مع تصاعد التوتر الأمني في محافظة درعا، جنوب سورية، والتي يكاد لا يمر يوم إلا وتسجل فيها عمليات اغتيال أو اعتقال، عاد الروس، عرابو تسويات عام 2018 التي سمحت للنظام بفرض سيطرته على مناطق المعارضة فيها، ليطرحوا على ممثلي درعا تسوية جديدة، بعدما فشلوا خلال أكثر من عامين في الوفاء بأي من الضمانات التي قدموها للأهالي، ولكثير من عناصر وقيادات الفصائل المعارضة بعدم ملاحقتهم أمنيا وإدارة مناطقهم.
وعقد الضابط الروسي المكلف بالملف الأمني والعسكري أندري فلاديميروفيتش كولوتوفكين اجتماعا، قبل أيام، بحضور اللجنة الأمنية التابعة للنظام في درعا، وأعضاء "اللجنة المركزية" المعارضة، وممثلين من مختلف مناطق درعا، وممثلين عن اللواء الثامن التابع الفيلق الخامس المدعوم روسياً، بحسب ما أفاد به مصدر مشارك في الاجتماع، في حديث مع "العربي الجديد"، قائلا إن "الضابط الروسي تحدث مطولا عن الوضع الأمني في درعا، وبين أن دوريات روسية سيتم تسييرها بشكل مكثف في مختلف المدن والبلدات، كما سيكون هناك مكتب لمتابعة المشكلات التي يعاني منها أهالي درعا".
وبيّن أن ملف المعتقلين كان حاضرا بقوة في الاجتماع، حيث تحدث الضابط الروسي عن أنه يتم العمل على إصدار عفو رئاسي خلال الشهرين القادمين، سيشمل نحو 75% من المعتقلين من أبناء درعا، إلا أنه لفت إلى أن ملف المحكومين عبر المحكمة العسكرية الميدانية مؤجل في المرحلة الحالية.
ولم يستطع الروس منع الأجهزة الأمنية من اعتقال مئات الشبان، سواء كانوا مدنيين أو عناصر سابقين في الفصائل المسلحة المعارضة، والذين فقد عدد منهم حياته في المعتقلات، بالرغم من أنهم يحملون وثائق تثبت إجراءهم تسويات أمنية، الأمر الذي أعاق حركة الأهالي وجعل الشبان يشعرون بخطر دائم.
تحدث الضابط الروسي عن أنه يتم العمل على إصدار عفو رئاسي خلال الشهرين القادمين، سيشمل نحو 75% من المعتقلين من أبناء درعا
وحول التسويات التي أعلن عنها أخيراً، بيّن الضابط الروسي أنه سيتم نشر أسماء جميع الذين أجروا تسويات مدنية على جميع الحواجز التابعة لقوات النظام ضمن قوائم، وسيتم الإعلان عنها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأفاد الناشط عبد الرحمن الحوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن "ثقة أهالي درعا تراجعت بشكل كبير بالضامن الروسي، وخاصة في قضية المعتقلين وتسوية أوضاع الشبان المستنكفين عن الخدمة العسكرية في القوات النظامية والمنشقين عنها، الذين إلى اليوم يرفضون الخدمة، في حين لم يقدم الروس أي حلول لواقع القوات النظامية السيئ من ظروف الخدمة والدخل، والأكثر أهمية سوء التعامل".
وأضاف: "التسوية الأخيرة لم تجد تجاوبا من المستنكفين عن الخدمة العسكرية والمنشقين، وغالبا من أجروا تسويات هم أشخاص يخشون من أن يكونوا مطلوبين أمنيا، ومع هذا الناس متخوفون من مغادرة مناطقهم كي لا يتعرضوا للاعتقال".
ويبدو أن ما يشغل الروس اليوم هو مواجه تنظيم "داعش"، الذي عاد للظهور في البادية السورية، عبر استهداف القوات النظامية بعمليات محدودة تسببت بسقوط عشرات القتلى من القوات النظامية، حيث تحدث الضابط الروسي، خلال الاجتماع، عن محاربة "التنظيم" في البادية السورية، معتبراً أنها الأولوية في الوقت الحالي، ويجب على جميع السوريين المساعدة في محاربة التنظيم، بحسب المصدر ذاته.
وفي نهاية الاجتماع، تعهد الضابط الروسي بنقل ملاحظات المشاركين إلى القيادة الروسية في قاعدة حميميم العسكرية، على أن يتم عقد اجتماع آخر في أقرب وقت.
من جانبه، قال الناشط أبو عدي مسالمة (اسم مستعار لضرورات أمنية)، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "طرح الدوريات الروسية ليس جديدا في درعا، فمنذ تسوية عام 2018 والدوريات موجودة، لكن لم تكن تهتم إلا بعدم وجود أي مظهر مسلح للمعارضة السورية، كما أن تدخل الروس دائما يصب في مصلحة النظام وتحقيق أهدافه".
وتابع: "الروس لا يهتمون بتمكين المجتمع ولا بوجود إدارات محلية فاعلة، كل ما يشغلهم تجنيد أكبر عدد من الشبان وزجهم بمعارك النظام في الشمال السوري والبادية، مستغلين ضغط الفرقة الرابعة وحزب الله والمليشيات الموالية لفرض تسويات تضع الشبان أمام خيارين: الالتحاق بالقوات النظامية أو التهجير إلى الشمال السوري".
واعتبر أن "الوضع في درعا والجنوب السوري لن يجد طريقه إلى التهدئة إلا عبر حل سياسي للأزمة السورية، يغير من هيكلية القوات النظامية وعلاقة السلطة بالمجتمع السوري، فالثقة اليوم معدومة".