تشهد أروقة حزب "مستقبل وطن"، الحائز على الأغلبية في البرلمان المصري بغرفتيه (النواب والشيوخ)، أزمة مكتومة بسبب الاتهامات التي تلاحق بعض النواب بشأن الاتجار في المخدرات والآثار، ومحاولات احتوائها بعيداً عن أجهزة النيابة والقضاء، بعد أن وصل صداها إلى وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة.
وقالت مصادر حزبية وبرلمانية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن رئيس مجلس النواب، حنفي جبالي، اجتمع مع عدد من قيادات حزب الأغلبية في المجلس أخيراً وطالبهم بإبعاد مجموعة من النواب الذين تحيط بهم الشبهات عن المشهد النيابي، وعدم ظهورهم في وسائل الإعلام نهائياً، وذلك لحين انتهاء الفصل التشريعي الحالي (2020 ـ 2025).
ووفقاً للمصادر، اشترط جبالي عدم تقدم أي من هؤلاء النواب بأسئلة أو طلبات إحاطة أو بيانات عاجلة ضد الحكومة ووزرائها، أو إثارة الأزمات في الجلسات العامة للبرلمان أو لجانه النوعية، فضلاً عن عدم ترشحهم لعضوية المجلس في الانتخابات المقبلة، في مقابل استمرار تمتعهم بالحصانة في ما تبقى من الفصل التشريعي.
نواب متهمون بالاتجار بالآثار
وأفادت المصادر بأن خمسة من أعضاء مجلس النواب عن حزب "مستقبل وطن" وردت أسماؤهم في بلاغات وتحقيقات متعلقة بالاتجار في المخدرات والآثار، ومن بينهم النائب عن دائرة حلوان في القاهرة، عيد حماد، الذي قدم أخيراً اعتذاراً مكتوباً إلى وزير الداخلية، اللواء محمود توفيق، عما بدر منه بشأن التعدي على كمين أمني في مدينة 15 مايو، شرقي حلوان، بسبب ضبط سائقه الشخصي وبحوزته كمية كبيرة من مخدر الحشيش وبعض الأسلحة النارية.
وأوضحت المصادر نفسها أن من هؤلاء النواب رئيس لجنة النقل والمواصلات في البرلمان، النائب عن دائرة الصف في الجيزة علاء عابد، الذي أبعد عن رئاسة لجنة حقوق الإنسان التي شغلها في الفصل التشريعي السابق.
وأُثيرت شبهات بشأن تأديته دور "السمسار" في الانتخابات الماضية، وحصوله على مليوني جنيه (نحو 81 ألف دولار) من كل مرشح زُكّيَ اسمه لخوض الانتخابات على قوائم حزب "مستقبل وطن"، بالإضافة إلى عشرين مليوناً (نحو 814 ألف دولار) أخرى يحصل عليها الحزب.
وردت أسماء خمسة نواب في بلاغات متعلقة بالاتجار بالآثار
وعابد زوج الإعلامية المعروفة بسمة وهبة، وضابط شرطة متقاعد سبق اتهامه في قضايا تعذيب، والاستيلاء على مضبوطات آثار وقت أن كان رئيساً لوحدة المباحث في قسم الأهرام بالجيزة.
وهو ممنوع من الظهور في وسائل الإعلام منذ نحو عامين، بحسب تعليمات صادرة من شركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" على خلفية ورود اسمه في بلاغات تتعلق بالاتجار في الآثار بمركزي الصف وأطفيح بالجيزة.
واتهمت النائبة السابقة في مجلس النواب، دينا عبد العزيز، حماد في بلاغ رسمي، بتاريخ 27 أكتوبر/تشرين الأول 2020، بـ"الاعتداء عليها بالضرب والسحل، وسرقة هاتفها المحمول، أثناء مشاركتها في تعليق بعض اللافتات الدعائية الخاصة بها". وأكدت في بلاغها أن "أحد أشهر تجار المخدرات في مناطق جنوبي القاهرة ترشح عن حزب مستقبل وطن في البرلمان".
وكان رئيس مجلس النواب السابق، النائب الحالي علي عبد العال، قد قال للنائب السابق عن حزب الأغلبية، سيد عبد الوهاب: "خليك في تجارة الآثار عندك في محافظة المنيا"، بسبب تسجيل رفضه تمرير اتفاقية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية عام 2017. وهو ما أثار ردود فعل واسعة آنذاك بشأن معرفة رئيس البرلمان أنشطة بعض النواب غير المشروعة، والكشف عنها فقط عند معارضة أي منهم قرارات السلطة الحاكمة.
رفض طلبات رفع الحصانة لنواب متهمين
ومنذ عام 2016، رفض مجلس النواب السابق والحالي عشرات طلبات رفع الحصانة المقدمة من النائب العام ضد أعضاء المجلس، من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم في قضايا متهمين فيها بـ"السب والقذف والتزوير والنصب والاحتيال والاتجار في الآثار"، بحجة كيدية البلاغات المقدمة ضدهم في هذه القضايا.
وفي إبريل/نيسان الماضي، عاقبت محكمة جنايات القاهرة 16 متهماً بالسجن المشدد مدة 5 سنوات، يتصدرهم رجل الأعمال حسن راتب، و5 آخرين بالسجن مدة 10 سنوات، أبرزهم النائب البرلماني السابق علاء حسانين، مع توقيع غرامة مالية مقدارها مليون جنيه (نحو 40 ألف دولار) على كل منهم، على أثر إدانتهم بالاتجار في الآثار، وتمويل عمليات التنقيب عنها في منطقة مصر القديمة بالقاهرة، وحيازة كمية كبيرة من الآثار التي تعود إلى عصور مختلفة، تمهيداً لبيعها وتهريبها خارج البلاد.
رفض مجلس النواب رفع الحصانة عن نواب متهمين بأعمال غير مشروعة
وأصبح شائعاً سعي رجال أعمال متورطين في أنشطة غير مشروعة إلى عضوية البرلمان، وانضمامهم إلى حزب موال مقابل سداد ملايين الجنيهات، بغرض التمتع بالحصانة النيابية في مواجهة المساءلة القانونية.
وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت أواخر عام 2020، تورط الكثير من مرشحي حزب "مستقبل وطن"، المدعوم من النظام، في انتهاكات صارخة، تشمل الاعتداء على المرشحين المنافسين، والتورط في عمليات شراء واسعة لأصوات الناخبين، في مقابل مبالغ مالية وصلت إلى 500 جنيه (نحو 20 دولاراً) للصوت الواحد، وهو ما وثقته عشرات من مقاطع الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر.
وقال برلماني سابق، رفض ذكر اسمه، إن "معظم من نجحوا في الوصول إلى عضوية البرلمان في مصر، نجحوا بفضل الأجهزة الأمنية التي اختارتهم وحصلت منهم على أموال في مقابل إدراجهم على القوائم، وهذا ليس سراً، وبالتالي فإن الفساد داخل المجلس يأتي من أعلى وقبل حصول النائب على العضوية، ولذلك، فإنه من الطبيعي أن نسمع عن نواب يتاجرون في المخدرات والآثار من وقت لآخر".
وأضاف أنه "في الأغلب، عندما يُتهم نائب بجريمة مثل هذه، وتُفضح في وسائل الإعلام، فهذا يكون نتيجة خلاف بين المسؤولين في الأجهزة والنواب الذين يتعاملون معهم، وهذا حدث أكثر من مرة في السابق".