كشفت مصادر عراقية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، عن قيام قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني، بزيارة سرية وسريعة إلى العاصمة العراقية بغداد، أول من أمس الاثنين، وعقد اجتماعات مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وعدد من قادة الفصائل المسلحة القريبة من طهران، بهدف احتواء التصعيد الحالي بين الفصائل والقوات الأميركية بعد مقتل ثلاثة جنود أميركيين في هجوم بطائرة مسيرة على موقع عسكري بالأردن يحمل اسم "البرج 22".
وتأتي زيارة قاآني إلى بغداد في ظل هذه التطورات المتسارعة بالتزامن مع بدء الحوار بين بغداد وواشنطن بشأن إنهاء مهام التحالف الدولي في العراق وتشكيل لجنة مشتركة، فيما أعلنت "كتائب حزب الله" عن إيقاف عملياتها ضد القوات الأميركية من أجل "عدم إحراج الحكومة العراقية".
وقالت المصادر إن "قائد (فيلق القدس) في الحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني أجرى زيارة سرية إلى بغداد، أول من أمس الاثنين، واستمرت لساعات قليلة عقد خلالها اجتماعين، أحدهما مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني واستمر لأكثر من ثلاث ساعات، وأكد قاآني خلال الاجتماع أن طهران لا تريد جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات مع أميركا ولا تريد زعزعة أمن العراق واستقراره".
وأضافت أن "قاآني طلب من السوداني إيصال رسالة إلى الأميركيين بأن إيران ليست لها أي علاقة أو حتى علم بقصف البرج 22 على الحدود بين الأردن وسورية، كما أنها لا تسعى إلى اتساع دائرة الحرب في المنطقة، وأن أي هجوم عليها سوف يشعل المنطقة والعالم بأسره".
وبينت أن "قاآني وعد السوداني بالضغط على الفصائل المسلحة العراقية من أجل التهدئة وإيقاف التصعيد والعمليات ضد الأميركيين مقابل الإسراع بعملية الحوار والتفاوض معهم من أجل إنهاء مهمة التحالف الدولي وإخراج القوات الأميركية بشكل كامل من العراق وفق جدول زمني معلن".
وتابعت المصادر العراقية المطلعة قائلة إن "قاآني بعد انتهاء اجتماعه مع السوداني عقد اجتماعا آخر مع عدد من قادة الفصائل المسلحة وعلى رأسها كتائب حزب الله، وحركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وآخرين، وناقش معهم تهدئة العمليات العسكرية ضد الأميركيين وإيقافها بشكل مؤقت لحين معرفة الموقف الأميركي وجدية الانسحاب من خلال الحوار والتفاوض الذي تجريه الحكومة العراقية حاليا".
وكشفت أن "الزيارة نتج عنها إعلان كتائب حزب الله إيقاف عمليتها العسكرية ضد القوات الأميركية، كما تجاوبت فصائل أخرى لكنها لن تعلن رسميا إيقاف عملياتها كما حدث بالنسبة لكتائب حزب الله"، مؤكدة أن الزيارة دامت عدة ساعات واقتصرت على بغداد فقط، حيث غادر قاآني في مساء اليوم ذاته.
وقال الأمين العام لـكتائب حزب الله أبو حسين الحميداوي، في بيان له ليلة أمس الثلاثاء، إن "كتائب حزب الله اتخذت قرارها بدعم أهلنا المظلومين في غزة الصمود بإرادتها، ودون أي تدخل من الآخرين، بل إن إخوتنا في المحور، لا سيما في الجمهورية الإسلامية، لا يعلمون كيفية عملنا الجهادي، وكثيراً ما كانوا يعترضون على الضغط والتصعيد ضد قوات الاحتلال الأميركي في العراق وسورية، والتزاما منا بأداء تكليفنا الإنساني والعقائدي، فقد عملنا بحكمة وتدّبر ومراعاة للموازين الشرعية والأخلاقية بشكل دقيق في أشد الظروف وأقساها".
وأضاف: "إننا إذ نعلن تعليق العمليات العسكرية والأمنية على قوات الاحتلال - دفعا لإحراج الحكومة العراقية - سنبقى ندافع عن أهلنا في غزة بطرق أخرى، ونوصي مجاهدي كتائب حزب الله الأحرار الشجعان بـ الدفاع السلبي (مؤقتاً)، إن حصل أي عمل أميركي عدائي تجاههم".
إلى ذلك، قال الخبير في الشأن السياسي والأمني سيف رعد، لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أن إعلان كتائب حزب الله إيقاف عملياتها ضد الأميركيين جاء بعد ضغط إيراني وكذلك ضغط من الحكومة وأطراف سياسية، وزيارة قاآني لبغداد كانت تهدف لذلك، فإيران لا تريد اتساع دائرة الحرب حتى لا تشملها".
وبين رعد أن "إعلان كتائب حزب الله إيقاف عملياتها ضد الأميركيين، هو ليس سوى وقف عمليات جزئي وما زال قرار حركة النجباء واصحاب أهل الكهف وبعض الفصائل الأخرى قائماً، لذلك هي ليست سوى مناورة مكشوفة لتخفيف الضغط على إيران ومحاولة تهدئة الولايات المتحدة الأميركية أو حرف أنظارها عن أهداف محددة تخشى من استهدافها أو التخفيف من الهجمات المحتملة".
وأضاف أن "إعلان كتائب حزب الله إيقاف عملياتها ضد الأميركيين لن يوقف رد الإدارة الأميركية على مقتل وإصابة جنودها بالأردن أخيراً، كما أن ما حصل يؤكد ضعف موقف الحكومة العراقية في السيطرة على الفصائل، ويؤكد استمرار قوة النفوذ الإيراني، ولهذا بغداد لجأت إلى طهران من أجل تهدئة الأوضاع الأمنية في العراق بعدما أخفقت هي بذلك طيلة الأشهر الماضية".
في المقابل، قال فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في بيان له، إن "الأوضاع في المنطقة تشهد تطورات معقدة وأخطار محدقة تستلزم العمل الجاد والسعي نحو تخفيض نسبة التوتر في المنطقة"، مشددا على "وجوب توفر كل مستلزمات الدعم والإسناد من القوى الفاعلة في البلاد، مع التأكيد على أهمية دعم جميع الأطراف لجهود السوداني في منع أي تصعيد قد يطرأ".
وأضاف الشمري أن "العراق يُعد ركناً أساسياً في الساحة الإقليمية والدولية وعلى المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي، ومع ما تشهده المنطقة من تطورات متسارعة ومتغيرات مستمرة واستمرار ارتفاع مؤشر التحديات الأمنية يتطلب القيام بجهود عاجلة واتخاذ إجراءات فعالة لخفض التصعيد والمضي نحو تهدئة دائمة وإيقاف قرع طبول الحرب".
وأكد أن "الحكومة العراقية تلعب دوراً أساسياً في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الفاعلة إقليمياً ودولياً للوصول إلى حالة من السلام الدائم وإرساء قواعد اشتباك جديدة تجنب المنطقة مخاطر اندلاع حروب على جبهات متعددة، وما يترتب على ذلك من تداعيات أمنية واقتصادية تلقي بظلالها على العالم".
وشدد المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي على "ضرورة دعوة المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لتحقيق أهداف الحكومة العراقية، وتعزيز التعاون مع الحكومة وتقديم الدعم الدبلوماسي الضروري وإدامة زخم المفاوضات، ومن ثم من خلال هذا الجهد المشترك، يمكن تحقيق خفض التوتر والتحول نحو بيئة أكثر استقرارًا وأمانًا للمنطقة بأسرها، وتجنيب البلدان حروباً قد تمتد إلى الشرق الأوسط بأكمله".
واختارت فصائل "كتائب حزب الله"، و"النجباء"، و"سيد الشهداء"، والأوفياء"، و"الإمام علي"، الانضواء في جبهة واحدة، أطلقت عليها يوم 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي اسم "المقاومة الإسلامية في العراق"، وتبنت إلى غاية الآن أكثر من 140 عملية ضد الوجود الأميركي في العراق والأراضي السورية المجاورة.