محايدة، وعضوية المهندس أبوبكر السري، وسليمان كشميم بن هلابي، وعبد القادر بايزيد، وعمر بن شهاب، وجمعان بن سعد، ومحمد باهبري.
حق أبناء حضرموت بإدارة شؤونهم
وأكدت الوثيقة حق أبناء حضرموت "في إدارة شؤونهم السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية، بهدف تخفيف المعاناة الإنسانية، وتنمية حضرموت لتكون نموذجاً، وبداية استعادة السلام والاستقرار في الوطن".
وشددت على وحدة حضرموت، مع الإقرار بالتعددية السياسية والاجتماعية فيها، وعلى الالتزام بالأهداف المشتركة مع "تحالف دعم الشرعية"، بقيادة السعودية. وأشارت الوثيقة إلى حق "الشعب الحضرمي"، عبر مكوناته المختلفة، بالمشاركة العادلة في صناعة القرار السيادي، بما يضمن حماية المصالح الحيوية لأبناء حضرموت بشكل مستقل، والتعهد بتحييد المؤسسات الخدمية والأمنية والعسكرية عن أي اختلافات بينية، وصياغة إعلان مبادئ على نطاق واسع خلال الفترة المقبلة.
وكانت السعودية قد استدعت شخصيات حضرمية تمثل مختلف المكونات للتشاور في الرياض في 19 مايو الماضي، عقب يوم من زيارة رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي إلى مدينة المكلا، مركز حضرموت الإداري، وسط حراسة مشددة وعربات عسكرية ومدرعات قَدِمت من خارج المحافظة.
وجاء ذلك بالتزامن مع اجتماع لـ"الجمعية الوطنية" التابعة للمجلس، المطالب بانفصال جنوب البلاد، في المدينة، أوصت بإعادة النظر في الشراكة مع الحكومة اليمنية وبسط نفوذ "الانتقالي" على كامل أراضي جنوب اليمن.
ياسين التميمي: اللافت في بيان المشاركين بمشاورات حضرموت عدم إشارته إلى مسمى اليمن بأي شكل من الأشكال
وشاركت في توقيع الوثيقة الختامية الحضرمية أكثر من 70 شخصية، بينها أعضاء في مجلسي النواب والشورى، ورؤساء حكومات سابقون، وقادة قبليون وعسكريون وأكاديميون.
ويشير هؤلاء إلى أن المشاورات، التي اختتمت الثلاثاء الماضي، جاءت حرصاً على النأي بحضرموت عن أي توترات أو خلافات بينيّة، وفي سبيل توحيد رؤية جميع المكونات في المحافظة النفطية الاستراتيجية وذات المساحة الجغرافية الواسعة، شرقي البلاد، لا سيما عقب تصعيد المجلس الانتقالي الجنوبي تحركاته الرامية للسيطرة على المحافظة.
لقاء العليمي مع المشاركين باجتماع حضرموت
وأشاد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، خلال لقاء جمعه في الرياض أول من أمس بمحافظ حضرموت مبخوت بن ماضي، والسلطة المحلية، والقيادات والوجهاء، والشخصيات الاجتماعية المشاركة في المشاورات الحضرمية، "بالأجواء الإيجابية التي سادت مشاورات أبناء محافظة حضرموت ومكوناتهم، وجهود الأشقاء في السعودية للنأي بمحافظة حضرموت والمناطق المحررة عن أي نزاعات بينية، والتفرغ لمواجهة مشروع ولاية الفقيه المتربص بالجميع، وفق ما نص عليه إعلان نقل السلطة، والأهداف الاستراتيجية لمجلس القيادة الرئاسي".
وبدا الاجتماع كلقاء مباركة واعتراف عالي المستوى بمخرجات هذه المشاورات، والكيان الجديد المعلن عنه بدعم سعودي. كما أشاد عضو مجلس القيادة الرئاسي عبد الله العليمي بالخطوة، التي اعتبرها، في تغريدة، الثلاثاء الماضي، نموذجاً تقدمه حضرموت "في وحدة الصف والكلمة والثبات على المبدأ في الدفاع عن حقوقها ومصالح أبنائها". ووصف ما حدث بأنه "خطوة بنّاءة تستدعي من كل المحافظات الأخرى توحيد صفوفها لتحظى بالمكانة التي تليق بها في المشروع الوطني".
كبح جماح "الانتقالي"
على الجانب الآخر، تُظْهر ملابسات انطلاق هذه المشاورات ونتائجها بما فيها المجلس المعلن عنه، أنها تأتي لكبح جماح المجلس الانتقالي الجنوبي الساعي للسيطرة على المحافظة. وربما هذا ما دفع عضو مجلس القيادة الرئاسي ونائب رئيس "الانتقالي" فرج البحسني إلى إبداء انزعاجه من مخرجات المشاورات. وكتب، في تغريدة، الثلاثاء الماضي، إن "ما يجب أن يكون في هذه المرحلة بحضرموت هو أن يحمل كل أبنائها رؤية واحدة واضحة"، مضيفاً أن ما وصفه بـ"تعدد المشاريع والرؤى والإقصاء لن يزيدنا إلا تفككاً، ونحن لسنا بحاجة لذلك".
وكان "المجلس الانتقالي" قد استبق إعلان المجلس الحضرمي بخطاب أرسله "مشايخ وأعيان حضرموت" إلى السعودية ومجلس القيادة الرئاسي بشأن الوفد الحضرمي في الرياض. واستنكر الخطاب، وفق وسائل إعلام "الانتقالي"، ما وصفها بـ"محاولة اختزال حضرموت في طيف سياسي واجتماعي واحد". وقال إن "هناك من يريد إقصاء أبناء حضرموت والتحدث ممثلاً عنهم"، محذراً من أن "مشايخ حضرموت غير ملزمين بما يترتب على اللقاءات المنفردة في السعودية".
وحضرموت كبرى المحافظات اليمنية لجهة المساحة، تمثل إحدى أكبر مصادر إيرادات الدولة اليمنية، حيث توجد ثروة كبيرة من الموارد الطبيعية، مثل الأسماك، ولها ساحل ممتد على البحر العربي، إضافة إلى أنها من أهم المحافظات المنتجة للنفط. ولدى المحافظة حدود طويلة مع السعودية، وبها ميناء الوديعة البري على الحدود اليمنية السعودية، وهو المنفذ الوحيد الذي يعمل في زمن الحرب، إضافة إلى قطاع واسع من رجال الأعمال الحضارم الذين يعملون في المملكة ويحققون إيرادات كبيرة.
ورأى "المجلس الانتقالي" في المحافظ منقذاً له من الوضع الراهن والصعب في المحافظات الجنوبية الخاضعة لسيطرته وشحيحة الإيرادات. وعلى الرغم من أنه بدأ بتحقيق نفوذ في الجزء الساحلي من المحافظة، فإن وجود المنطقة الأولى في مديريات الوادي والصحراء الأقرب لحدود السعودية صعب عليه المهمة هناك، ولذلك فإنه يطالب بطرد القوات من المنطقة التي يصفها بقوات الاحتلال اليمني، ويتهمها بالولاء لحزب "الإصلاح" ذي الجذور الإسلامية.
خطوط سعودية حمراء
ورأى الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي أن "مشاورات الرياض عكَست بشكل واضح صراع نفوذ بين دولتي التحالف السعودية والإمارات"، موضحاً أن "الإمارات تريد أن تفرض هيمنة مطلقة للمجلس الانتقالي على الإقليم الشرقي، الذي يضم حضرموت والمهرة، فيما السعودية يبدو أنها وضعت خطوطاً حمراء".
وأضاف التميمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لكي تحسم السعودية هذا الصراع أنشأت على أثر الأزمة مساراً سياسياً. وهذا المسار مضى بهدوء. ولضمان استمرار الهدوء، استدعت السعودية إلى الرياض رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، ونائبه فرج البحسني ــ اللذين دشنا مرحلة من النشاط السياسي في حضرموت يبدو أنها استفزت المملكة – وهمشتهما".
واعتبر أن "هذا المجلس سيكون منافساً قوياً في مواجهة المجلس الانتقالي الجنوبي"، مضيفاً: "اليوم نحن أمام مجلس حضرموت الوطني في الشرق والمجلس الانتقالي الجنوبي في الغرب، وهذا المجلس المعلن يشير بوضوح إلى أن المشروع السياسي في حضرموت لا علاقة له بمشروع المجلس الانتقالي".
وحول مشروعية هذا الكيان، قال التميمي: "نحن الآن أمام مرحلة جديدة، ومسار جديد، ودائماً الأجندة وضعت ورتّبت من خلال السعودية عبر اللجنة الخاصة والسفير محمد آل جابر. ولكي يولد هذا المشروع بشكل شرعي، نُظّم لقاء لممثليه مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ليبدو الأمر وكأنه يتم تحت مباركة الدولة اليمنية، وأخذ مباركة رئيس مجلس القيادة، وأصبح اليوم مثله مثل المجلس الانتقالي، سيكون له وزراء يشاركون في الحكومة".
وبشأن البيان، قال التميمي إن اللافت فيه "عدم إشارته إلى مسمى اليمن أو الجمهورية اليمنية بأي شكل من الأشكال"، مشيراً إلى أنه "اكتفى بالإشارة إلى الوطن، وتحدث كثيراً عن حضرموت، وأشار مرة واحدة إلى المحافظات الجنوبية".
وعن دلالات ذلك، قال التميمي إن "الأمر واضح. ورغم أن حضرموت بتحركها هذا تفسد على المجلس الانتقالي مشروعه الذي يقضي بفصل الجنوب عن الشمال، إلا أننا في النهاية أمام مشروع ذي طبيعة انفصالية أيضاً، ويبدو أنه سيدخل ضمن الترتيبات السياسية بهذا المفهوم وبهذه الهوية". وأضاف أن "بُعده الإيجابي يكمن في أنه يمثّل مقابلاً مضاداً للمشروع الانفصالي، لكن هو في محصلته النهائية لا يخدم حاجة البلد إلى لملمة كافة الملفات والاتجاه نحو استعادة الدولة".
متعب بازياد: يحاول الحضارم العمل في إطار قواعد الواقعية السياسية
من جانبه، قال نائب مدير مكتب رئيس مجلس الوزراء متعب بازياد، لـ"العربي الجديد"، إن المجلس "مكون سياسي حامل لقضية حضرموت العادلة. وهو كغيره من المكونات السياسية التي تنشأ في هذا الظرف المعقد من تاريخ اليمن، لكن بعقل التاجر الحضرمي وداعية السلام الذي فتح ممالك شرق أفريقيا وجنوب آسيا وغيرها".
وأضاف أن هذا المكون "بادرة من رجال الدولة الحضارم، وهو يضم في عضويته التأسيسية كافة ممثلي حضرموت في الهيئات والمؤسسات الدستورية للدولة اليمنية، ويحظى بمباركة الأشقاء في التحالف العربي، الملتزمين سياسياً وأخلاقياً بأمن واستقرار ووحدة اليمن، وتعترف به الدولة من أعلى هرمها القيادي".
العمل من خلال الدولة وقوانينها
وتابع بازياد: يحاول الحضارم العمل في إطار قواعد الواقعية السياسية "من خلال ترشيد رؤاهم وانسجامها مع ثقافة الدولة، أو قل البحث عن مظلّة الدولة كحارس وحيد، والعمل من خلال الدولة، وبرجالها وقوانينها"، مضيفاً أنه "إذا وسّع الحضارم أكثر فلن يخرجوا عن إطار مخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل، في الذهاب لشكل الدولة الاتحادية".
وأشار إلى أنه "منذ أكثر من 12 سنة، كل الوثائق السياسية الحضرمية (حضرموت الرؤية والمسار، إعلان إقليم المحافظات الشرقية، تنسيقية إقليم حضرموت، مخرجات مؤتمر حضرموت الجامع، بيان التشاور الحضرمي في سيئون أخيراً)، تنادي بالتمسك بقيم وأعراف الدولة، دون شطط في النهج، ولا عنف في الأدوات، ولا شيطنة للآخر. وحتى اليوم، وهم يعلنون المجلس الوطني الحضرمي، أكدوا على رفض المليشيات خارج الدولة، وطالبوا بتجنيد رسمي في وحدات الجيش وقوى الأمن القائمة".
وتمنى بازياد أن تكون قراءة كل "النخب في شمال اليمن وجنوبه وغربه ووسطه لوثائق إشهار المجلس الوطني الحضرمي بنَفَس وطني ناقد متبصر، انطلاقاً من هذه الخلفية السياسية المتصالحة لدى الحضارم، وأن يكون إقليم حضرموت رافعة للمشروع الوطني اليمني نحو الدولة الاتحادية العادلة الضامنة لحقوق المواطنة".