أظهرت الأزمة الأوكرانية مجدداً الشلل الذي يعاني منه مجلس الأمن الدولي، وأخذه "رهينة" من قبل الدول الخمس دائمة العضوية عن طريق استخدامها لحق النقض (الفيتو) لحماية نفسها أو حلفائها. ولعل آخر تلك الأمثلة هو استخدام روسيا الفيتو ضد مشروع قرار يدين حربها على أوكرانيا.
وكانت روسيا قد اتخذت نهجاً مشابهاً في ما يخص الحرب في سورية، لكنها ليست الوحيدة التي تستغل الفيتو لتعزيز نفوذها، فجميع الدول الخمس دائمة العضوية تقوم بذلك في مناسبات مختلفة، وعلى رأسها الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بفلسطين وحماية المصالح الإسرائيلية وحالات أخرى.
فيتو روسي محتمل على مشروع قرار جديد
يقف مجلس الأمن الدولي مجدداً أمام فيتو روسي محتمل، هذه المرة ضد مشروع قرار مكسيكي - فرنسي حول الوضع الإنساني وتقديم المساعدات الإنسانية في أوكرانيا. ورجّح دبلوماسيون أن يتم التصويت على المشروع الأسبوع المقبل.
يواجه مشروع قرار فرنسي مكسيكي حول المساعدات لأوكرانيا احتمال إسقاطه بالفيتو الروسي
وتناقش الدول الأعضاء في المجلس المسودة منذ أكثر من أسبوعين، إلا أن المباحثات متعثرة، بحسب تصريحات مصدر دبلوماسي غربي رفيع المستوى لـ"العربي الجديد" في نيويورك. وعزا المصدر ذلك لانقسامات بين الدول الغربية نفسها: فمن ناحية، تريد فرنسا والمكسيك تقديم مسودة تحصل على أكبر قدر ممكن من التأييد، وربما لتحاشي فيتو روسي، لكن الجانب الأميركي والبريطاني والنرويجي ودولاً أخرى أعضاء في المجلس غير راضية عن هذا التوجه. ولكي تتمكن فرنسا والمكسيك من تحاشي الفيتو الروسي، فقد تضطران لعدم ذكر روسيا بالاسم في القرار. وأكد المصدر أن الدول الغربية ودولاً أخرى ترفض ذلك.
رفض دولي لتخفيف اللهجة حيال روسيا
وأعرب مصدر غربي آخر في مجلس الأمن عن "عدم تفهمه أن يتم تبني مشروع لا يذكر روسيا بالاسم، حتى لو كان حول المساعدات الإنسانية، وخصوصاً أن روسيا هي التي بدأت الهجوم". ولفت المصدر إلى أن "تقديم المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين وعدم استهداف البنية التحتية وغيرها من الأساسيات، هي أمور ينص عليها القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي".
وتساءل المصدر الغربي: "ما الفكرة من مشروع يحفظ لروسيا ماء الوجه ولا يذكرها ويمكنها أن تدعي بعده أنها تتعاون؟"، وأشار أيضاً إلى أن الأمم المتحدة على اتصال مع الجانبين الروسي والأوكراني حول تقديم المساعدات والتنسيق مع كليهما، وهو النهج المتبع في الحروب.
وخلص المصدر إلى أن "أي قرار بلغة مخففة لا يذكر روسيا لن يضيف جديداً"، مشدداً على أنه "بالنسبة إلى عدد من الدول الغربية، فإن هدفنا هو عزل روسيا". وبحسب مصدر إضافي، يبدو أن الجانب الفرنسي بدأ يخضع للضغوط الغربية الأخرى، ولن يقدم مسودة لا تذكر روسيا بالاسم.
وفي وقت سابق من الأسبوع الحالي، لفت الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير، في تصريحات صحافية على هامش اجتماع لمجلس الأمن خُصّص لمناقشة الوضع الإنساني في أوكرانيا، الانتباه إلى عدد النازحين واللاجئين الكبير (فاق المليوني لاجئ ونازح منذ اندلاع الحرب في 24 فبراير/ شباط الماضي).
واعتبر دو ريفيير أن "الأولوية المطلقة هي الحصول على وقف فوري للأعمال العدائية لإيصال المساعدات الإنسانية"، مضيفاً أن "هذا أمر لا غنى عنه لحماية السكان المدنيين ولضمان وصول المساعدات الإنسانية"، ووضع في هذا السياق سعي بلاده مع المكسيك لصياغة مشروع قرار من أجل أن يتحرك مجلس الأمن ويضغط في اتجاه ضمان وصول المساعدات ووقف الأعمال العدائية.
لكن نظيره المكسيكي خوان رامون رمايرز قال رداً على أسئلة لـ"العربي الجديد" في نيويورك حول هدفهما من المشروع: "ما زلنا نتفاوض ونرغب أن يكون مشروع القرار إنسانياً مائة بالمائة. أعتقد أن هذا مهم جداً. وبالطبع، نحتاج إلى معرفة المزيد عما يحدث على الأرض".
ولكن حول ما إذا كان المشروع سيذكر روسيا بالاسم أم لا؟ وما المقصود بالضبط بـ"مشروع إنساني مائة بالمائة"، ردّ رمايرز بقوله: "أنا لا أعني شيئاً على وجه التحديد. هذا هو بالضبط ما تدور حوله المفاوضات. سنحاول توخي الحذر مع اللغة بحيث تكون مقبولة للجميع، ولكن في الوقت نفسه نحقق الغرض من مشروع القرار، وهو توفير كل السبل للحصول على المساعدات الإنسانية قريباً".
قرارات مجلس الأمن: ورقة دعم للأولوية الإنسانية
لكن وعلى الرغم من فتح دول الاتحاد الأوروبي حدودها أمام الأوكرانيين ورفع العمل بتأشيرات الدخول والسماح لهم بالعمل والحصول على خدمات صحية واجتماعية وغيرها، إلا أن صندوق الأمم المتحدة الخاص بمساعدة اللاجئين الأوكرانيين لم يتم تمويله إلا بقرابة ثمانية بالمائة فقط من أصل 1.4 مليار دولار تم التعهد بها.
لتحاشي الفيتو الروسي، قد تضطر فرنسا والمكسيك لعدم ذكر روسيا بالاسم في القرار، وهو ما ترفضه دول أخرى
وحول هذا الموضوع، أوضح وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هناك عدداً من المناطق التي نحاول الوصول إليها، بما فيها النصف الشرقي والجنوبي الشرقي من أوكرانيا، وطبعاً يساورنا القلق من أن تتسع الحرب غرباً. ونحاول تقديم المساعدات في كل مكان ممكن وتوجد فيه حاجة. كما أن الأدوية والطعام تنفد وعلينا إيصال الإمدادات، وللقيام بكل هذا نحتاج إلى وقف الأعمال العدائية، في الوقت الذي يشدد فيه الأمين العام (أنطونيو غوتيريس) على ضرورة إنهاء الحرب. كما نحتاج إلى ممرات آمنة لتقديم تلك المساعدات ونتفاوض مع الجميع على ذلك، ونحاول إنشاء آلية خاصة مثلما نفعل في نزاعات أخرى".
وعلى الرغم من تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يشجب العدوان الروسي على أوكرانيا ويناشد جميع الأطراف الالتزام بالقانون الدولي الإنساني ووقف الأعمال العدائية والسماح بدخول المساعدات وإنشاء ممرات آمنة، إلا أن قراراتها غير ملزمة للدول الأعضاء، كما هو الحال بالنسبة لقرارات مجلس الأمن.
وصحيح أن هناك التزامات بموجب القانون الإنساني الدولي تحتم على جميع أطراف النزاع عدم استهداف البنية التحتية المدنية والمدنيين والسماح بدخول المساعدات الإنسانية وغيرها من الاحتياجات في هذا السياق، إلا أن صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يعني أن الأخير يقف مع مساعي الأمم المتحدة الإنسانية ويدعمها، وقد تكون ورقة ضغط مهمة.
وربما يلخص تصريح للمتحدث الرسمي باسم الأمين العامة للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، لـ"العربي الجديد"، حول أهمية أن يتبنى المجلس مشروع قرار حول تقديم المساعدات الإنسانية في أوكرانيا الفكرة بقوله: "نحن نعمل الآن وننفذ عملنا الإنساني من دون قرار من مجلس الأمن. وفي الواقع، نتواصل مع الجانبين الروسي والأوكراني والدول المجاورة لتيسير عملنا. ومع ذلك، فعندما نحصل على الدعم الكامل من مجلس الأمن، وعندما يقف خلفنا (بقرار)، فإن ذلك يزيد من فعالية عملنا".
تلك الفعالية التي تواجه الكثير من التحديات، في ظلّ أخبار عن استهداف روسيا، الأربعاء، لمستشفى أطفال في مدينة ماريوبول في شرقي أوكرانيا، ما أوقع 3 قتلى على الأقل، بينهم طفلة. ولعل الأهم ما إذا كان "عزل روسيا مجدداً" في حال استخدمت الفيتو، سيأتي بأي ثمار للمدنيين داخل أوكرانيا الذين هم بأشد الحاجة لدخول المساعدات، وعلى نطاق واسع.