مراسلات إلكترونية داخل البيت الأبيض تكشف تجاهل واشنطن معاناة سكان غزة

04 أكتوبر 2024
فلسطينيون وسط الأنقاض في خانيونس، 29 سبتمبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- حذرت دانا سترول من أن النزوح الجماعي للفلسطينيين في غزة قد يشكل كارثة إنسانية وانتهاكًا للقانون الدولي، مما قد يؤدي إلى اتهام إسرائيل بجرائم حرب، وسط قلق إدارة بايدن من ارتفاع أعداد الشهداء وتأثير ذلك على العلاقات مع العالم العربي.

- كشفت رسائل البريد الإلكتروني عن ضغوط داخلية لتغيير موقف إدارة بايدن لدعم الفلسطينيين والسماح بمزيد من المساعدات لغزة، ورغم الجهود الأميركية لتأجيل الهجوم البري الإسرائيلي، إلا أن التأخير كان لأسباب عملياتية.

- ضغطت إسرائيل لتسريع شحنات الأسلحة وسط الأزمة الإنسانية، بينما أبدت جهات أميركية اعتراضات بسبب مخاوف حقوق الإنسان، ورغم ذلك، تم المضي في معظم الصفقات، مما يعكس التوترات بين الدعم العسكري والاعتبارات الإنسانية.

بينما كان جيش الاحتلال يقصف شمال قطاع غزة بغارات جوية عنيفة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ويأمر بإجلاء أكثر من مليون فلسطيني من المنطقة، وجهت مسؤولة كبيرة في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تحذيراً صريحاً للبيت الأبيض. فقد كتبت دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط آنذاك، في رسالة بالبريد الإلكتروني بتاريخ 13 أكتوبر/ تشرين الأول، إلى كبار مساعدي الرئيس جو بايدن تقول إن النزوح الجماعي سيشكل كارثة إنسانية وقد يمثل انتهاكاً للقانون الدولي، مما قد يؤدي إلى توجيه اتهامات إلى إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. وذكرت سترول في الرسالة أنها كانت تنقل تقييماً للجنة الدولية للصليب الأحمر "جمد الدماء في عروقها".

وبينما تقترب حرب غزة من إتمام عامها الأول، وتتأرجح المنطقة على شفا حرب أوسع نطاقاً، تظهر رسائل سترول عبر البريد الإلكتروني ومراسلات أخرى لم ترد تقارير عنها من قبل صراع إدارة بايدن من أجل الموازنة بين المخاوف الداخلية إزاء ارتفاع أعداد الشهداء في غزة ودعمها العلني لإسرائيل.
وراجعت وكالة رويترز ثلاث مجموعات من الرسائل المتبادلة عبر البريد الإلكتروني بين كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، والتي يرجع تاريخها إلى الفترة من 11 إلى 14 أكتوبر/ تشرين الأول، أي بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب التي أدت إلى استشهاد أكثر من 41800 فلسطيني في غزة وفجرت احتجاجات في الولايات المتحدة قادها نشطاء عرب أميركيون ومسلمون.

وتكشف رسائل البريد الإلكتروني، التي لم ترد تقارير عنها من قبل، عن قلق مبكر في وزارة الخارجية والبنتاغون من أن ارتفاع عدد الشهداء في غزة قد ينتهك القانون الدولي ويعرض العلاقات الأميركية مع العالم العربي للخطر. وتُظهر الرسائل أيضاً ضغوطاً داخلية في إدارة بايدن لتغيير رسالتها من إظهار التضامن مع إسرائيل إلى الحديث عن التعاطف مع الفلسطينيين وضرورة السماح بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة.

ولا يزال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعيد المنال، على الرغم من مرور أشهر من المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة. والآن أصبح جزء كبير من غزة خراباً. ويلوح خطر اندلاع حرب إقليمية مع إيران في الأفق بعد الهجمات التي شنتها إسرائيل على لبنان واغتيال حسن نصر الله الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية، الأسبوع الماضي، والهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل.

ويقول مسؤولون كبار في إدارة بايدن إنهم يعتقدون أن ضغوط البيت الأبيض على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تلك الأيام الأولى من الحرب أحدثت فرقاً ومنعت وقوع كارثة أسوأ. وفي أحاديث خاصة، طلب البيت الأبيض من إسرائيل تأجيل هجومها البري لمنح منظمات الإغاثة مزيداً من الوقت لإعداد المساعدات للنازحين وإعطاء إسرائيل المزيد من الوقت للتوصل إلى اتفاق مع حماس، وذلك وفقاً لما قاله مسؤولون في الإدارة للصحافيين في إفادات غير علنية حينها.

ولكن ثلاثة مسؤولين أميركيين كبارا شاركوا في عملية صنع القرار قالوا إن واشنطن كانت بطيئة في التعامل مع معاناة الفلسطينيين. ورغم أن الغزو البري تأخر في نهاية المطاف حوالي عشرة أيام، عزا المسؤولون الثلاثة ذلك التأخير إلى الاستعدادات العملياتية للجيش الإسرائيلي أكثر من الضغوط الأميركية. وقال البيت الأبيض رداً على أسئلة بشأن رسائل البريد الإلكتروني "كانت الولايات المتحدة تقود الجهود الدولية الرامية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة" و"كان ذلك وسيظل أولوية قصوى". وأضاف أنه قبل "تدخل (الولايات المتحدة)، لم يكن هناك طعام أو ماء أو دواء يدخل إلى غزة".
وتُظهِر رسائل البريد الإلكتروني التي راجعتها رويترز محاولات حثيثة داخل إدارة بايدن لتحذير البيت الأبيض من الأزمة الوشيكة، ومقاومة مبدئية من البيت الأبيض لوقف إطلاق النار خلال الأيام الأولى الفوضوية من الحرب. وبدأ تبادل المجموعات الثلاث من رسائل البريد الإلكتروني في 11 أكتوبر/ تشرين الأول، أي في اليوم الخامس من الحرب.

"فقدان المصداقية"

وفي مرحلة مبكرة، تزايدت المخاوف داخل الإدارة بشأن صورة الولايات المتحدة في نظر حلفائها العرب. وبعد أن استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية مستشفيات ومدارس ومساجد غزة، أبلغ كبير مسؤولي شؤون الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الأميركية بيل روسو، كبار المسؤولين في الوزارة بأن واشنطن "تفقد مصداقيتها بين الجماهير الناطقة بالعربية" بعدم تعاملها مع الأزمة الإنسانية مباشرة، وذلك وفقاً لرسالة بالبريد الإلكتروني أرسلت يوم 11 أكتوبر/ تشرين الأول. وذكرت السلطات الصحية في غزة في ذلك اليوم أن عدد الشهداء بلغ نحو 1200 شخص.

وبينما دافعت إسرائيل عن الضربات، زاعمةً أن حماس تستخدم المباني المدنية لأغراض عسكرية، كتب روسو أن الدبلوماسيين الأميركيين في الشرق الأوسط يراقبون التقارير الإعلامية العربية التي تتهم إسرائيل بشن "إبادة جماعية" وواشنطن بالتواطؤ في جرائم حرب. كما كتب روسو أن "عدم استجابة الولايات المتحدة للأوضاع الإنسانية للفلسطينيين ليس فقط غير فعال وله نتائج عكسية، بل إننا متهمون أيضاً بالتواطؤ في جرائم حرب محتملة من خلال التزام الصمت حيال أفعال إسرائيل بحق المدنيين".

وأعادت باربرا ليف كبيرة الدبلوماسيين المعنيين بشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية إرسال رسالة روسو عبر البريد الإلكتروني إلى مسؤولي البيت الأبيض، بما في ذلك بريت ماكجورك، كبير مستشاري بايدن لشؤون الشرق الأوسط. وحذرت من أن العلاقة مع شركاء واشنطن العرب "الذين كانوا سيكونون أنصاراً مخلصين في ظروف أخرى" معرضة للخطر بسبب المخاوف التي أثارها روسو.

تسريع التسليح

وبينما كان المسؤولون الأميركيون يقيّمون الأزمة الإنسانية، ضغطت إسرائيل على واشنطن للحصول على مزيد من الأسلحة. ووفقاً لرسائل البريد الإلكتروني، حث مسؤول كبير في السفارة الإسرائيلية في واشنطن وزارة الخارجية الأميركية في 14 أكتوبر/ تشرين الأول على تسريع شحن 20 ألف بندقية آلية للشرطة الإسرائيلية.

وفي ذلك اليوم اعتذر المستشار الدفاعي الإسرائيلي أوري كتساف في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى نظيرته في وزارة الخارجية الأميركية عن إزعاجها خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكنه قال إن شحنة البنادق "عاجلة جداً" ويجب أن توافق عليها الولايات المتحدة.

وقالت كريستين ميناريتش وهي مسؤولة في إدارة ضوابط التجارة في الأصناف الدفاعية، القسم المعني بالموافقة على مبيعات الأسلحة في وزارة الخارجية، لكتساف إن البنادق لن تتم الموافقة عليها خلال الساعات الأربع والعشرين أو الثماني والأربعين المقبلة. وقد تستغرق مثل هذه الشحنات الضخمة من الأسلحة وقتاً طويلاً، إذ تتطلب موافقة وزارة الخارجية وإخطار الكونغرس. وأحجم كتساف والسفارة الإسرائيلية عن التعليق.

وأعادت جيسيكا لويس، التي كانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية والعسكرية آنذاك، إرسال رسالة ميناريتش وطلب إسرائيل الحصول على البنادق إلى مكتب شؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان التابع لوزارة الخارجية. ويتولى المكتب مراجعة مبيعات الأسلحة الأميركية المحتملة لضمان عدم إرسالها إلى الجيوش الضالعة في انتهاكات لحقوق الإنسان.

وبحسب رسائل البريد الإلكتروني، طلبت لويس من المكتب تسريع مراجعته وأن يشرح "بشكل عاجل" أي معارضة منه لصفقات أسلحة محددة لإسرائيل. واستقالت لويس في يوليو/ تموز. وأوصى كريستوفر لومون نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان برفض أكثر من 12 صفقة أسلحة، بما في ذلك قاذفات قنابل، وقطع غيار، وبنادق. وفي رده على لويس، أشار إلى مخاوف بشأن "سلوك" وحدات معينة من الشرطة الإسرائيلية، مثل وحدة دوريات الحدود (يمام) وهي وحدة من القوات الخاصة.

وكتب لومون أن هناك "تقارير عديدة" عن تورط وحدة "يمام" الإسرائيلية في "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان". وأبدى مكتب شؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان اعتراضاً على 16 صفقة أسلحة منفصلة لإسرائيل، وفقاً لرسالة البريد الإلكتروني ومصدر مطلع. وقال المصدر إنه تم المضي في جميع الصفقات تقريباً على الرغم من اعتراضات المكتب. وشملت مهام وحدة يمام إنقاذ أربعة أسرى إسرائيليين في الثامن من يونيو/ حزيران، وهي مهمة يقول مسؤولو الصحة في غزة إنها أسفرت عن استشهاد أكثر من 200 فلسطيني.

(رويترز)

المساهمون