لم تشكل تصريحات وزراء الحكومة الإسرائيلية بأن الوقت قد حان لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحكم، أي مفاجأة للفلسطينيين، ولا يحتاج مستنقع الاستيطان الهائج الذي تغرق فيه الضفة الغربية أي تصريحات متطرفة إضافية لتزيده توتراً، لكن التصريحات الإسرائيلية التي بدأها وزير المالية الإسرائيلي، والوزير في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش، وما تبعه من تصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، وغيرهم من أن الوقت حان لسيادة إسرائيلية على الضفة الغربية ستتجسد في العام القادم 2025، وأن الأوامر قد أعطيت في هذا الاتجاه، فيها الكثير من التضليل.
ويدرك الفلسطينيون أن ضم الضفة الغربية بدأ منذ وقت بعيد من جهة، ومن جهة أخرى أنه لا يوجد أي سيطرة أو سيادة أخرى على الضفة الغربية تنافس السيادة الإسرائيلية والمستوطنين وجيش الاحتلال الذي يقوم بعمليات عسكرية شبه يومية وتدمير في المخيمات والمدن، في ظل تنسيق أمني متواصل من السلطة الفلسطينية التي تنشط على الأرض في تفكيك كمائن العبوات المتفجرة في طريق جيش الاحتلال وملاحقة المقاومين واعتقالهم، وعلى الصعيد السياسي تكتفي ببيانات الشجب والاستنكار.
ويستطيع أي مواطن فلسطيني بعينه المجردة رصد التوسع الاستيطاني المستمر حول القرى والبلدات الفلسطينية، وشق الطرق وتوسيعها لصالح المستوطنين. ونشط سموترتيش منذ انضمامه للحكومة الإسرائيلية بحملة توظيف للمستوطنين في أركان الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال والكنيست لإضفاء الصفة القانونية – حسب الوصف الإسرائيلي – وإعطاء غطاء تشريعي وحكومي للاستيلاء على المزيد من أراضي الفلسطينيين، بل والقيام بقفزات بالاستيلاء على المزيد من الأراضي مثل إعلانه ضم مناطق (ب).
تحالف فلسطيني سعودي.. التطبيع مقابل دولة فلسطينية
ويرى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن نتنياهو وأركان حكومته يعتقدون أنه بعد فوز ترامب من الممكن أن تتاح لهم الفرصة لتطبيق برنامج الثلاثي (نتنياهو وسموتريتش وبن غفير) القائم على أساس حسم الصراع، وجوهره ضم الضفة الغربية وإعادة احتلال قطاع غزة بما في ذلك إعادة الاستيطان لقطاع غزة". ويقول مجدلاني: "أنا أعتقد أن هذا الوهم الذي يبني عليه نتنياهو رؤيته السياسية مع إدارة ترامب الجديدة لا يتسق مع الواقع الجديد، ولا يتفق أيضاً مع المتغيرات الدولية التي حدثت منذ عام 2017، منذ أن طرحت صفقة القرن". ويضيف مجدلاني: "رغم كل أضرار صفقة القرن التي رفضتها القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وعدم تعاطٍ دولي وإسلامي وعربي معها، إلا أنها كانت تتحدث عن دولة فلسطينية، ولم تكن تتحدث عن شطب الحقوق الفلسطينية، ولم تتحدث أيضاً عن ضم الضفة الغربية".
يستطيع أي مواطن فلسطيني بعينه المجردة رصد التوسع الاستيطاني المستمر حول القرى والبلدات الفلسطينية، وشق الطرق وتوسيعها لصالح المستوطنين.
ويعتقد مجدلاني أن "استراتيجية ترامب الجديدة في العالم والشرق الأوسط تحديداً، جوهرها إعادة إنعاش الاقتصاد الأميركي، والعلاقة الاستراتيجية مع السعودية والخليج العربي، وبعض البلدان العربية، وهي مبنية على المصالح، ولا أعتقد أن ترامب سيضحي بمصالحه ومصالح الولايات المتحدة الأميركية من أجل مصالح نتنياهو الانتخابية ومصلحة إسرائيل". ويقول مجدلاني: "ولذلك ندرك تماماً أن الجائزة الكبرى في جهد ترامب وإدارته الجديدة هي الوصول إلى اتفاق للتطبيع مع السعودية، وبالتالي اتفاق تطبيع مع ضم الضفة الغربية وإعادة الاستيطان للضفة الغربية ليس أكثر من خيال لدى نتنياهو وشركائه، وبالتأكيد القيادة الفلسطينية لم تقف مكتوفة الأيدي سابقاً في مشروع صفقة القرن وأسقطتها، وأيضاً لن تقف متفرجة لسعي نتنياهو لضم الضفة الغربية وإعادة احتلالها".
وحول تحرك القيادة الفلسطينية في هذا الاتجاه، يؤكد مجدلاني أن "القيادة الفلسطينية تتحرك باستراتيجية واضحة وخريطة مصالح، وهي تنسق علاقاتها مع السعودية، وهناك ربط بين المسارين السياسي للمملكة العربية السعودية في حال حدث اتفاق تطبيع مع إسرائيل مرتبط بالمسار الفلسطيني القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، وبالتأكيد هذه الاستراتيجية قائمة على التنسيق مع الأردن ومصر وبقية البلدان العربية، وفي إطار التحالف الدولي الذي نشأ وتكون خلال الفترة الماضية بمبادرة من السعودية والعديد من البلدان، بما في ذلك قرارات القمة العربية الطارئة".
شوط طويل من الضم
ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "تم قطع شوط طويل في موضوع الضم، وحديث سموتريتش ونتنياهو ليس بالأمر الجديد، وخاصة أن البرنامج السياسي للحكومة الحالية التي شكلت قبل نحو عامين، تضمن زيادة المشروع الاستيطاني في الضفة وتقليل البناء الفلسطيني وصولاً إلى الضم، استكمالاً وترجمة لمشروع ترامب الذي وعد إسرائيل بضم ما نسبته 30% في حينه من أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل".
يقول شديد: "اليوم الرهان في إسرائيل أن تتم مضاعفة هذه النسبة لتصبح 60%، أي ضم جميع منطقة (ج) وليس فقط المستوطنات، لأن خطة ترامب والحديث عام 2019، كانا عن ضم الكتل الاستيطانية، لكن اليوم إسرائيل قطعت شوطاً طويلاً في الضم، وتستغل الحكومة الإسرائيلية الحالية وصول ترامب وطاقم اليمين المحيط به، لالتقاط الفرصة لمضاعفة نسبة الضم، أي ضم جميع منطقة (ج) بما فيها المستوطنات، وبطبيعة الحال القدس قد تم ضمها سابقا باعتراف ترامب عام 2017". ويضيف شديد: "اليمين الصهيوني الإسرائيلي بزعامة سموتريتش رؤيته تقوم على فرض السيادة وضم الضفة الغربية بأكملها وهدم الجدار الفاصل بين الضفة وإسرائيل".
طواقم حكومية إسرائيلية أميركية من المستوطنين
ولم يعد مستغرباً أن تكون طواقم العمل الحكومية الإسرائيلية من المستوى الأول هي من المستوطنين، وكذلك الأميركية، في انعكاس كامل لتبني الاستيطان كعقيدة صهيونية تقوم على سلب الأرض الفلسطينية ومنع إقامة دولة فلسطينية. ويقول شديد في هذا السياق: "سبق موضوع إعلان سموتريتش مجموعة من القرارات التي اتخذت في العامين الماضيين، منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية نهاية عام 2022، كان أولها تعيين سموتريتش وزيراً ثانياً في وزارة الأمن يشرف على الضفة الغربية، حيث أصبح مسؤولاً عن الإدارة المدنية الإسرائيلية التي تشرف على إدارة الضفة الغربية وإدارة منطقة (ج) التي تعتبرها إسرائيل خزّانها الاستيطاني".
ويؤكد شديد بالقول: "لاحقاً تم تعيين المستوطن عضو الكنيسيت تسفي سوكوت رئيساً لـ(لجنة يهودا والسامرة)، أي الضفة الغربية، وهي لجنة متفرعة عن لجنة الخارجية والأمن، وقادرة على اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بالضفة الغربية، وهذا يعني أن هناك ضماّ لكنه غير معلن، وينتظر الوقت المناسب". ويتابع شديد: "واستكمالاً للتعيينات تم استحداث نائب رئيس الإدارة المدنية وتعيين هيليل روس وهو مستوطن بات رئيساً للجنة التخطيط والبناء في الإدارة المدنية، وهو مقرب من سموتريتش الذي يسعى لتغيير طابع الإدارة المدنية من طابع عسكري إلى مدني، وروس مسؤول عن تطبيق القانون على البناء غير المرخص لهدم المنازل الفلسطينية في مناطق (ج) و(ب)".
أما على صعيد الإدارة الأميركية، فجميع ما رشح من أسماء مرشحي ترامب حتى الآن هم موالون للاستيطان وعلى رأسهم وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي وصف الفلسطينيين بـ(الحيوانات)، وسفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة إليز ستيفانيك، ومستشاره للأمن القومي في البيت الأبيض مايك والتز، والسفير الأميركي في إسرائيل مايك هاكابي، وسفير إسرائيل في أميركا مستوطن يدعى يحيئيل ليتر.
ولا يمكن غض النظر عن دعوة ترامب لرئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية يوسي داغان، لحضور حفل تنصيب ترامب، ما يعني أن طواقم كاملة إسرائيلية وأميركية من المستوطنين أو الموالين لهم سيعملون في السنوات الأربع القادمة كل ما بوسعهم لتحقيق هدف الصهيونية اليمينية الإسرائيلية في ضم الضفة الغربية وطرد الفلسطينيين لصالح المستوطنين.
الضم يناقض القانون الدولي
يؤكد أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأميركية، رائد أبو بدوية، أن التهديدات الإسرائيلية بضم الضفة الغربية التي يروج لها كل من وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لا تغيّر الوضع القانوني القائم للضفة، فهي تعدّ أراضي محتلة وفق القانون الدولي، واتفاقيات جنيف الرابعة تنطبق عليها، حيث تُلزم سلطة الاحتلال بإدارة شؤون السكان المحليين دون نقل سكان دولة الاحتلال إلى هذه الأراضي.
ويوضح أبو بدوية أن القانون الدولي ينظر إلى الاحتلال كحالة مؤقتة مرتبطة بضرورات عسكرية محددة، وينبغي أن ينتهي فور زوال هذه الضرورة، ومع ذلك، استمر الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 مصحوباً بممارسات تنتهك القوانين الدولية، مثل الاستيطان، وتهجير السكان، واستغلال الموارد الطبيعية، كما أن إسرائيل سنت قوانينها على الضفة الغربية وشرّعت الضم الفعلي للقدس، ما أثار انتقادات من محكمة العدل الدولية التي أصدرت في يوليو/ تموز 2024 رأياً استشارياً يعتبر الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي.
ويلفت أبو بدوية إلى أن المحكمة أكدت في قرارها مسألتين رئيسيتين: الأولى أن الاحتلال غير شرعي، والثانية أن على الدول والمجتمع الدولي واجب اتخاذ تدابير لإنهاء الاحتلال، ووقف التعاون مع أي نشاط إسرائيلي يعززه، كما أن المحكمة شددت على ضرورة عدم التعاون مع الاحتلال في المجالات الأكاديمية، الاقتصادية، والسياسية، ودعت إلى اتخاذ إجراءات لوقف سياسات التمييز والفصل العنصري.
ويشير أبو بدوية إلى أن التهديدات الإسرائيلية بضم الضفة الغربية، سواء كلياً أو جزئياً، تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، حتى ولو كانت هناك إجراءات ضم فعلية من خلال بناء المستوطنات وتطبيق القوانين الإسرائيلية على هذه المناطق، فإن ذلك يظل غير قانوني، حيث أن محكمة العدل الدولية أشارت مؤخراً إلى أن الضم الفعلي مستمر على الأرض رغم غياب القرار السياسي الرسمي، وهو ما ينافي المعاهدات الدولية.
لم يعد مستغرباً أن تكون طواقم العمل الحكومية الإسرائيلية من المستوى الأول هي من المستوطنين، وكذلك الأميركية، في انعكاس كامل لتبني الاستيطان كعقيدة صهيونية تقوم على سلب الأرض الفلسطينية ومنع إقامة دولة فلسطينية.
ويلفت أبو بدوية إلى أن تصريحات ترامب الانتخابية الحالية تكشف عن توجهات يمينية متطرفة قد تؤدي إلى دعم أي خطوة ضم إسرائيلية مستقبلاً، ومن المحتمل أن تقدم إدارة ترامب غطاءً سياسياً ودبلوماسياً لقرار ضم الضفة، ما سيعمق الأزمة ويزيد تعقيد الأوضاع. ويؤكد أبو بدوية أن ممارسات إسرائيل في الضفة قللت بالفعل أعداد الفلسطينيين في مناطق "ج"، وهو ما يشكل دافعاً إضافياً للاحتلال لتنفيذ سياساته.
ويشدد أبو بدوية على أهمية العمل السياسي لتعزيز الموقف الفلسطيني، ورغم أن القانون الدولي أداة دعم مهمة، إلا أن الحل يكمن في توحيد الجهود الفلسطينية وتعزيز التعاون مع القوى الإقليمية والأوروبية. ويرى أبو بدوية أن الدول الأوروبية، رغم علاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع إسرائيل، تمتلك أدوات ضغط كبيرة، وهي مستعدة لرفع وتيرة الضغط لمنع الخطوات الإسرائيلية المتطرفة، خاصة أن فكرة منع إقامة دولة فلسطينية تتعارض مع المصالح الأوروبية.