كشفت مصادر ليبية متطابقة النقاب عن إقلاع طائرة تابعة لقيادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، يومي 17 و18 إبريل/نيسان الجاري، محملة بعتاد عسكري من قاعدة الخروبة شرقي البلاد، إلى مطار قاعدة مدينة الكفرة قرب الحدود مع السودان.
وأوضحت ذات المصادر، وهي شخصيات عسكرية مقربة من حفتر في شرقي وجنوبي البلاد، مسار توجه الطائرة، التي أقلعت بواقع رحلتين، يومي 17 و18 إبريل الجاري، من قاعدة الخروبة المحاذية لمعسكر حفتر في الرجمة، إلى قاعدة الجفرة، أهم قواعد حفتر وسط جنوبي البلاد، قبل أن تتوجه إلى مطار الكفرة، وتضافرت معلوماتها بأن الطائرة من طراز ليوشن IL-76TD وأنها نقلت في الرحلتين أسلحة وعتاداً عسكرياً إلى مطار الكفرة.
وأفاد أحد المصادر، وهو ضابط من الكفرة، بأن مليشيا 128 التابعة لحفتر والتي تسيطر على مطار الكفرة، أحاطت القسم العسكري من المطار بإجراءات مشددة خلال، 17 و18 إبريل، قبل أن تخفّض من وجودها بشكل كبير في كامل المنطقة بعد نقل العتاد من المطار فور وصولها.
ورغم التكتم الشديد المحيط بالرحلتين، أشار المصدر العسكري إلى أن هبوط الطائرة مرتين خلال يومين كان لافتا "فعدد المرات التي حطت فيها هذه الطائرة بهذا الطراز قليل جدا، ما جذب انتباه أغلب العاملين في المطار، خصوصا وأن المطار تطغى عليه الصبغة المدنية، وكثيراً ما أُغلقت أجواؤه حتى أمام الرحلات المدنية".
وحول ما إذا كانت حمولة الطائرة على علاقة بدعم "قوات الدعم السريع" التي تتقاتل مع الجيش السوداني، قال المصدر نفسه: "لا تتوفر معلومات مؤكدة، لكن التوقيت وظروف التشديد والتكتم المحيط بها بالطائرة ومحتواها العسكري ونقلها السريع قد تكون أفضل من يجيب عن هذا السؤال".
لكن المصدر ذاته تحدث عن إمكانية أن يكون خفض مليشيا 128 عدد أفرادها في الكفرة ومحيطها بعد نقل حمولة الطائرتين مرتبطاً بإعطاء مساحة للحركة بحرية لجماعات سودانية مسلحة تتحرك في المنطقة. وقال: "كل من في الكفرة والجنوب الشرقي يعرف أن هذه الجماعات هي الجنجويد".
وكان خبراء أمميون قد أكدوا عام 2019 وجود ارتباطات وثيقة بين آمر مليشيا 128 العقيد حسن الزادمة بالجنجويد وقادتها، وضلوعه في جلب مرتزقة للقتال في صفوف حفتر خلال حروبه الماضية.
وأمس الأربعاء، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر أن حفتر أرسل طائرة واحدة على الأقل من ليبيا إلى السودان، يوم الإثنين الماضي، تقلّ إمدادات عسكرية لـ"قوات الدعم السريع".
إلا أنّ قيادة قوات حفتر نفت، صباح اليوم الخميس، تقديم الدعم لطرف ضد الآخر في الصراع الدائر في السودان، بحسب "رويترز".
وقال المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، في بيان: "تنفي القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية نفياً قاطعاً تقديم الدعم لطرف ضد الطرف الآخر في السودان".
وأضاف المسماري أن قوات حفتر "تقوم حالياً بإجراء الاتصالات العاجلة مع الأطراف المعنية، ونحن مستعدون للقيام بدور الوساطة بين الأشقاء في السودان لوقف القتال"، على حد قوله.
وينتشر المئات من مسلحي الجنجويد، أحد مكونات "قوات الدعم السريع"، في مناطق الجنوب الشرقي الليبي، ومنها الكفرة وتازربو والسرير، وصولا إلى مناطق حوض زلة في الشمال، على خلفية حلف وارتباطات قديمة بين حفتر وحميدتي، حيث دعم الأخير مليشيات حفتر أثناء عدوانها على طرابلس بألف مقاتل، على أن يرتفع الدعم إلى 4 آلاف مقاتل، بحسب ما سربته صحيفة وول ستريت جورنال في أغسطس 2019.
ويوضح الخبير الأمني الليبي عادل عبد الكافي أن طائرة إلوشن من طراز TD لديها القدرة على شحن 40 طناً من العتاد العسكري، وقطع مسافات تصل إلى 5 آلاف كيلومتر، والهبوط في مهابط غير معبدة، مشيراً إلى أن نقل حفتر عتاداً عسكرياً لمطار الكفرة في هذا التوقيت على علاقة بما يدور في السودان.
ويوضح عبد الكافي، في حديثه لــ"العربي الجديد"، أهمية مطار الكفرة بالقول: "هو موقع مهم لإمداد قوات حميدتي بالدعم العسكري جوا لقربه من دارفور، وبراً أيضا لأمان المسافة من الكفرة إلى الحدود مع السودان، خصوصا وأنها تقع في قبضة مليشيات 128 التابعة لحفتر".
وحول ما يمكن أن تحمله الطائرة من دعم عسكري، رجح عبد الكافي أن يكون "ذخيرة، فهي الأكثر استهلاكا في مثل هذه الحروب، إضافة إلى الصواريخ الحرارية المضادة للدبابات التي سبق وأن استخدمها حفتر في حروبه وأثبتت فعاليتها في تدمير الآليات العسكرية لا سيما الدبابات. وكلاهما عتاد يسهل نقله عبر الصحراء أو من مطار الكفرة وصولاً إلى مواقع حميدتي في دارفور".
وأهمية الكفرة ومحيطها لتغذية القتال في السودان قد تجرها إلى أتونه، بحسب عبد الكافي، الذي يرى أنه "في حال تراجع حميدتي سيتخذ الكفرة ومحيطها منطلقا لشن هجماته على السودان، كما حدث في السابق عندما انطلقت مليشيات تمرد تشادية من الأراضي الليبية وصولاً إلى انجامينا لإسقاط دبي بل واغتياله".
وفي وقت يصف الصحافي الليبي والباحث في الشأن الأفريقي موسى تيهو ساي، ثبوت دعم حفتر لحميدتي بـ "التطور اللافت لمسار الأحداث في السودان"، لكنه يستدرك بالقول في حديثه لــ"العربي الجديد" إن "ارتباط حفتر بحميدتي طبيعي، فالأخير وقف معه في حروبه السابقة في ليبيا، وآن الأوان ليرد له موقفه، لكنه لن يتمكن من دعمه على المدى الطويل، وربما تكون من بين الأسباب الدافعة لأن يرسل حفتر دعما أنه مدين بأموال لحميدتي الذي أرسل له مقاتلين في أيامه الحالكة إبان عدوانه على طرابلس، ولم يف له بالتزاماته المالية".
وحول تداعيات دعم حفتر للقتال في السودان، أكد تيهو ساي أن "أحداث السودان لن تمر دون أن تؤثر في المحيط الإقليمي، ومنها ليبيا التي ستعود فيها حالة الاصطفافات السابقة إلى المربع الأول في حال استمر حفتر في دعم حميدتي، خصوصا وأن استمرار هذا الدعم يتطلب عودة ليبيا لعدم الاستقرار العسكري، ما يبرر ارتباط حفتر بأطراف خارجية، ولا ينظر إليه بالتالي كمذكٍ للاضطرابات في مناطق بعيدة".
من جانبه، يذكّر الناشط السياسي أشرف النيهوم، بعامل آخر قد يقرب المسافة بين حفتر وحميدتي ويعمل على تجديد العلاقة بينهما، ممثلا في مجموعات الفاغنر المرتبطة بكلا الرجلين، والتي تعمل على تعزيز وجودها في المنطقة.
ويلفت النيهوم، في حديثه لــ"العربي الجديد"، إلى إمكانية ارتباط الأحداث في السودان بتحرك روسي لإفشال جهود أميركية وأوروبية تهدف لــ "تطويق النفوذ الروسي في مناطق أفريقية، وتركز على ليبيا في المقام الأول لحساسية المجال الاستراتيجي للجنوب الليبي بكامل المنطقة".
وعليه، ينبه النيهوم إلى ارتدادات أخرى لأحداث السودان على ليبيا، لاسيما بعد ارتباط حفتر بها، موضحاً أن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين "لن يلزموا الصمت حيال الحراك الروسي في المنطقة وإمكانية جر حفتر لصفهم مجدداً، وهو الذي كان إلى وقت قريب ضمن مفاوضات مع أطراف عسكرية في البلاد لتشكيل قوة مشتركة تكون وجهتها الأساسية لتأمين الجنوب".
ويضيف: "الأمر سيزداد تعقيداً. فمن جانب آخر يجري الحديث منذ مدة عن بحث موسكو عن منطقة رخوة وقابلة لجرها لصراعات لتخفيف وطأة مواجهتها مع أوكرانيا، وليبيا نموذجية لمثل هذا السيناريو، خصوصاً مع تشابه حالة السيولة الأمنية بحالة السودان، وفي كل البلدين تملك موسكو وجوداً عسكرياً، وترتبط بأحلاف مع رجليها الأبرزين حفتر وحميدتي".
وأعادت الأحداث في السودان إلى الأذهان تساؤلات أثارتها أوساط ليبية الأيام الماضية حول زيارة الصديق نجل حفتر للخرطوم قبل اندلاع الاشتباكات بيومين فقط، على الرغم من أن عنوان الزيارة المعلن كان اختيار نجل حفتر رئيسا شرفيا لنادي المريخ السوداني.
وإن لم يصحب الزيارة وقتها سوى تساؤلات حول مصدر الأموال التي وعد نجل حفتر النادي بها لدعمه، وقدرت بــ 2 مليون دولار كـ"دعم أولي"، إلا أن توقيت الزيارة ولقائه حميدتي خلالها أثار شكوكا حول إمكانية ارتباطها باندلاع الصراع في السودان.
ويرى الكاتب والباحث السياسي، عبد الله الكبير، أن ظهور ابن حفتر في السودان وتنصيبه رئيسا شرفيا لنادي رياضي يتعلقان بتغطية أهداف سياسية وعسكرية لمشروع حفتر، حيث يمكن الاستفادة من الرئاسة الشرفية للنادي في إنجاز تلك الأهداف دون إثارة شبهات، لاسيما وأن نجل حفتر لم يسبق له تولي أي مسؤوليات أو نشاطات عسكرية بخلاف إخوته الأخيرين.
كما يلفت الكبير في حديثه لــ "العربي الجديد" إلى وجود علاقة بين الأحداث في السودان ومجموعات فاغنر، التي صنفتها الإدارة الأميركية منظمة إجرامية عابرة للحدود، وعليه فإن تعامل حفتر معها سيضعه تحت طائلة المسؤولية القانونية كونه يحمل الجنسية الأميركية.
كما يلفت الكبير إلى أسباب أخرى قد تثير شكوكا حول تلك الزيارة، ومنها وجود مدير مكتب حفتر، اللواء خيري التميمي، مرافقا لنجل حفتر خلال الزيارة ولقائهما حميدتي، متسائلا "هل اندلاع الاشتباكات بعد الزيارة بيومين مجرد صدفة؟".
كل ذلك مؤشرات تفيد بأن حفتر "يصطف الى جانب حميدتي"، وفق قراءة الكبير، لكنه يلفت إلى تداعيات اصطفاف حفتر إلى جانب حميدتي في علاقته بحلفائه الإقليميين، وتحديداً مصر، ثم يضيف: "سيكون حفتر في مواجهة القاهرة التي تدعم البرهان، ولكن علينا أن ننتظر ما إذا كان حفتر سوف يصر على الصدام مع القاهرة التي تعد أهم حليف له، أم سيتراجع ويتخذ موقف الحياد على أقل تقدير، فالحرب لا تزال في بدايتها، والاصطفافات في طور التشكّل".