مستوطنات للحريديم وغطاء على إرهاب المستوطنين على طريق ضم الضفة

12 ديسمبر 2024
مبنى أحرقه مستوطنون خلال هجوم إرهابي على قرية بيت فوريك، شرقي نابلس، 4 ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وقف الاعتقال الإداري وتداعياته: أوقفت إسرائيل استخدام الاعتقال الإداري ضد المستوطنين المتورطين في هجمات إرهابية، مما يعزز شعورهم بالحصانة ويشجع الجرائم، ويعتبر خرقًا للقانون الدولي.

- التوسع الاستيطاني ومخططات الضم: تعمل الحكومة الإسرائيلية على إقامة مستوطنات جديدة وتحويل مستوطنات استراتيجية إلى مدن، لتعزيز السيطرة على الضفة الغربية وتوسيع نفوذ المستوطنين.

- التأثيرات السياسية والمجتمعية: تهدف إسرائيل إلى توريط المستوطنين الحريديم في الصراع، مما يعزز سياسة الفصل العنصري ويعكس استغلال الفئات غير النشطة، ويعزز مشروع الضمّ المدعوم أميركيًا.

اتخذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة خطوات من شأنها توسيع نفوذ المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية وشرعنة اعتداءاتهم، وتهيئة بيئة ملائمة لهم للاستمرار في الهجمات على الفلسطينيين، وذلك من خلال قرارين، أحدهما صدر بالفعل والآخر قيد الإعداد.

وقف الاعتقال الإداري.. غطاء لمزيد من الإرهاب

أول هذه القرارات صدر عن وزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ويتعلّق بوقف استخدام قانون الاعتقال الإداري ضد المستوطنين المتورطين في هجمات إرهابية ضد الفلسطينيين، بحجة أن هذه الممارسات "تعرّض المستوطنين لعقوبات دولية غير مبررة"، وقد لقي هذا القرار ترحيبًا من أبرز وزيرين متطرفين في حكومة الاحتلال، هما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

وفيما ترى وزارة الخارجية الفلسطينية أن هذا القرار "يشجّع المستوطنين على ارتكاب المزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين وممارسة الإرهاب ضدهم وضد أرضهم وممتلكاتهم، ويمنحهم شعورًا إضافيًا بالحصانة والحماية"، يوضح منسق الحملة الشعبية الفلسطينية لمقاومة جدار الفصل العنصري جمال جمعة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن خطورة القرار تنبع من كونه يشكّل عامل أريحية للجيش الإسرائيلي وعناصر الأمن، حيث يخفف الأعباء عنهم في ملاحقة الفلسطينيين والاعتداء عليهم. ويؤكد جمعة أن القرار يمنح المستوطنين صلاحيات كاملة لممارسة دور المنظومة الأمنية، في ظل دعم حكومي ورسمي يجنّبهم المساءلة القانونية، سواء في المحاكم الإسرائيلية "التي لا تطبّق العدالة ضد المستوطنين" أو في المحاكم الدولية.

ويتساءل جمعة قائلاً: "منذ متى يُحاسَب المستوطنون! هؤلاء يعتدون يوميًا على الفلسطينيين ويهجّرونهم قسرًا. ورغم كل الانتهاكات، لم يتم اعتقال سوى 16 مستوطنًا خلال العام الماضي، وهذه الاعتقالات كانت صورية لإظهار صورة مختلفة أمام العالم. لكن ما يحدث فعليًا هو إطلاق كامل لأيدي المستوطنين".

ويشير جمعة إلى أن الشاهد على ذلك هو دعم سموتريتش لهؤلاء المستوطنين من خلال توظيف أكثر من 26 مستوطنًا في الإدارة المدنية المعنية بالاستيطان، وتوفير دعم لوجستي كامل لهم يشمل طائرات مسيّرة لتصوير وتتبع حركة الفلسطينيين وملاحقتهم، إضافة إلى تزويدهم بسيارات دفع رباعي. ويضيف "كل ذلك يهدف إلى تسهيل تنفيذ سياسات طرد للفلسطينيين، كما يحدث في التجمعات البدوية".

ويعتبر جمعة أن تعامل المستوطنين في الضفة الغربية يحاكي نمط "المليشيات" وليس العصابات، كونهم يتلقون دعمًا رسميًا ومنظّمًا يجعلهم أشبه بالنظام العسكري، وأقرب إلى جيش غير رسمي.

هذا الواقع، بحسب جمعة، يرتبط بشكل وثيق بسياسة الوزير المتطرف إيتمار بن غفير، الذي سلّح المستوطنين في الضفة الغربية بأكثر من 170 ألف قطعة سلاح خلال أقل من عام، ما أسفر عن استشهاد نحو 21 فلسطينيًا.

ويشكّل قانون وقف الاعتقال الإداري بحق المستوطنين خرقًا واضحًا للقانون الدولي، الذي ينصّ على أن يُعامل المستوطنون وفق ضوابط قانونية محددة للأراضي المحتلة في الضفة الغربية (أي أنهم، من الناحية القانونية، تحت منظومة الإدارة العسكرية)، إلا أن إسرائيل تتعامل مع المستوطنين وفق القانون الجنائي المدني الإسرائيلي، وفق ما أوضحه المستشار القانوني لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية عايد مرّار في حديث مع "العربي الجديد".

في أروقة المحاكم المدنية الإسرائيلية

وإلغاء هذا القانون في الأراضي المحتلة يتيح للشرطة الإسرائيلية تولي مهام الجيش في محاسبة المستوطنين، ما يؤدي إلى اختلاف في شكل المعاملة، فعندما يعتدي مستوطن على فلسطيني، يتوجب على الفلسطيني التوجه إلى مركز الشرطة الإسرائيلية لتقديم شكوى، حيث يتم فتح تحقيق في الحادثة وتحويلها إلى المحاكم الإسرائيلية وفق القانون الجنائي المدني الإسرائيلي، ما يؤدي إلى ضياع حقّ الفلسطيني، كما يؤكد مرار.

الصورة
الضفة الغربية| فلسطيني أمام مركبته التي أحرقها مستوطنون خلال هجوم على بيت فوريك شرق نابلس، 4 ديسمبر 2024 (Getty)
فلسطيني يقف أمام مركبته التي أحرقها مستوطنون خلال هجوم على قرية بيت فوريك، شرق نابلس، 4 ديسمبر 2024 (Getty)

ويشير مرار إلى أنه في الحالة المعاكسة، فإن جهاز المخابرات الإسرائيلي يتولى ملاحقة الفلسطيني بذريعة مهاجمة مستوطن وتتم محاكمته أمام محاكم عسكرية، لذا فإن هذه الخطوة تُعد جزءًا من إجراءات "الضم"، بحسب مرار. 

ويقول مرار: "تسقط بهذا القرار صلاحية الجيش باعتقال المستوطنين في حال ارتكابهم أي مخالفة، ما يعني فتح الطريق أمامهم لتنفيذ اعتداءات بشكل واسع".

مستوطنات خاصة بالحريديم في الضفة

أما القرار الثاني الذي يجري العمل على تنفيذه وهو قيد التخطيط تمهيدًا للشرعنة فيهدف، بحسب مرار، إلى إقامة مستوطنات خاصة للمستوطنين المتطرفين من "الحريديم" و"الدروز"، إضافة إلى تحويل مستوطنات استراتيجية إلى مدن استيطانية، وتوسيع سيطرة المجالس الإقليمية الاستيطانية لتشمل المناطق المفتوحة الواقعة بين المستوطنات.

هذا القرار يُعد انعكاسًا للصلاحيات الممنوحة للوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي يعمل على تحويل البؤر الاستيطانية والمستوطنات غير الشرعية إلى مستوطنات رسمية معترف بها، تتوفر فيها الخدمات المقدمة داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وفق ما يوضح مرار.

وعلى الرغم من أن المستوطنين "الحريديم" غير موجودين في مستوطنات الضفة الغربية إلا بشكل محدود (نظرًا للذرائع الدينية)، إلا أن إمكانية إقامة مستوطنات خاصة بهم ممكنة، ومن الأمثلة على ذلك مستوطنة "كريات سيفير - موديعين عيليت"، غرب رام الله، بحسب ما يؤكده مرار، الذي يتوقع أن تكون المستوطنة الجديدة ضمن نطاق مستوطنات الخليل، نظرًا للاعتبارات الدينية لدى المستوطنين المتدينين، أو في إحدى المستوطنات التابعة لمشروع القدس الكبرى الاستيطاني، حيث يتمركز "الحريديم" أساسًا في المستوطنات المقامة على أراضي محافظة القدس.

ويهدف هذا المخطط، كما يرى منسق الحملة الشعبية الفلسطينية لمقاومة جدار الفصل العنصري جمال جمعة، إلى "توريط المستوطنين الحريديم والزجّ بهم في الصراع القائم في الضفة الغربية، واستخدامهم أداةً ضمن مشروع التطهير العرقي، ما يُظهر استغلال إسرائيل للفئات غير النشطة بشريًا في الضفة، وتحويلهم إلى أداة تخدم المشروع الاستيطاني".

ويشير جمعة إلى أن هذا المخطط يندرج ضمن المقترحات التي قدمها رؤساء المجالس الاستيطانية لسموتريش، المسؤول عن إدارة الاستيطان في الإدارة المدنية الإسرائيلية. ويؤكد جمعة أن سموتريتش كان قد أوعز سابقًا للجهات الإسرائيلية، بما فيها مجلس الاستيطان الأعلى، بتقديم مقترحات للتوسع الاستيطاني، مع تهيئة كاملة للبنية التحتية في الضفة بما يتناسب مع خدمة المشروع الاستيطاني.

ويمثّل هذا المخطط خطوة أخرى على طريق الضمّ، حيث يهدف إلى اعتبار المستوطنات الجديدة كيانات رسمية، على غرار المدن الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عام 1948، ويحمل رسالة إلى الإدارة الأميركية القادمة، بقيادة دونالد ترامب، التي ترعى مشروع الضمّ، مفادها أن مستوطنات الضفة تضم كل الطوائف والشرائح، وفقًا لجمعة، الذي رأى أن هذا سيعزز سياسة الفصل العنصري والتقسيم الجغرافي لأراضي الضفة الغربية.

المساهمون