تصاعد الهاجس الأمني لدى العراقيين بسبب مخازن سلاح الفصائل العراقية، وذلك مع تشييع أهالي بلدة القائم الحدودية مع سورية غربي العراق، السبت الماضي، آخر المدنيين الذين توفوا نتيجة إصابتهم بجروح بليغة بعد تطاير صواريخ وقذائف من مقر لجماعة عراقية مسلحة استهدفتها طائرات أميركية مطلع فبراير/شباط الماضي.
وكانت القوات الأميركية شنّت وقتها هجوماً واسعاً رداً على هجمات الفصائل التي استهدفت جنودها في قاعدتي "حرير"، و"عين الأسد"، ومواقع أخرى بالشمال السوري المجاور للعراق.
وتنتشر في مناطق القائم والرطبة غربي الأنبار وفي بابل وبغداد ونينوى مقار لفصائل مسلحة مختلفة، أبرزها "كتائب حزب الله"، والنجباء"، و"عصائب أهل الحق"، و"بدر"، و"سيد الشهداء"، و"الإمام علي"، وجماعات أخرى تُصنّف على أنها حليفة أو مدعومة من إيران.
مصادر أمنية: انتشار مخازن الأسلحة يتوزع حسب مناطق نفوذ الفصائل المسلحة
وكانت طائرات أميركية شنت، مطلع فبراير/شباط الماضي ضربة استهدفت مواقع للفصائل العراقية القريبة من إيران، من بينها مخازن للسلاح في منطقة دور السكك بالقائم في محافظة الأنبار، ما تسبب بمقتل مدنيين اثنين، وجرح آخرين جراء تطاير قذائف وصواريخ على المناطق السكنية المجاورة.
محمد وكاع العيساوي (53 سنة) كان آخر الضحايا الذين سقطوا نتيجة تأثره بإصابة بليغة من تطاير مقذوفات من مقر قصفته طائرات أميركية في ضواحي القائم الحدودية غربي العراق، ضمن محافظة الأنبار الحدودية مع البوكمال السورية.
وقال عبد الله محمود، أحد سكنة دور سكك في قضاء القائم لـ"العربي الجديد"، إن الكثير من السكان تركوا منازلهم في المجمع السكني الذي يضم أكثر من 300 منزل، بعد الضربة الأميركية الأخيرة على مقرين للفصائل داخل مجمعهم السكني.
لكنه أشار إلى أن بعض العائلات عادت إلى منازلها بعد أيام، بسبب عدم قدرتها على تحمل نفقات النزوح واستئجار منازل بمناطق أخرى، وآخرين تدبروا أمرهم ولم يعودوا.
مخاوف لدى الأهالي من تكرار الضربات الأميركية
وأوضح أن "البعض لم يعد لمنزله لغاية الآن لخوفهم من تكرار الضربات الأميركية على المجمع"، مؤكداً أن الفصائل حولت العديد من المنازل لمقار عسكرية ومخازن للأسلحة، وهو ما يثير مخاوف الأهالي.
وأشار محمود إلى أن القصف الأخير على مخازن الأسلحة في دور السكك كانت نتائجه كارثية، بسبب انفجار الصواريخ والأعتدة، لافتاً إلى أن الضربة خلفت قتيلين مدنيين من سكان القضاء، هما عبد الله خالد الراوي وعبد الستار الجغيفي. لكن بوفاة العيساوي يكون العدد قد ارتفع إلى ثلاثة قتلى من المدنيين جراء تطاير الذخيرة.
الفصائل العراقية تستولي على منازل في القائم
وقال مصدر أمني في بلدة القائم إن الفصائل العراقية المسلحة تستولي على نحو 20 منزلاً داخل مركز المدينة، وقامت بتحويلها إلى مقار ومخازن للأسلحة والأعتدة، وهذه المنازل تعود لما يعرفون بعوائل تنظيم "داعش".
وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن الفصائل تفرض سيطرتها على منازل أخرى في مجمع السكك وخلف محطة القطار يصل عددها إلى 40، وحولتها إلى مقار ومستودعات للأسلحة.
حالة القلق لا تقتصر على بلدة القائم غربي العراق، بل تسود العديد من المدن، وفي مقدمتها العاصمة بغداد، التي تشهد انتشاراً لمستودعات الأسلحة التابعة للفصائل، وذلك خشية تعرضها للقصف الأميركي، أو للانفجار نتيجة ارتفاع درجات الحرارة خلال الصيف أو سوء التخزين.
30 انفجاراً في مستودعات أسلحة الفصائل العراقية
وسجل العراق في السنوات الماضية أكثر من 30 انفجاراً في مستودعات الأسلحة التابعة للفصائل، راح ضحيتها عشرات القتلى والمصابين. وأبرزها تفجير مستودع لجماعة "سرايا السلام"، في مدينة الصدر شرقي العاصمة في 2018، ومخزن لـ"فرقة الإمام علي" في النجف في 2021، ومخزن للعتاد والصواريخ يتبع لحركة "عصائب أهل الحق" في منطقة الصويرة بمحافظة واسط في 2022.
مواقع انتشار مخازن الأسلحة
وبحسب مصادر أمنية في بغداد فإن مخازن الأسلحة تنتشر في بغداد والمدن القريبة من الحدود، كقضاء القائم ومنطقة حصيبة في الأنبار، وسنجار وتلعفر في نينوى، إضافة إلى محافظات صلاح الدين والبصرة وبابل.
وأشارت المصادر إلى أن انتشار مخازن الأسلحة يتوزع حسب مناطق نفوذ الفصائل المسلحة، فمخازن "كتائب حزب الله" توجد على الحدود العراقية - السورية، إضافة إلى مناطق جنوب بغداد وناحية جرف الصخر، أما مخازن "سرايا السلام" فتنتشر في مدينة الصدر شرقي بغداد ومدينة سامراء، بينما تنتشر مخازن "العصائب" شرقي بغداد، خصوصاً المشتل والزعفرانية والبلديات.
مخاطر على أرواح المدنيين
عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية ياسر إسكندر وتوت أكد ضرورة إنهاء ظاهرة انتشار مخازن الأسلحة والأعتدة الثقيلة داخل المناطق السكنية، لما لها من مخاطر على أرواح المدنيين.
أعياد الطوفان: الفصائل تتخذ عبر تخزين الأسلحة بالمناطق السكنية من المدنيين دروعاً بشرية
وقال وتوت، لـ"العربي الجديد"، إن "عدداً كبيراً من مخازن ومستودعات الأسلحة ما تزال موجودة داخل المدن، رغم صدور توصيات وقرارات حكومية بإخلاء تلك المواقع على خلفية التفجيرات التي حصلت فيها، وتسببت بخسائر في الأرواح والممتلكات".
وبين أن نحو 30 في المائة من الجهات المسلحة التزمت بتلك القرارات، وأخلت مواقعها ومخازن أسلحتها إلى خارج المدن، بينما يرفض الباقي القيام بهذا الأمر.
وعزا وتوت عدم إخلاء تلك المقار والمخازن إلى عدم وجود متابعة من الحكومات العراقية لهذا الملف، فالقرار الصادر من حكومة حيدر العبادي، في 2016، بإغلاق تلك المقار والمستودعات لم تتابعه الحكومات اللاحقة، وبقي من دون تفعيل وتنفيذ على أرض الواقع.
من جهته وصف الخبير والمحلل العسكري أعياد الطوفان وجود مخازن ومستودعات للأسلحة داخل المناطق السكنية بالخطر والكارثة الكبرى.
وقال الطوفان، لـ"العربي الجديد"، إن "الفصائل لجأت إلى أسلوب تخزين الأسلحة في المناطق السكنية في محاولة منها لاتخاذ المدنيين دروعاً بشرية، وللتخلص من الرقابة الأميركية على أنشطة نقل وتخزين الأسلحة".
وأضاف الطوفان أن "تلك الفصائل تغفل حقيقة أن أنشطتها في إنشاء المقار ومخازن الأسلحة مرصودة من الجانب الأميركي، ويظهر ذلك من خلال استهداف بعض المواقع والقيادات بشكل دقيق". وأشار إلى أن الجانب الأميركي صرح أخيراً بأنه يرصد قيادات الفصائل، وأن هؤلاء القادة تحولوا إلى أهداف يمكن اصطيادها بأي وقت.
ولفت إلى وجود العديد من المخاطر جراء انتشار هذه المخازن في المناطق السكنية، فبالإضافة إلى مخاطر استهدافها بالضربات الأميركية، هناك جهل كبير في طريقة تخزين الأسلحة، ما يجعلها عرضة للتفجير في أي لحظة.
وقال الناشط السياسي عبد القادر النايل إن "جزءاً كبيراً من هذه المقار تقع في مناطق شمال وغربي العراق، ووجودها ضمن خريطة انتشار لها أهداف سياسية وطائفية للفصائل المسلحة".
وبين النايل، لـ"العربي الجديد"، أن "القصف الأميركي الأخير على بلدة القائم استهدف منزلاً فارغاً لأحد المواطنين، تتخذه جماعة مسلحة مقراً لها. وبعد القصف بدأت الصواريخ المخزنة فيه تتطاير على منازل المواطنين، فقتلت وجرحت عدداً منهم وأصابت العائلات بالهلع والخوف".
ولفت إلى أن "انتهاك حقوق المدن السكنية جريمة يعاقب عليها القانون، لكن هناك ضعف حكومي في العراق وتعاون مع الحشود المسلحة في انتهاك مدنية الأحياء، فيما يفترض بالحكومة العراقية وقف جميع مظاهر عسكرة المجتمع والمدن".