تواصل الوفود المشاركة في مباحثات فيينا غير المباشرة بين طهران وواشنطن وباقي أطراف الاتفاق النووي، اليوم الأحد، مشاوراتها الثنائية ومتعددة الأطراف للوصول إلى حلول للقضايا العالقة.
وتزامنا، تواصل اللجان الثلاث المنبثقة عن هذه المفاوضات أعمالها منذ عصر الجمعة الماضي، بعد اجتماع اللجنة المشتركة للاتفاق النووي المنعقد على مستوى مساعدي وزراء الخارجية للدول الأعضاء بالاتفاق، إيران وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين، فضلا عن لقاءات أخرى تجريها الوفود، باستثناء الوفد الإيراني، مع الوفد الأميركي المشارك في المباحثات بقيادة روبرت مالي، المبعوث للشأن الإيراني.
واللجان الثلاث هي لجنة تحديد العقوبات التي على أميركا رفعها عن إيران، ولجنة تحديد الإجراءات النووية التي على طهران القيام بها للعودة إلى تنفيذ تعهداتها النووية، ولجنة "الترتيبات الإجرائية اللازمة" للعودة إلى الاتفاق.
وقالت الخارجية الإيرانية، اليوم الأحد، في إفادة إعلامية اطلع عليها "العربي الجديد"، إن الوفد الإيراني، برئاسة كبير المفاوضين عباس عراقجي، أجرى مشاورات مستمرة ومكثفة خلال الأيام الثلاثة الأخيرة مع مجموعة (1+4).
وأشارت الوزارة إلى لقاءات بين عراقجي ورؤساء بقية الوفود، فضلا عن لقائه مع أنريكا موري، المنسق الأوروبي لمباحثات فيينا، لافتة إلى أن مباحثات الوفد الإيراني مع بقية الوفود استمرت حتى ساعات متأخرة من الليلة الماضية، وأنها ستستأنف اليوم الأحد أيضا.
وأكدت الخارجية الإيرانية أن الهدف من هذه المشاورات هو "تقليص الخلافات بشأن نصوص المسودات إلى أقصى حد ممكن".
من جهته، أكد رئيس مكتب الرئيس الإيراني، محمود واعظي، في تغريدة على "تويتر"، أن مسار المفاوضات "إيجابي"، مشيرا إلى أنه "رغم صعوبات المفاوضات، لكن بالنظر إلى المباحثات خلال الأسبوع الأخير يمكننا التفاؤل بأفقها".
وأكد واعظي أن "الانسجام الداخلي والوحدة الوطنية يكتسبان أهمية أكثر في هذه المرحلة"، داعيا الأحزاب والتيارات السياسية إلى عدم إضعاف فريق بلاده المفاوض في فيينا من خلال مواقفها.
وأطلقت اللجنة المشتركة للاتفاق النووي، الجمعة في فيينا، الجولة الرابعة للمفاوضات على مستوى مساعدي وزراء خارجية الدول الأعضاء؛ إيران وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين، مع اتفاق المشاركين على مواصلة اجتماعات لجان الخبراء، وعقد اجتماعات أخرى للجنة المشتركة "إن استدعت الحاجة".
وكشف الرئيس الإيراني حسن روحاني، مساء السبت، خلال لقاء مع مسؤولي وزارة الصحة الإيرانية، عن "الاتفاق على رفع جميع العقوبات الأساسية" خلال مباحثات فيينا، مضيفاً أنّ "المفاوضات مستمرة بشأن بعض التفاصيل".
وأوضح روحاني، حسب ما أوردته وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، أن "الأميركيين والأوروبيين أعلنوا صراحة أنه لا خيار سوى رفع العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي".
وتأتي تصريحات الرئيس الإيراني حول الاتفاق على "رفع جميع العقوبات" خلال مباحثات فيينا، فيما لم تصدر تأكيدات أو إشارات حول ذلك من الجانب الأميركي الذي فرض هذه العقوبات بعد انسحابه من الاتفاق النووي عام 2018.
البرلمان يهاجم ظريف
على صعيد آخر، لا تزال تداعيات "التسجيل المسرب" لمقابلة سرية لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، مستمرة في إيران، إذ يعقد مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، اليوم الأحد، جلسة مغلقة لمناقشة هذه التسريبات.
وقرر البرلمانيون الإيرانيون تشكيل فريقي تحقيق من مركز البحوث الاستراتيجية التابع للرئاسة الإيرانية ووزارة الخارجية الإيرانية بشأن تسريب التسجيل.
ومن المقرر أن تناقش لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية هذا الموضوع.
كما استدعت اللجنة وزير الخارجية إلى جلسة للرد على تساؤلات واستفسارات أعضائها بشأن تسريب المقابلة، وما ورد فيها من تصريحات أثارت انتقادات وتحفظات داخلية شديدة.
وبعد اجتماعها مع ظريف، أكد نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، شهريار حيدري، لوكالة "مهر" الإيرانية، أن إجابات وزير الخارجية لأعضاء اللجنة "لم تكن مقنعة".
ونقل حيدري عن ظريف قوله إنه لم يقصد "إضعاف القائد سليماني وإثارة القطبية في الانتخابات" الرئاسية المقررة إجراؤها في 18 من الشهر المقبل، مؤكدا لأعضاء اللجنة أنه لن يترشح لهذه الانتخابات.
ووجه رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، خلال الجلسة المغلقة للبرلمان لمناقشة التسجيل المسرب، انتقادات شديدة لظريف، متهما إياه بـ"إثارة ثنائية القوة الميدانية والقوة الدبلوماسية"، وقال إن ذلك "ضد المصالح الوطنية".
وأضاف أنه "من دون القوة الميدانية لن تكون للدبلوماسية قوة للنجاح، كما أنه من دون الأخيرة أيضا لن تحقق القوة الميدانية جميع أهدافها خدمة للمصالح الوطنية".
وأعرب قاليباف عن أمله في أن "تفضح دماء الشهيد سليماني التيار الميال للغرب، المصاب بالاغتراب الذاتي، وأن تجفف جذوره، ونحن نشاهد اليوم آثار هذا الحدث العظيم"، حسب قوله.
إلى ذلك، هاجم رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية، مجتبى ذوالنور، في كلمة له أثناء الجلسة المغلقة، ظريف، معتبرا أن تصريحاته بشأن قائد "فيلق القدس" السابق، الجنرال قاسم سليماني، "تنم عن حقده تجاه هذا القائد".
واتهم ظريف بأنه يستهدف "الميدان" العسكري، متسائلا عن طرح هذه التسريبات في ظل انعقاد مباحثات فيينا، ليعرب عن خشيته من أن يؤدي ذلك إلى إزعاج حلفاء إيران، الصين وروسيا. وقال إن ذلك "يمكن أن يتسبب بإنهاء روسيا والصين دعمهما لفريقنا المفاوض".
من جهته، قال نائب رئيس البرلمان الإيراني، أمير حسين قاضي زادة هاشمي: "اليوم يُطرح هذا السؤال الأبرز أنه من يشكك في مبادئ استراتيجية النظام كيف يمكن أن يتولى رئاسة الفريق المفاوض ويدافع عن المصالح الوطنية؟"، في إشارة إلى ظريف الذي يقود الجهاز الدبلوماسي الإيراني.
وكانت قناة "إيران إنترناشونال" المتهمة من قبل طهران بأنها ممولة من قبل السعودية، ومقرها لندن، قد نشرت التسجيل الصوتي لظريف الأحد الماضي، وسرعان ما وصل إلى العالم الافتراضي وتداولته مختلف المنصات الإعلامية، وأحدث ما يمكن اعتباره زلزالاً سياسياً.
والتسجيل المسرب مدته أكثر من ثلاث ساعات، وهو جزء من مقابلة "سرية" مصورة مع ظريف، لسبع ساعات، أجراها معه الاقتصادي الإيراني سعيد ليلاز في فبراير/ شباط الماضي.
ولم يكن من المقرر نشر المقابلة، التي أجريت خصيصاً لأرشيف الدولة في إطار مشروع لتسجيل "التاريخ الشفهي" لحكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي ستنتهي ولايته بعد 3 أشهر.
ويتهم المحافظون وزير الخارجية بالتقليل من أهمية دور القائد السابق لـ"فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، و"إهانته" وتوجيه "اتهامات باطلة" له.
ووجه المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، مطلع الشهر الجاري، انتقادات صريحة لوزير الخارجية الإيراني (من دون ذكر اسمه)، وكال المديح لقائد "فيلق القدس" السابق، الذي اغتالته الولايات المتحدة يوم 3 يناير/ كانون الثاني 2020.
وفي إشارة إلى تصريحات ظريف في المقابلة، أضاف خامنئي أن "بعض هذه التصريحات تكرار لتصريحات عدائية للأعداء وأميركا"، مؤكداً أن "أميركا منزعجة بشدة منذ سنوات من النفوذ المعنوي للجمهورية الإسلامية في المنطقة وفيلق القدس، والشهيد سليماني، واغتالوه لهذا السبب".
ويتناول ظريف، في المقابلة المسربة "السرية" التي يشدد فيها عدة مرات على عدم نشرها، مواضيع متعددة مرتبطة بالسياسة الخارجية الإيرانية منذ تسلّم روحاني السلطة عام 2013 وتوليه الخارجية في ذلك العام.
وتحدث ظريف في المقابلة عن "الميدان" العسكري الذي كان يقوده قاسم سليماني في المنطقة، مؤكداً أن سليماني كانت له الكلمة الأولى في السياسة الخارجية.
وأوضح أن "الكثير من التكاليف الدبلوماسية التي تحملناها كانت بسبب أن الميدان كانت له الأولوية عند النظام، وإلى هذا المستوى جرت التضحية بالدبلوماسية لأجل الميدان، وهذا نتيجة أن يكون القرار بيد الميدان".
وكشف ظريف دوراً روسياً "تخريبياً" في المباحثات النووية التي توجت بالاتفاق النووي عام 2015، واتهمها بالسعي إلى إفشال هذه المباحثات والاتفاق النووي الناتج عنها.
وخلال الأسبوعين الماضيين، قدم ظريف اعتذاره لأسرة سليماني ومحبيه إذا تسببت تصريحاته بـ"جرح مشاعرهم"، لكنه لم يتراجع عما باح فيه في المقابلة، مؤكدا أنه "كلام مهني".