تصدى الأهالي في جزيرة الوراق النيلية المصرية لأحدث الحملات الأمنية، التي استمرت لثلاثة أيام، بداية الأسبوع الحالي، وتخللتها مواجهات بين مئات من السكان والقوات المقتحمة للجزيرة بالمدرعات، بغرض إخلائها من السكان تنفيذاً للمخططات الحكومية.
خيارات الحكومة المصرية في جزيرة الوراق
وأفاد مصدر حكومي مطلع، في وزارة التنمية المحلية، بأن الحكومة تدرس بعض السيناريوهات في جزيرة الوراق للاستقرار على إحداها، خصوصاً مع رفض مجموعة من الأهالي الخروج من الجزيرة على مدى خمس سنوات، وعدم قبولهم بأي من الحلول التي تطرحها الحكومة لتعويضهم.
وأضاف أن أول هذه السيناريوهات هو تعليق اقتحام الجزيرة لفترة من الوقت إلى حين استقرار الأوضاع، وإتاحة الفرصة مجدداً للتفاوض مع الأهالي بشأن الخروج من الجزيرة، وهو الاقتراح الأقرب إلى التنفيذ ارتباطاً بالمعطيات الراهنة.
وقال المصدر، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إن السيناريو الثاني هو معاودة اقتحام الجزيرة بقوات أمنية أكبر عدداً في محاولة لإنهاء الأزمة سريعاً، إلا أن هذا المسار اعترض عليه بعض المسؤولين في الحكومة، ومنهم وزير الإسكان والمرافق عاصم الجزار، لأنه قد يخلّف ضحايا أو مصابين في صفوف الأهالي أو الشرطة، ومن ثم تعقيد الأزمة لا حلها.
من جهته، قال أحد أعضاء مجلس النواب عن دائرة الوراق، لـ"العربي الجديد"، إن المشكلة تتمثل في استحواذ الدولة على الأراضي "السهلة" في الجزيرة، والتي أبدى أصحابها مرونة في التنازل عنها مقابل الحصول على مبلغ التعويض الذي حددته الحكومة، أو على وحدة سكنية مؤثثة في مدينة العبور أو حدائق أكتوبر، ويتبقّى في الجزيرة حالياً الأهالي الذين يتخذون موقفاً مبدئياً برفض الخروج منها تحت أي مغريات، ارتباطاً بعملهم في الزراعة أو الصيد، وانقطاع مصدر رزقهم في حال انتقالهم إلى مدن نائية بعيدة.
البرلمان ينأى بنفسه عن أزمة جزيرة الوراق، أو أن يكون طرفاً منحازاً فيها سواء للحكومة أو الأهالي
وأضاف النائب، الذي تحفّظ على ذكر اسمه، أن البرلمان ينأى بنفسه عن أزمة جزيرة الوراق، أو أن يكون طرفاً منحازاً فيها سواء للحكومة أو الأهالي، مبرراً ذلك بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي مهتم بشكل شخصي بمسألة إخلاء الجزيرة، ويعتبر أن لديه موقفاً عند الأهالي بسبب تصديهم المستمر لمحاولات إخلائها منذ عام 2017، وبالتالي فإن أي موقف من النواب لإعلان التضامن مع الأهالي "سيفسر على أنه تحدٍ لإرادة رئيس البلاد"، على حد تعبيره.
وتابع قائلاً: "الحكومة وعدت بالفعل مجموعة من المستثمرين الإماراتيين بتولي ملف تطوير الجزيرة بعد إخلائها من السكان، بالتعاون مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لوزارة الإسكان والمرافق، وهو أمر ليس خافياً على أحد، كما أنها استغلت الأراضي التي تم إخلاؤها في وضع أساسات نحو 40 برجاً سكنياً فاخراً ضمن مخطط التطوير".
واستبعد النائب إمكانية إخلاء جزيرة الوراق من السكان في وقت قريب، نظراً لتصدي الأهالي المستمر للحملات الأمنية على الجزيرة. ورأى أن "استخدام القوة مع الأهالي لن يجدي نفعاً، ويجب على الحكومة اتّباع سياسة النفس الطويل مع سكان الجزيرة، والتفاوض معهم على طاولة واحدة إذا كانت ترغب في إنهاء الموضوع بطريقة سلمية، وبوساطة برلمانية في حالة توافق الطرفين على ذلك".
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت العديد من فيديوهات الاستغاثة للأهالي في جزيرة الوراق، والتي وجهوا فيها انتقادات حادة للمسؤولين في الدولة، بسبب المحاولات المستمرة من السلطات لإجبارهم على إخلاء مساكنهم وأراضيهم قسراً. وحظر الدستور المصري، في المادة رقم 63 منه، التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله. وأكدت المادة أن مخالفة ذلك "جريمة لا تسقط بالتقادم".
ولطالما عُدت جزيرة الوراق محط أنظار المستثمرين الخليجيين، بسبب موقعها الفريد على النيل بالقرب من جزيرة الزمالك في قلب القاهرة، وهو ما أكدته الحكومة نفسها في بيان رسمي هذا الشهر، أعلنت فيه استحواذها على 71 في المائة من مساحتها، إذ قالت إن "مخطط تطوير الجزيرة يستند إلى موقعها المتميز، باعتبارها منطقة واعدة تجذب العديد من المستثمرين في الداخل والخارج، بما يحقق تحسين جودة الحياة لقاطني الجزيرة مستقبلاً".
إفراج عن معتقلين من أهالي الوراق
وأفرجت أجهزة الأمن مساء الثلاثاء عن 23 من أهالي الوراق، بعد توقيفهم في المواجهات التي اندلعت أخيراً بين سكان الجزيرة وقوات الجيش والشرطة. ويحاول أهالي جزيرة الوراق الحفاظ عليها، مرة بالطرق الاحتجاجية وأخرى بالطرق القضائية، لا سيما أن أراضيها الزراعية تمتاز بالخصوبة، وتنتج أجود المحاصيل.
غير أن الحكومة تواصل الضغوط على الجزيرة، منذ اقتحامها لأول مرة بقوات أمنية كبيرة في يوليو/تموز 2017، على غرار اعتقال الأهالي، وإصدار أحكام قضائية قاسية على البعض منهم، إضافة إلى هدم المستشفى الوحيد الذي يخدم المنطقة، وكذلك مكتب البريد والوحدة البيطرية، وغيرها من الأماكن التي تقدم الخدمات للمواطنين لدفعهم إلى الرحيل.
أفرجت أجهزة الأمن مساء الثلاثاء عن 23 من أهالي الوراق، بعد توقيفهم في المواجهات التي اندلعت أخيراً بين سكان الجزيرة وقوات الجيش والشرطة
ويطالب أهالي الجزيرة بالإفراج عن المحبوسين وإسقاط الأحكام القضائية ضد 35 من أبنائها، فضلاً عن رفع الحصار واللجان الأمنية الدائمة عن المعديات التي تربط الجزيرة بمحافظتيَ القاهرة والقليوبية، وتجهيز مستشفى بشكل عاجل للحالات الحرجة وللأطفال والإسعافات الأولية، بديلاً عن المستشفى الذي هُدم أخيراً.
ورصدت الحكومة 7 مليارات جنيه (365 مليون دولار تقريباً)، لتعويض نحو 200 ألف مواطن يعيشون على أراضي جزيرة الوراق، بواقع 6.5 مليارات جنيه لتعويض ملاك الأراضي الزراعية المملوكة والمستأجرة، و141 مليون جنيه لتعويض ملاك الوحدات السكنية القائمة، و353 مليون جنيه لتعويض ملاك المباني السكنية عن قيمة الأرض من دون البناء. وهي في حقيقة الأمر تعويضات هزيلة، لا تتناسب مع القيمة الحقيقية للأراضي في الجزيرة.
ويتضمن مخطط الحكومة المصرية لتطوير الجزيرة تقسيمها إلى 22 منطقة، من بينها 6 مناطق استثمارية، ومنطقتان استثماريتان متميزتان (أبراج)، ومنطقة مولات تجارية، ومنطقة إسكان متميّز، وحديقة مركزية، ومناطق خضراء مفتوحة، و2 مارينا يخوت، وكورنيش سياحي، ومنطقة إسكان استثماري، وطريق ومسارات مشاة، بحجم إيرادات متوقعة من مشروع التطوير يصل إلى 122 مليار جنيه، وفق تقديرات هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.