انقلب اجتماع رفيع المستوى في مجلس الأمن الدولي في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول التعاون متعدد الأطراف وصون السلام والأمن الدوليين بعد جائحة كورونا، إلى تبادل اتهامات وتوبيخ شديد اللهجة بين الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا ودول أخرى من جهة ثانية؛ بل إن السفيرة الأميركية بدأت مداخلتها بصورة غير معهودة بتوبيخ الدول الأعضاء بالمجلس وممثليها من الحضور، الذين تحدث أغلبهم قبلها دون مهاجمة الولايات المتحدة بشكل خاص، وكانوا جميعا من رؤساء الدول أو وزراء الخارجية للدول الأعضاء في المجلس، بما فيها فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، ناهيك عن الدول غير دائمة العضوية، كما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
وقالت السفيرة الأميركية كيلي كرافت: "عليكم الخجل جميعا. أشعر بالدهشة والاشمئزاز من فحوى نقاش اليوم. وأشعر بالخجل الشديد من هذا المجلس. أعضاء مجلس الأمن الذين انتهزوا الفرصة للتركيز على التطهير السياسي بدلا من الأمور الأساسية التي أمامنا". ثم أضافت "الرئيس (دونالد) ترامب قالها بشكل واضح: سوف نفعل كل ما هو صحيح حتى لو لم يكن شعبيا، ودعوني أقول لكم هذه ليست مسابقة حول من هو الأكثر شعبية. وعلى الرغم من ذلك سوف أقدم ملاحظات بما يتماشى مع المسؤولية حول الموضوع الذي نناقشه".
ثم استمرت السفيرة الأميركية في حديثها قائلة إن فيروس كورونا يشكل تهديدا للمليارات من الأشخاص حول العالم، وعبرت عن أسفها للذين ماتوا أو أصيبوا أو فقدوا أعمالهم. ومن اللافت للانتباه أن السفيرة الأميركية لم تشر إلى عدد الوفيات في الولايات المتحدة، والذي وصل إلى أكثر من مئتي ألف شخص جراء الإصابة بالفيروس، وهو ما يمثل قرابة خمس الوفيات حول العالم. بل إنها وصفت الولايات المتحدة بأنها تقوم بمجهودات غير مسبوقة في ما يخص مكافحة الفيروس داخل الولايات المتحدة وخارجها. وادعت أن بلادها خصصت أكثر من عشرين مليار دولار من أموال دافعي الضرائب لقيادة المجهودات الدولية، بما فيها تطوير اللقاح والعلاج وتطوير البنية التحتية الصحية. ثم سمت عدداَ من الدول التي قدمت لها الولايات المتحدة دعماً مادياً، من بينها تونس وجنوب أفريقيا وإندونيسيا وفيتنام.
ولكن اللافت للانتباه في الادعاءات الأميركية أن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تقدم مساعدات إنسانية، بل إن مؤسسات مختصة غير حكومية، ومنها أميركية، أشارت في أكثر من مناسبة إلى أن الأرقام الضخمة التي تتحدث عنها الولايات المتحدة غير دقيقة إذا ما تم حسابها أو وضعها بالسياق الصحيح والمتعلق بمعدل دخل الفرد والناتج المحلي الإجمالي لكل دولة. لكن السفيرة الأميركية استغلت إحاطتها لتكرر ما قاله ترامب في خطابه أمام الجمعية العامة وحملت الصين المسؤولية عن انتشار الفيروس عالميا، ثم وصفت منظمة الصحة العالمية بالفاسدة.
وسرعان ما طلب كل من السفراء الصيني والروسي والإندونيسي حق الرد، ولعل الرد الأقوى والأطول كان من السفير الصيني لدى الأمم المتحدة، تسانغ يون، الذي قال مخاطبا الإدارة الأميركية والسفيرة كرافت: "قبل قليل سمعنا في إحاطات أغلب الدول تأكيدا على ضرورة الحفاظ على التعاون الدولي والتعددية والتضامن. ولكن للأسف الشديد سمعنا أصواتا من الولايات المتحدة تتناقض مع المجلس وبقية الدول. إن الصين ترفض الاتهامات الأميركية التي لا تستند إلى أي حقائق".
على الولايات المتحدة أن تفهم أن إخفاقها في مجابهة الفيروس كان ذنبها وحدها
وأضاف أن "بعض الساسة الأميركيين مهووسون بمهاجمة دول أخرى ومؤسسات الأمم المتحدة"، معتبرا أنهم "يسيئون استغلال منصة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والولايات المتحدة تنشر فيروسا سياسيا ومعلومات خاطئة وانقساما".
ثم وصف نهج الولايات المتحدة أحادي الجانب وانسحابها من المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة، بما فيها منظمة الصحة العالمية، بأنه أدى لعرقلة المجهودات الدولية والتعاون المشترك لمكافحة الجائحة. وقال "كفى! لقد خلقتم ما يكفي من المشاكل في العالم. لقد كانت الصين أول دولة ضربها الفيروس، ورد الصين واضح للجميع، بما فيها مكافحة الفيروس".
واعتبر أن "على الولايات المتحدة أن تفهم أن إخفاقها في مجابهة الفيروس كان ذنبها وحدها. توجد أكثر من مئتي ألف وفاة في بلد يحتوي على أكثر تكنولوجيا ونظام متطور في العالم". ثم طرح السؤال "لماذا إذا يوجد في الولايات المتحدة أكبر عدد من الإصابات والوفيات حول العالم على الرغم من ذلك؟ الكثير من الدول التي ضربها الفيروس في الفترة نفسها التي ضرب فيها الولايات المتحدة تمكنت من احتوائه إلا الولايات المتحدة!". ومن ثم قال "بحسب بيانات رسمية للولايات المتحدة، فإن نسبة الإصابات والوفيات بين الأقليات في الولايات المتحدة هي الأعلى، والسؤال لماذا... ربما على السياسيين الأميركيين إعطاء أجوبة صادقة عن هذه الأسئلة، لأنه إذا كان من الضروري محاسبة أحد، فإنهم بعض الساسة الأميركيين أنفسهم".
يذكر أن هذه هي المرة الثانية خلال أسبوع التي تتبادل فيها الصين الاتهامات مع الولايات المتحدة، بعد أن تهاجم الأخيرة الصين. لكن اللافت للانتباه اليوم أن كلمات السفيرة الأميركية جاءت بعدما تحدث أكثر من 13 رئيسا ووزير خارجية في جلسة مجلس الأمن رفيعة المستوى عن ضرورة التعاون وتنسيق الجهود معا، وبدت خارجة عن أي أعراف دبلوماسية وتلخص نهج إدارة ترامب.