بدأ ناشطون عراقيون، في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية عدة، بالتحشيد لمسيرات متزامنة في 18 يوليو/تموز المقبل، تحت شعار "إنهاء الإفلات من العقاب"، وذلك في تطور هو الأول من نوعه على مستوى الاحتجاجات الشعبية، التي تشهدها بلاد الرافدين، ضد تردي الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، وتغوّل نفوذ المليشيات.
يأتي هذا بالتزامن مع تنصل حكومة مصطفى الكاظمي من وعود الكشف عن هوية قتلة المتظاهرين والمتورطين باغتيال الناشطين المدنيين، فضلاً عن المتورطين بقضايا الفساد، في وقت يواجه العراقيون، منذ أيام، موجة غلاء كبيرة، تهدد بإدخال مئات آلاف العائلات الجديدة تحت خط الفقر، بفعل انخفاض قياسي لسعر صرف الدينار أمام الدولار، وتفاقم المشاكل جراء جائحة كورونا.
معن الجيزاني: المسيرات تسهم بوقف مجاملة نظام المليشيات
ويعتبر القائمون على الفعالية، التي بدأ الترويج لها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ولاقت تجاوباً كبيراً من الجاليات العراقية في دول غربية كثيرة، أن الإفلات من العقاب، عبر إخلاء سبيل المتهمين بالقتل والتهريب والسرقة والاختلاس، يدفع الأحزاب والفصائل المسلحة إلى مزيد من التمادي في سرقة مقدرات العراق. كما يهدف القائمون على المسيرات الموحدة إلى لفت انتباه العالم والمؤسسات المعنية إلى ما يمر به الناشطون المدنيون والمحتجون في العراق، من قمع وتنكيل على يد الجماعات المسلحة، ومماطلة الحكومة والقضاء في الكشف عن الجناة أو وقف مسلسل الاستهداف.
وقال الناشط العراقي المقيم في الولايات المتحدة الأميركية معن الجيزاني، وهو أحد الداعين لمسيرات "إنهاء الإفلات من العقاب"، إن "المسيرات والوقفات هي للعراقيين الموجودين خارج العراق، وعددهم كبير جداً". واعتبر أن "توحدهم وخروجهم في يوم واحد وتحت شعار واحد، فيهما دلالات كبيرة ومهمة من شأنها أن تسهم في إنتاج صوت عراقي واضح ومرتفع، يطالب العالم بتصحيح استراتيجيته الخاطئة في التعامل مع العراق، والضغط على السلطة بوسائل أكثر فعالية للتوقف عن الاستهانة بحياة العراقيين". وبين، لـ"العربي الجديد"، أن "المسيرات تسهم في أن يتخلى المجتمع الدولي عن مجاملة نظام المليشيات والفساد في العراق، ويبدأ فوراً بمساعدة العراقيين على حماية أنفسهم، عن طريق إجبار حكومة مصطفى الكاظمي والقضاء على تطبيق المحاسبة الفعلية وإنهاء الإفلات من العقاب، وإلا فإن المجتمع الدولي سيكون متواطئاً من أجل الإبقاء على العراق دولةً فاشلةً ومفلسةً، ومسؤولاً عن موت العراقيين وتدمير مستقبلهم".
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أصدرت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري نتائجها بشأن العراق. ودعت السلطات العراقية إلى إدراج جريمة الاختفاء القسري في التشريعات الجنائية المحلية، وضمان عدم احتجاز أي شخص في مكان سري. كما دعت إلى إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب، وتفعيل لجان التحقيق، فيما انتقدت استمرار ما أسمته "تكرار الإيذاء".
ووفقاً لمصادر حقوقية وناشطين في بغداد، فإنه من المقرر كتابة خطاب موحد لتوجيهه الى عدة جهات دولية وأممية بنهاية المسيرات، التي سيتم تحديد أماكن انطلاقها في عدة عواصم، بينها واشنطن العاصمة، مرجحة أن تنظم أمام البيت الأبيض. كما أنه يجرى التحضير لتكون هناك مسيرات مماثلة في بغداد ومدن عدة جنوبي البلاد في الوقت ذاته، المصادف يوم الأحد 18 يوليو المقبل.
واعتبر عضو تنسيقيات مدينة النجف علي الحجيمي أن الحراك المرتقب خارج العراق بداية تأسيس لعمل منظم بغية إنقاذ البلد. وقال، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "الحراك داخل العراق سيجد صوتاً منظماً خارج البلاد وأسرع وصولاً إلى العالم، والعراقيين في الخارج قادرون على إيصال الرسائل إلى العالم، وحث الأطراف الدولية على تحمل مسؤولياتها تجاه الجرائم المرتكبة ضد العراقيين في الداخل، خاصة أنها ترتكب في سياق عملية سياسية يعترف بها المجتمع الدولي، من دون أن يراجع أو ينتقد أخطاءها وفشلها في حماية أرواح العراقيين". وأكد أن "الحملة ستعمل على تناقل أسماء وصور عشرات الشخصيات السياسية والأمنية، وتحديداً قادة الفصائل المسلحة، إضافة إلى مسؤولين من مختلف مكونات السلطة، بتصاميم موحدة، مع التهمة التي يمتلك الناشطون العراقيون الأدلة عليها، سواء كانت تسهيل أوامر القتل أو الاستيلاء على السلطة، والتحكم بها بطرق غير قانونية وأصولية".
حيدر المرواني: إنهاء الإفلات من العقاب هو المطلب الأهم
من جهته، أشار الناشط من بغداد حيدر المرواني إلى أن "إنهاء الإفلات من العقاب هو المطلب الأهم في العراق، وهو منطلق لإصلاح وضع البلد. كما أن محاسبة قتلة المتظاهرين ضمن القانون تقوض فكرة أن اللادولة تستحوذ على الدولة". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "الإصلاح الحقيقي في العراق لا يمكن أن يبدأ إلا قبل إنهاء الإفلات من العقاب، وإن تمكين الدولة من السيطرة على القضاء سيؤسس لبيئة احتجاجية آمنة تساعد على انتزاع الحقوق، إضافة إلى تفعيل مواد الدستور المتعلقة بالحريات والمساواة".
بدوره، اعتبر الناشط المدني عمّار النعيمي أن "أي حراك يدعم القانون في العراق، ويقوي المحاكم العراقية في محاسبة القتلة والسارقين والمسؤولين المقصرين سيجد دعماً شعبياً مطلقاً". وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "ناشطي تشرين (الأول/أكتوبر) والمتظاهرين عموماً يشجعون الحراك السلمي في سبيل تحقيق العدالة ومحاسبة قتلة المتظاهرين، وتنفيذ الأحكام القضائية بحق المتورطين بقتل العراقيين وسرقة أموالهم، والذين زوروا الانتخابات واستحوذوا على السلطة باستخدام السلاح".
من جهته، قال النائب باسم خشان إن "الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي لم تتمكن حتى الآن من اتخاذ أي إجراء لإيقاف مسلسل الاغتيال والاختطاف والتحريض والتهديد، بل كثيراً ما جرت عمليات اغتيال أمام أعين القوات الأمنية. كما تستمر خطابات الكراهية وتعنيف المتظاهرين من خلال بعض المحطات الإعلامية المملوكة لقوى السلطة في البلاد". وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أن "القضاء العراقي بحاجة إلى دعم شعبي وتأييد قوي من الجهات الدولية، من أجل تنفيذ الأحكام القضائية بحق المتورطين بالاستيلاء على الأموال واستخدام سلاح الدولة لقمع العراقيين". وأكد أن "القوى الوطنية والمدنية تساند حملة إنهاء الإفلات من العقاب، سواء عبر الاحتجاجات أو المسيرات أو الوقفات السلمية، أو من خلال الحملات السياسية للناشطين والكيانات السياسية غير المتورطة بالفساد".