أجرى مجلس الشعب (البرلمان) التابع للنظام السوري، تعديلاً على القانون الخاص بتملك الأجانب للعقارات في سورية، في إجراء اعتبره خبراء حقوقيون أنه قد يشرعن عمليات تغيير ديموغرافي يقوم بها النظام منذ سنوات، بغية توطين عناصر المليشيات الأجنبية المدعومة من إيران، على حساب المواطنين السوريين المهجَّرين خارج وطنهم.
وتضمن القانون المُعدل بتاريخ 17 الشهر الجاري، وفق ما نشره، موقع مجلس الشعب السوري بجواز "إنشاء أو تعديل أو نقل أي حق عيني عقاري في أراضي سورية لاسم أو لمنفعة شخص غير سوري طبيعياً، كان أو اعتبارياً، شرط أن تكون إقامة الشخص في سورية إقامة مشروعة، وأن يكون التملك لعقار واحد مبنياً بقصد السكن وعلى وجه الاستقلال، ومرخصاً وفق نظام ضابطة البناء".
ونصت المادة الأولى من القانون على منح مجلس الوزراء حق إعطاء الاستثناءات من أحكام القانون، وأن يمنح حق التملك لغير السوري دون أية ضوابط، حيث جاءت المادة مطلقة من أي تحديد أو شروط، لأن المجلس قد يمنح آلاف الاستثناءات لغير السوريين بموجب هذه المادة.
وكان القانون الـ 11 لعام 2008 قد فرض قيداً على المالك غير السوري يمنعه من التصرف بالعقار بموجب هذا القانون قبل مرور خمس سنوات، لكن قانون 2011 عدّل المدة وخفضها إلى السنتين فقط.
حيثيات القانون
وحول هذا القانون، لاحظ الحقوقي السوري رامي العساف في حديث مع "العربي الجديد"، أن القانون ينص على إرفاق عقد البيع لتثبيت عملية البيع، أي أن العملية جرت فعلاً، والمالك الجديد تسلَّم العقار، لكن لم يوضح القانون مصير البيع إذا لم تحصل الموافقة على عملية البيع من الجهات المختصة، لافتاً في المقابل إلى أن القانون الحالي يشترط على السوريين الحصول على موافقة أمنية قبل بيع عقاراتهم، وليس بعد ذلك.
والمسألة الأخرى التي يلفت العساف النظر إليها، أن القانون نص على أن تملك الأجنبي للعقار هو بقصد السكن، و"هذا ما لا يمكن التحقق منه. وإذا كان القصد هو منع المتاجرة بالمنازل، كان يمكن المشرع أن يحدد التملك للأجنبي بعقار واحد". كذلك لفت إلى أن القانون الجديد يضع شروطاً مثالية لإقرار البيع، بحيث يكون المنزل مفرزاً، وله مساحة محددة، وهو ما لا يشترطه على المواطن السوري، حيث تجري البيوع حتى لو لم تكن المنازل مفرزة وغير معدة للبناء، ما يشير إلى أن المشرع يتعمد قصداً إشاعة الفوضى في عمليات البيع بين السوريين، بينما يحرص على أن تكون نظامية ومثالية في ما يخص تملك الأجانب.
مصالح فوق اقتصادية وفوق سياسية
من جهته، قال الحقوقي السوري فراس المصري، عضو منظمة "سوريون من أجل العدالة"، إنه حتى لو كان القانون الجديد "سليماً دستورياً أو تشريعياً، ولن أغوص في تفاصيل ذلك، لأن المواطن عادة لا يجبر على بيع ملكه حتى لو صدرت عشرات القوانين، إلا أن الوضع السوري وضع مختلف، فمع الضغوط الاقتصادية على المواطنين داخل سورية وعلى أملاك من هم خارجها، بالتهديد بالمصادرة والحجز الاحتياطي، وأنا واحد من الأشخاص الموضوع حجز احتياطي على منزلي من قبل الأمن السياسي، يلجأ الناس للتفريج عن أنفسهم، ولن يجدوا المغريات المادية إلا من جنسيات ليست سورية، حيث السوريون في الداخل أُرهقوا، وأسعار العقار هبطت بشكل كبير بسبب عجز السوق عن التبادل".
حددت المذكرة ثلاث نقاط رئيسة اعتبرتها خطيرة في القانون الجديد
وأضاف المصري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ما يناقشه "مجلس الشعب" لجهة تقديم "تسهيلات التملك لغير السوريين يفتح باب إغراق سوق العقار بأموال المستثمرين الأجانب، وغالباً ستكون أموال دول، ولا سيما إيران، ولن يصمد صاحب الحاجة أمام هذه المغريات".
وشدد على ضرورة "إدخال ملف الملكيات في سورية كملف تفاوضي، على أن تلغى جميع عمليات الاستملاك والتشريعات منذ آذار 2011". وأكد أن هناك "مشكلة عويصة، هي صعوبة إزالة آثار الغزو الثقافي والديني والعرقي لإيران في سورية"، معتبراً أن "التغلغل داخل المجتمع وتملك المناطق أخطر ما في القضية السورية لأنها مصالح فوق اقتصادية وفوق سياسية".
وكانت هيئة القانونيين السوريين، التي تضم حوالى مئة محامٍ وقاضٍ ومستشار قانوني معظمهم ممن انشق عن المنظومة القضائية للنظام، قد أصدرت مذكرة طالبت فيها الجهات الدولية الفاعلة بالعمل على وقف التعديل الجديد، "لما يشكله من خطر على مستقبل سورية والسوريين".
وحددت المذكرة ثلاث نقاط رئيسة اعتبرتها خطيرة في القانون الجديد، "الأولى أن هذه التعديلات التي تسمح بتملك الأجانب ورفع القيود السابقة جاءت في ظل الحرب المدمرة التي شنها نظام بشار ومليشياته ضد الشعب السوري وغياب البيئة الآمنة وسيطرة القوات الإيرانية على مؤسسات الدولة وعلى مساحات واسعة من سورية".
والنقطة الثانية أن "هذه التعديلات اشترطت الإقامة المشروعة في سورية لتملك الشقة السكنية، ومنذ عشر سنوات لا يملك من الأجانب إقامة شرعية في سورية سوى مئات آلاف الإيرانيين والشيعة من العراق ولبنان وأفغانستان قدموا إلى سورية وهجروا السوريين، هؤلاء هم من سيتملك الشقق السكنية لإتمام التغيير الديموغرافي في سورية"، وفق المذكرة.
أما النقطة الثالثة، فتتمثل في أن "إلغاء قيود التملك للأجانب يأتي بالتزامن مع إعلان محافظة دمشق عن القيمة التقديرية للعقارات التي تم الاستيلاء عليها بموجب المرسوم الـ " 66" لعام "2012" و القانون رقم" 10 " لعام "2018 " اللذين شملا مناطق المزة وخلف الرازي وداريا وكفرسوسة والقدم ومخيم اليرموك والغوطة الشرقية والقابون وبعض أحياء دمشق القديمة، والتي آلت ملكيتها إلى رجال أعمال إيرانيين وروس ورجال أعمال مقربين لنظام الأسد، وشركات الإعمار الأجنبية التي بدأت بإنشاء المشاريع عليها منذ أكثر من ثلاث سنوات مثل مشروع ماروتا سيتي، وذلك قبل استكمال الإجراءات القانونية".
واعتبرت هيئة القانونيين السوريين، في مذكرتها التعديلات الجديدة "جريمة حرب مستمرة بحق السوريين تطاول أملاكهم وعقاراتهم وحرمانهم إياها وبيعها للأجانب دون وجه حق، واستكمالاً لجريمة التهجير القسري والتغيير الديموغرافي، داعية جميع السوريين والمنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية للتصدي للقوانين التي تصدر عن نظام بشار الأسد وتستهدف في جوهرها سورية والسوريين بالتغيير الديموغرافي".