منذ فترة ليست بقصيرة تطرح في الساحة الباكستانية قضية التطبيع مع إسرائيل والاعتراف بها. وفي حين أن الموقف الرسمي في باكستان ما زال ثابتاً على عدم الاعتراف بإسرائيل ورفض التطبيع معها، ثمة جهات مختلفة وسياسيون تحدثوا حول القضية وشددوا على ضرورة التماهي مع العالم.
هم يرون أنه في ظل المستجدات التي يشهدها العالم لا بد من إعادة النظر في العلاقات مع إسرائيل. كما تحدثت تسريبات بين الحين والآخر، أن هناك جهوداً من وراء الكواليس من قبل بعض الدول من أجل إقناع باكستان بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلا أن باكستان رفضت ذلك.
في هذا السياق، قال زعيم جمعية علماء الإسلام، كبرى الجماعات الدينية في باكستان، المولوي فضل الرحمن، وهو أيضاً زعيم "التحالف من أجل الديمقراطية" الذي كان يحكم في باكستان قبل حكومة تصريف الأعمال الحالية، إنه في السنوات الماضية مورست ضغوط متزايدة على باكستان للاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها، وهي كانت مستمرة حتى 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تاريخ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة.
وأوضح أن الحكومة السابقة، من دون أن يحدد إن كان يعني حكومة شهباز شريف التي كان جزءاً منها أو حكومة عمران خان التي كان من أشد معارضيها، كانت تعمل من أجل الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها، لكن تلك الجهود لم تتكلل بالنجاح بسبب معارضة البعض منهم هو نفسه، وفقاً له.
شفاعت علي: لا يزال هناك في المؤسسة العسكرية من يرى أن موقف باكستان حيال إسرائيل لا بد أن يتغير
وأضاف المولوي فضل، في حديث له مع صحافيين في 11 ديسمبر/كانون الأول الحالي، أنه عارض الفكرة بقوة وأفشل ذلك المخطط، موضحاً أن 7 أكتوبر كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وأكد أن ما يجري في فلسطين، تحديداً في غزة، يمثل ضربة قوية لمساعي التطبيع مع إسرائيل خصوصاً في ما يتعلق بباكستان.
وحذّر من أن القوى الدولية وبعض القوى المحلية، وجهات داخل باكستان، لم يسمّها، لم ولن توقف المساعي لإقناع باكستان بالاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها، على الرغم مما تشهده غزة، بالتالي إن على الشعب الباكستاني أن يكون يقظا إزاء ذلك.
وشدّد على أن الانتخابات المقبلة (المقررة في 8 فبراير/شباط المقبل) مهمة، وعلى الشعب الباكستاني أن يأخذ في عين الاعتبار هذه القضية، وألا يدلي بصوته لصالح من يحب التطبيع مع إسرائيل، ويسعى للاعتراف بها.
مواقف رافضة للتطبيع مع إسرائيل
لم يكن المولوي فضل الرحمن السياسي الوحيد الذي تحدث عن القضية، إذ سبق للعديد من الزعماء السياسيين أن تحدثوا حول القضية، منهم وزير الخارجية الحالي جليل عباس جيلاني، الذي قال في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، إن باكستان لا تفكر في الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها، وإن موقفها ثابت من القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة على حدود عام 1967.
كما ذكر وزير الخارجية السابق شاه محمود قرشي، أكثر من مرة، أن بلاده لا تفكر في التطبيع مع إسرائيل ولن تقبل أي ضغط في هذا الشأن. لكن رئيس الوزراء السابق عمران خان تحدث بكل وضوح حول القضية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 حين قال في حوار له مع الصحافيين إنه واجه ضغوطاً كبيرة ليعترف بإسرائيل، ولكنه رفض ذلك وسيرفضه إلى حين تأسيس دولة فلسطينية وفق تطلعات الشعب الفلسطيني، لأن مؤسس باكستان محمد علي جناح، شدّد على أنه لا يمكن الاعتراف بإسرائيل.
وعندما سئل حول الجهات أو الدول التي مارست الضغوط على باكستان للاعتراف بإسرائيل، قال خان "لن أتحدث عن تلك الدول أو الجهات، والأحرى ألا أسأل عن ذلك"، لكنه لفت إلى أن هناك دولاً إسلامية لها علاقات جيدة مع إسرائيل مثل الإمارات والبحرين، بالتالي إسرائيل تسعى لتطبيع العلاقات مع كافة الدول الإسلامية، تحديداً باكستان.
وفي تعليق له على القضية، قال المحلل الأمني شفاعت علي، لـ"العربي الجديد"، إن قضية الاعتراف بإسرائيل كانت مطروحة في باكستان منذ فترة طويلة، منذ أيام الرئيس برويز مشرف، وكان مشرف مع التطبيع مع إسرائيل، ويرفض بشدة أي نوع من العداء معها، مضيفاً "لا يزال هناك في المؤسسة العسكرية من يريد السير مع دول العالم الأخرى مثل الإمارات والبحرين، ويرى أن موقف باكستان حيال إسرائيل لا بد أن يتغير، كما يوجد في الساحة السياسية من يميل إلى هذا الرأي".
وأكد علي أن هناك عقبات كبيرة في وجه هذا التيار وكل من يرغب في الاعتراف بإسرائيل، منها أن باكستان تقع في منطقة فيها تيارات جهادية منذ القدم، بالتالي باكستان تخشى جداً من رد فعل تلك الحركات الجهادية، خصوصاً بعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان.
وأضاف أن المدرسة الدينية الباكستانية تملك نفوذاً قوياً وميلا تجاه طالبان الأفغانية حالياً والحركات الجهادية، باكستان تدرك جيداً تبعات هذه الخطوة وبالتالي لن تجرؤ على ذلك.
محمد حسن: من يقول إنه يعارض تطبيع علاقات باكستان مع إسرائيل يقول ذلك لمجرد الدعاية الانتخابية
وأشار علي إلى أن باكستان أيضاً لها مصالح في المنطقة وتلك المصالح أكبر مما ستحصل عليها بحال الاعتراف بإسرائيل، على سبيل المثال لها علاقات وطيدة مع إيران في كل المجالات، والاعتراف بإسرائيل سيشكل ضربة للعلاقات الإيرانية الباكستانية.
وباكستان لن تضحي بإيران من أجل إرضاء أي دولة في المنطقة تسعى للتطبيع مع إسرائيل، موضحاً أن التقارب الموجود بين الهند، المنافسة لباكستان، وإسرائيل عقبة أخرى في سبيل الاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها.
تطلع جهات باكستانية للتطبيع
وكان الإعلامي المخضرم في باكستان حامد مير، قد قال في كلمة له أمام مؤتمر في العاصمة إسلام أباد من أجل التنديد بالعدوان على غزة، في 6 ديسمبر الحالي، مخاطباً زعيم جمعية علماء الإسلام، المولوي فضل الرحمن، وزعيم الجماعة الإسلامية سراج الحق: "إنكما تعرفان جيداً أن في باكستان جهات تقوم بالتنديد بالعدوان الإسرائيلي على غزة في الظاهر، لكننا جميعاً نعرف أنها تتطلع وترغب في غير ذلك، وهي تسعى للتطبيع مع إسرائيل".
كما أكد مير أن أبا القنبلة النووية الباكستانية عبد القدير خان، قد حكى له شخصياً أن إسرائيل لما كانت تعتدي مرة تلو الأخرى على الفلسطينيين.
ونقل عن خان قوله: "قررنا أن نقوم بشيء حيال ذلك ولنضرب إسرائيل، فقررنا أن نجعل صواريخ غوري بمدى خمسة آلاف كيلومتر، وبدأنا بالمشروع فعلاً، ولما أرسلنا الميزانية إلى الحكومة، دعاني الرئيس برويز مشرف وطلب مني أن أشرح له الميزانية، وقبل أن أبدأ الحديث قال لي مشرف كأنك تريد استهداف إسرائيل؟ فقلت نعم، فأجابني بكل وضوح أن عدونا هو الهند، وليست إسرائيل، من هنا لن أسمح بأن يكون مدى صواريخنا أكثر من ألفين أو 1500 كيلومتر". وأضاف مير أن قدير خان قال له إن هذا الموقف كان السبب وراء خلافه مع الحكومة الباكستانية، والذي تطور لاحقاً إلى اعتقاله.
وفي تعليق له على القضية، قال المحلل السياسي الباكستاني محمد حسن، لـ"العربي الجديد"، إن قضية التطبيع مع إسرائيل حاضرة منذ القدم، وكانت جهات دولية ومحلية تعمل من أجل ذلك بكل قوة قبل 7 أكتوبر الماضي، لكن بعد ذلك الحدث تغيرت الأمور، الآن لا يمكن لأي جهة في باكستان مهما تكن قوية أن تتحدث حول القضية.
ورأى أن من يثير القضية في هذا التوقيت ويقول إنه يعارض تطبيع علاقات باكستان مع إسرائيل يقول ذلك لمجرد الدعاية الانتخابية، فالانتخابات على الأبواب، والشعب الباكستاني متأثر جداً بما يحدث في غزة.
وتابع: إثارة هذه القضية في هذا التوقيت هي سعي للحصول على الرأي العام، ولذا نجد أن المولوي فضل الرحمن قد طلب في حديثه عن القضية من جموع الشعب الباكستاني أن يدلوا بأصواتهم في الانتخابات المقبلة له ولكل من يعارض سياسة التطبيع مع إسرائيل.