هذه المرة الأولى التي يُصدر فيها الاحتلال بياناً بإخلاء المخيم
غادرت بعض العائلات المخيم بعد التهديد فيما رفضت أخرى ترك منازلها
يضمّ جنوب لبنان 5 مخيمات للاجئين الفلسطينيين تتوزع بين صيدا وصور
أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الخميس، أمراً بضرورة إخلاء عشر مناطق في جنوب لبنان، من ضمنها مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين في منطقة صور الذي يضمّ عدداً كبيراً من العائلات، واستضاف منذ بدء العدوان آلاف النازحين، على اعتبار أنه كان لا يزال من الأماكن "الأكثر أمناً".
ويشهد المخيم، منذ إصدار الاحتلال البيان العاجل الأول من نوعه إلى السكان، حركة نزوح كثيفة إلى صيدا جنوباً أو إلى الشمال، بحسب ما يؤكد مصدر فلسطيني لـ"العربي الجديد"، ويقول: "حالة هلع تسود المكان، ونحاول مساعدة الجميع مع فرق الإسعاف على التوجّه إلى أماكن آمنة، وخصوصاً مراكز الإيواء، في مناطق مثل صيدا والشمال وغيرهما، فهناك مشاكل على صعيد القدرات الاستيعابية ونبذل جهوداً لتأمين الجميع". ويشير المصدر إلى أنّ "هذه المرة الأولى التي يُصدر فيها الاحتلال بياناً بإخلاء المخيم، علماً أنّ محيط المخيمات الفلسطينية كان دائماً تحت النيران الإسرائيلية، وسبق أن استُهدف داخل مخيم عين الحلوة، مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بمحاولة اغتيال قائد كتائب شهداء الأقصى اللواء منير المقدح، ما جعل المخيمات غير آمنة بالنسبة إلى سكانها".
ويؤكد المصدر أن هناك عائلات غادرت مخيم الرشيدية بعد التهديدات الإسرائيلية، لكن أخرى ترفض ترك منازلها، لافتاً إلى أن طواقم الإسعاف مستنفرة تحسباً لأي طارئ. ويشير المصدر نفسه إلى أنّه "لا يمكن إحصاء عدد العائلات الموجودة في المخيم اليوم بشكلٍ دقيقٍ لأن كثيرين نزحوا إليه باعتباره مكاناً آمناً في مدينة صور، ومن ثم مع توسّع العدوان غادروه، منهم من كان يعود ليتفقد منزله ويأخذ بعض الأغراض ويرحل، ولكن الكثير من الأهالي نزح إلى مراكز إيواء حدّدتها وكالة أونروا خصوصاً في منطقة صيدا ومناطق في الشمال اللبناني". كذلك، يشير المصدر إلى أنّ أكثر من أربعة آلاف عائلة فلسطينية نزحت بفعل العدوان، وبعضها توجه إلى المراكز التي افتتحتها "أونروا"، سواء في بيروت أو صيدا أو الشمال أو زحلة في البقاع".
وبحسب آخر تقرير صادر عن وكالة أونروا، فإنه سُجّل حتى 24 أكتوبر ما مجموعه 3679 نازحاً في ملاجئها، وهي قامت بتفعيل استجابتها للطوارئ في لبنان في 24 سبتمبر/ أيلول، وتقوم بتشغيل 11 مركز إيواء للطوارئ في جميع أنحاء البلاد، وفق قولها.
من جهته، يقول مسؤول الهلال الأحمر الفلسطيني في جنوب لبنان الدكتور عماد الحلاق، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حركة النزوح مستمرّة في مخيم الرشيدية وأكثر من غادروا هم كبار السنّ ومن يعانون من حالاتٍ مرضية وأطفال، فهناك مخاوف حتماً لدى العائلات بالنظر إلى ما شاهدوه من ويلات الحرب في غزة ولبنان، مشيراً في المقابل إلى أن "هناك العديد من الناس الذين فضّلوا البقاء، خصوصاً أنهم عانوا من النزوح مراراً، ولكن لا إحصاء بعددهم حتى الساعة، علماً أنه يجرى الحديث عن 1500 إلى 2000 عائلة لكن هذا الرقم غير واضح بعد".
ويشير الحلاق إلى أنّ "النازحين اتجهوا بشكلٍ خاص إلى صيدا جنوباً وطرابلس في الشمال وبيروت، وهناك من توجَّه إلى مراكز أونروا وآخرون عند أقربائهم، ونحن نتابع الوضع على الأرض وباقون". ويلفت الحلاق إلى أنه "منذ إطلاق التهديدات الإسرائيلية، قامت طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني في صور بإعداد مراكز الطوارئ، وتواصلت مع المستشفيات المجاورة لتنسيق عمليات نقل الجرحى عند الحاجة، وهناك مستشفى أيضاً في مخيم الرشيدية، والطواقم الطبية والإسعافية والسيارات كلها مجهزة وبحالة استنفار على الأرض".
أكثر من 35 ألف لاجئ في مخيم الرشيدية
وهناك في الجنوب اللبناني خمسة مخيمات رئيسية، وهي عين الحلوة والمية ومية في صيدا، والرشيدية والبص والبرج الشمالي في صور، بالإضافة إلى عددٍ من التجمعات الفلسطينية التي يسكنها عشرات الآلاف من اللاجئين. وبحسب وكالة أونروا، فإنّ مخيم الرشيدية يسكنه أكثر من 36 ألفاً و595 لاجئاً مسجّلاً، والفرص الوظيفية فيه محدودة للغاية، ويعمل معظم السكان في الزراعة والإنشاءات.
ويقع المخيم على شاطئ البحر، على مسافة خمسة كيلومترات من صور، وقد تأثر بشدة خلال الحرب الأهلية اللبنانية، خصوصاً بين أعوام 1982 و1987، وقد تعرّض ما يقرب من 600 مسكن إلى التدمير الكلّي أو الجزئي، فيما جرى تهجير أكثر من خمسة آلاف لاجئ. وكان مخيم الرشيدية مقسوماً إلى قسمين، القديم والجديد. وقد بُني القسم القديم من قبل الحكومة الفرنسية في عام 1936 لإيواء اللاجئين الأرمن الذين فروا إلى لبنان. وقامت أونروا ببناء القسم الجديد عام 1963 لإيواء اللاجئين الفلسطينيين الذين أُجلوا من مخيم غورواد في منطقة بعلبك في لبنان. ومعظم سكان مخيم الرشيدية ينحدرون أصلاً من دير القاسي وألما النهر والقرى الأخرى في شمال فلسطين.
المخيمات الفلسطينية في قلب الحدث
في الإطار، يقول ممثل حزب الشعب الفلسطيني في لجنة المتابعة المركزية للجان الشعبية في لبنان خالد فرحات، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العدوان الإسرائيلي يطاول كلّ الأراضي اللبنانية، ولا يوفّر الحجر والبشر والشجر، والمخيمات الفلسطينية كما اللاجئين، تحديداً في الجنوب، غير آمنة، وهي في قلب الحدث، وسبق أن استُهدف مخيم البص في صور وسقط ثلاثة شهداء، وكذلك مخيم عين الحلوة في صيدا، وسقط أيضاً فيه شهداء، وطاولت الغارات الإسرائيلية أيضاً محاذاة مخيم البرج ومحيط تجمّع القاسمية وتضررت مدرسة للنازحين ومنازل".
ويضيف فرحات: "هذا أول تهديد مباشر لمخيم الرشيدية الذي يسكنه حوالي 20 ألف نسمة، علماً أن لا أرقام دقيقة أو إحصاءات ثابتة باعتبار أنّه قبل توسع العدوان، استقبل المخيم العديد من العائلات النازحة، ثم بعد التهديدات والقصف في صور، حصلت حالات إرباك شديدة وزاد الخوف عند الأهالي، ما دفعهم إلى النزوح باتجاه مراكز إيواء حددتها أونروا، منها في صيدا، علماً أن معظم العائلات نزحت إلى مراكز إيواء في الشمال ومخيم البداوي ونهر البارد".
ويشير فرحات لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "وضع اللاجئين أصلاً صعبٌ جداً، وهم يفتقرون إلى الكثير من الحاجات الأساسية للعيش، فالعيادات والمراكز الصحية مقفلة بوجههم، والوكالة مقصّرة كثيراً، فهناك ضعفٌ كبيرٌ على مستوى الخدمات المقدّمة من جانب أونروا في مخيمات الجنوب، لا سيما في صور، وذلك بعد نزوح موظفيها، من هنا نطالبها بتطبيق وتنفيذ خطة الطوارئ التي أعلنتها رسمياً على الصعد كافة، وندعو إلى إغاثة ما تبقّى من العائلات الفلسطينية في المخيمات وتجمّعات الجنوب، عبر تأمين الدواء والغذاء والاحتياجات الأخرى لهم".
وإذ يشير فرحات إلى أن عدد المخيمات الفلسطينية في لبنان هو 12 مخيماً أساسياً ورئيسياً، سواء في الشمال أو البقاع أو بيروت أو صيدا أو صور، مع وجود أكثر من 45 تجمّعاً تسكنه عائلات فلسطينية، يرى أنّ الفلسطيني في لبنان ليس بمنأى عن إجرام العدو وجرائم الإبادة التي يرتكبها، سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، والتي تدعمها الولايات المتحدة الأميركية وقوى الاستعمار الغربي، مشيراً إلى أنّنا نعلم منذ البداية أنّ المخيمات واللاجئين لن يكونوا مستثنين من الاستهدافات.
ويتوقف فرحات عند حظر الكنيست الإسرائيلي أنشطة أونروا داخل فلسطين المحتلة، مشيراً إلى أنّ "هذا كلّه حصل أمام مرأى العالم وعلى مسمعه، وفي ظلّ صمت دولي مخيف جداً، وهذا دليلٌ على السياسة الممنهجة للتخلّص من الوكالة وبالتالي من قضية اللاجئين".