تمكن أهالي جبل المكبر جنوبي القدس خلال أربع مرات من إفشال محاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلي هدم مبانٍ ومنشآت في بلدتهم كان آخرها يوم أمس الاثنين، فيما بات الاحتلال يعمد إلى تغيير أساليبه لتنفيذ مخططات الهدم.
وتتركز محاولات الهدم في أحياء البلدة المختلفة وصولاً إلى بلدة سلوان المجاورة، التي احتذى سكانها بأهالي جبل المكبر في التصدي لمحاولات هدم مساكنهم ومنشآتهم بابتداع وسائل مقاومة شعبية مثل الاحتشاد أمام مساكنهم المهددة بالهدم، وإغلاق محيطها بالمركبات، أو سكب زيت السيارات في الطرقات التي تسلكها جرافات الاحتلال لمنع تقدمها أو إبطائها.
هذه الوسائل الجديدة التي ابتدعها الأهالي لحماية منازلهم ترافقت مع تغيير الاحتلال للجهة التي تنفذ عمليات الهدم. فبعد أن كانت بلدية الاحتلال في القدس هي الجهة التنفيذية لعمليات الهدم أصبحت وزارة ما يسمى بـ"الأمن القومي" بقيادة الوزير اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، هي الطرف المتدخل، بدوافع سياسية وديمغرافية لا صلة لها بقوانين البناء.
وتحدث المحامي رائد بشير المستشار القانوني لمؤسسات جبل المكبر لـ"العربي الجديد" عن التحول الجديد في وسائل المقاومة الشعبية في جبل المكبر وفي سلوان، مشيراً إلى أن هذه هي المحاولة الرابعة التي تفشل فيها سلطات الاحتلال في تنفيذ عملية الهدم لمبان ومنشآت بأكثر من طريقة ووسيلة، حيث تتضافر الجهود الشعبية إضافة للجهود القانونية للتصدي لعمليات الهدم.
وقال بشير: "ما حدث مؤخراً، سواء في جبل المكبر أو في سلوان، هو أن بعض الشباب في سلوان ابتدعوا فكرة وضع مركبات أمام محالهم لمنع الاحتلال من تنفيذ الهدم، ما مكن المحامين من استصدار أمر بتأجيل الهدم لمدة 14 يوماً بشكل مؤقت".
وتابع قائلاً: "كما حدث الثلاثاء الماضي، في جبل المكبر بالتجمع الحاشد من قبل جميع الأهالي وهو ما أفشل هدم 13 منزلاً كان مخططاً هدمها بناء على قرارات وقعها الوزير المتطرف بن غفير وبالفعل لم يتم هدمها بفعل الجهود القانونية والاصطفاف الشعبي الوحدوي الذي نأمل أن يعمم، إضافة إلى امتناع الأهالي عن إخلاء بيوتهم أو القيام بالهدم الذاتي، هذه الأمور تأخذ منحى جيداً".
وأوضح المحامي بشير: "سلطات الاحتلال تأتي في الفجر حتى لا يكون هناك مجال للتوجه للقضاء، حيث تكون المحاكم مغلقة وبالتالي كل الإجراءات الحالية التي يقومون بها منافية للقانون"، مضيفاً "لقد تمكنا العام الماضي من منع هدم 132 منزلاً، ولكن بوجود بن غفير فقد باتت تهدم منازل المقدسيين في إطار الدواعي القومية الأمنية، ولا أدري كيف يبررون هدم هذه المنازل بدواعي أمنهم القومي".
وأشار إلى أن "التحول الجديد هو أن الهدم انتقل من بلدية الاحتلال لوزارة الأمن القومي وهذا تحول نوعي في إطار تهويد القدس وبالتالي تقف من ورائه دوافع سياسية وديمغرافية".
أما المحلل السياسي والإعلامي، عضو هيئة العمل الوطني والأهلي في القدس راسم عبيدات فقال إن "تصاعد الحراك الشعبي في جبل المكبر يشكل عاملاً ضاغطاً على بلدية الاحتلال يجبرها على التراجع عن قراراتها بهدم منازل المقدسيين، خاصة في جبل المكبر حيث يتهدد الهدم أكثر من 130 منزلاً، إما تحت ذريعة البناء غير المرخص أو أن جزءاً منها يقع في مرمى ما يسمى الشارع الأميركي الاستيطاني".
وأكد عبيدات في حديث لـ"العربي الجديد" أن المعضلة الأساسية التي يواجهها المقدسيون تتمثل في أن بلدية الاحتلال لا تمنح رخص بناء، إضافة الى ارتفاع تكاليف الحصول عليها، وعدم وجود مخطط هيكلي في معظم الأحياء المقدسية وفي مقدمتها جبل المكبر. وأضاف أن ذلك لا يترك مجالاً لأهالي المكبر سوى تصعيد الفعاليات الاحتجاجية أمام مقر البلدية، رفضاً لسياسة الهدم.
وأشار عبيدات إلى أن الشعار الذي رفعه أهالي جبل المكبر برفض هدم بيوتهم بأيديهم يحتاج إلى أن تتبناه القوى السياسية والمرجعيات المقدسية والسلطة الفلسطينية، داعياً إلى عدم ترك الأهالي لوحدهم في مواجهة سياسة الهدم الإسرائيلية.
بدوره، يرى الناشط السياسي، سليمان شقيرات، وهو من أهالي جبل المكبر، أن الخلاصة الأهم من الاحتجاجات التي بدأت تواجه عمليات الهدم تتمثل في الالتزام غير المسبوق بالإضراب الشامل الأخير في بلدة جبل المكبر.
واعتبر شقيرات في حديثه لـ"العربي الجديد" أن ذلك يعكس حجم الغضب الشعبي من سياسة هدم المنازل التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي، وتجاهله لكافة الاحتجاجات في السنوات السابقة والوعود التي قطعت في العام الأخير بوقف عمليات الهدم.
وتابع قائلاً: "هذا يؤشر إلى حجم الاحتقان والغضب في القدس وعموم المناطق المحتلة"، موضحاً أن الوضع على وشك الانفجار بمستويات أعلى بكثير مما هو عليه الآن قد يصل إلى مرحلة الانتفاضة الشاملة".