يذهب البعض إلى تنظيرات عن أن أوروبا ذاهبة إلى مرحلة الفاشية والنازية المشابهة لثلاثينيات القرن الماضي. ويتسلح هؤلاء بتقدم حزب "إخوة إيطاليا"، المتهم بميوله الفاشية، بزعامة جورجيا ميلوني.
الأمور ليست بهذا التبسيط. فوضع القارة العجوز، وتركيبتها السياسية والحزبية والاجتماعية، ليسا كما كانا عليه قبل 100 سنة. والخلط بين ميول شعبوية احتجاجية ورغبة متخيلة عن أن الشوارع الأوروبية والقوى الأخرى مستعدة للتخلي عن ديمقراطيتها وحرياتها، بل رفاهيتها وتطورها، لمصلحة نماذج "الحكم المطلق"، كلها، وغيرها كثير، تقف في طريق المراهنين، محلياً وخارجياً، على العودة إلى شبح الماضي.
عموماً، من الواضح في تجارب معسكر التطرف، أنه بالفعل يبقى تحت سقف نسبة تحوم حول 20 في المائة من أصوات المشاركين في الانتخابات. والتجربة الدنماركية، منذ عام 1995، تؤشر إلى "صعود صاروخي" لمعسكر شعبوي، ثم أفول النجم بعد انخراطه في العملية التشريعية.
وجربت النمسا مع المستشار الأسبق يورغ هايدر (قُتل بحادث سيارة في 2008)، الذي ضبط في عام 2000 يمجد النازية فأجبر على الاستقالة. الآن تبدو ميلوني نجما يسطع في سماء السياسة في روما، ببضعة ملايين من الأصوات، إذ لا يمكن إغفال أن الأغلبية، بنسبة تفوق الـ50 في المائة، لم تصوّت لها.
ومثل غيرها، ستذهب تجربة التطرف الإيطالي إلى "محرقة الحكم"، بعد أن بنى شعبيته على تسويق عاطفي واحتجاجي على الهامش، إذ سيكتشف الشعب الفارق بين الشعارات والتطبيق.
وفي ظل الكثير من الوقائع التي تفسر الصعود الاحتجاجي لليمين المتشدد، ثمة ما هو لافت في علاقة هذا المعسكر بروسيا، التي يعيش معسكر تشددها القومي على مشاعر استعادة "روسيا القيصرية/العظمى". وعلاقة الطرفين ليست متخيلة ولا نظرية، بل يعترف بها حتى مشاركو ميلوني في روما، سلفيو بيرلوسكوني وماتيو سالفيني.
على المستوى الخارجي فإنه من المدهش تسويق الكرملين وبعض متحدثيه، بمن فيهم بلغة الضاد، أن روسيا تحارب في أوكرانيا الفاشية والنازية، بينما في الوقت نفسه يبدي الكرملين إعجاباً باليمين المتشدد والشعبوي في الغرب، بل ويتمنون عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
على كل، في سياق أوروبي أوسع لا تعيش أنظمة الحكم، مهما كان لونها، في جزر معزولة، بل ضمن منظومة من القيم والمبادئ التي يُعبر عنها في مؤسسات أوروبية متعددة، وأهمها البرلمان الأوروبي. وذلك بعض مما سيعترض طريق فرض نظام حكم يخرج عن السياق المشترك، إن في روما أو غيرها.