مرّ أكثر من شهر على المهلة الزمنية المقدرة بأربعة أشهر، وفق الاتفاق بين مصر وإثيوبيا، من أجل صياغة اتفاق حول ملء وتشغيل سدّ النهضة الذي تبنيه أديس أبابا، وتخشى القاهرة من تأثيره سلباً على حصتها المائية، ولم يتم إحراز أي تقدم في هذا الصدد. وقال مصدر دبلوماسي مصري، إن دولة الإمارات، التي ترعى وساطة فنية بشأن أزمة السد بين مصر وإثيوبيا والسودان، "قدمت أخيراً تعهدات إلى القاهرة، بأنها ستقنع أديس أبابا بالشروع في مفاوضات السد قريباً، من أجل الوفاء بالتعهدات التي جاءت في القمة الثنائية بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد الشهر الماضي".
وكان السيسي وأبي، قد اتفقا في 17 يوليو/تموز الماضي، على الانتهاء خلال 4 أشهر، من صياغة اتفاق حول ملء وتشغيل سدّ النهضة، والشروع في مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء السد وقواعد تشغيله.
تطمينات إماراتية حول السد
وقال المصدر المصري، إن القاهرة "أثارت هذا الملف مع المسؤولين في دولة الإمارات، على هامش المفاوضات التي جرت أخيراً بشأن الحصول على قرض بقيمة 500 مليون دولار، لتمويل عمليات شراء القمح، وهو الاتفاق الذي تم التوصل إليه أخيراً على أن يتم التنفيذ عبر توريد شركة (الظاهرة) الإماراتية، للاحتياجات المصرية من القمح، سواء عبر الأراضي الزراعية المملوكة لها في منطقة توشكى، أو من الخارج".
تلقت مصر تطمينات بأن أبي أحمد لن يتراجع عن تعهداته
وبحسب المصدر المصري، فإن القاهرة "تلقت أخيراً رداً من الإمارات، عقب اللقاء الذي جمع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، ورئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد، في أديس أبابا السبت الماضي، بأن الأخير ليست لديه نية للتراجع عن تعهداته بشأن استكمال المفاوضات والتوصل إلى اتفاق خاص بعملية الملء، لكنه أرجع التأخر في انطلاق تلك المفاوضات، إلى المستجدات الأمنية التي تمر بها بلاده أخيراً، وإعلان حال الطوارئ، في أعقاب الاشتباكات التي اندلعت في إقليم أمهرة بين قوات الجيش الوطني ومليشيات فانو".
وأوضح المصدر أن "المسؤولين في مصر تلقوا من الجانب الإماراتي، إشارات بشأن إمكانية انطلاق المفاوضات منتصف سبتمبر/أيلول المقبل"، لافتاً إلى أن أبوظبي "عرضت استقبال الجلسة الأولى من المفاوضات، والتي من المقرر أن تكون على مستوى وزراء الري والخارجية في البلدان الثلاثة"، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن "هناك مخاوف من أن تتسبب الأوضاع في السودان في تأجيل جديد".
وحول "الوساطة الإماراتية" في ملف سد النهضة على مدار السنوات الماضية، قال وزير الموارد المائية والري المصري السابق، محمد نصر الدين علام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "دولة الإمارات، دخلت في وساطات لسنوات طويلة، ولكن دون فائدة حقيقية، إلا لصالح الطرف الإثيوبي".
من جهتها، رأت خبيرة النزاعات المائية المصرية، هالة عصام الدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الأنباء عن تقدم الوساطة الإماراتية جيدة، ولكن لا أفهم لماذا تريد الدول أن تستثمر فقط في إثيوبيا وتترك باقي دول حوض النيل؟". وأضافت عصام الدين أن "ملء سد النهضة يجب أن يكون فقط لسد حاجات إثيوبيا واستثماراتها (المعقولة)، بحيث لا يشكل ضرراً على دول حوض النيل، وإلا فسيحدث خلل في مشاريعهم المائية".
بدورها، قالت الخبيرة في الشؤون الأفريقية، نجلاء مرعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المبادرة الإماراتية حسنة النية وجيدة، لكن الأمر دائماً يتوقف على الموقف الإثيوبي". وأضافت: "أخيراً تحدث أبي أحمد بأن نهر النيل للجميع ومشترك، وقبلها كان يتكلم وكأنه (النهر) بحيرة إثيوبية". وأعربت عن أملها بأن "يتم الإعلان عن الاتفاق قريباً أو يتم نشره من أجل التعاون والانتفاع المتبادل في هذا الملف".
وأشارت مرعي إلى أن "الوساطة لا تتوقف لأن الخلاف في ملف سد النهضة مرتبط في الأساس في عدم توافر الإرادة السياسية لدى إثيوبيا لحل هذه الأزمة". وأوضحت أن "مصر تفاوضت 12 عاماً حتى الآن دون نتائج أو جدوى، كما أنها قدمت عدداً من المبادرات لحل الأزمة، لكن دائماً نصطدم بعدم توافر إرادة إثيوبية وموقف ثابت لتوقيع اتفاق يراعي كل الأطراف ويراعي الحقوق المصرية التاريخية المكتسبة".
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي قد تعهد خلال لقائه بالسيسي في القاهرة بـ"عدم الإضرار بدولتي المصب (مصر والسودان)"، لكن تلك التعهدات سبق وكرّرها أبي أحمد أكثر من مرة دون إبداء أي بوادر حسن نية.
المسؤولون في مصر تلقوا من الجانب الإماراتي إشارات بشأن إمكانية انطلاق المفاوضات منتصف سبتمبر
سد النهضة في محادثات بن زايد وأبي
وخلال زيارته إلى أديس أبابا، أثار الشيخ محمد بن زايد ملف أزمة سد النهضة، خلال المحادثات الثنائية. وذكر بيان رسمي أن بن زايد رحّب بـ"الخطوة الإيجابية الخاصة بالاتفاق بين مصر وإثيوبيا أخيراً على انطلاق مفاوضات للتوصل إلى تسوية بشأن ملف سد النهضة"، معرباً عن "تمنياته أن تصل هذه المفاوضات إلى حل مرضٍ لجميع الأطراف وبما يعزز التعاون في ما بينها، ويدعم الاستقرار في المنطقة"، وفقاً للبيان.
في غضون ذلك، أكد وزير الري المصري هاني سويلم على "التنسيق الجاري بين مصر والإمارات بشأن الاستمرار في وضع ملف المياه على رأس أجندة المناخ العالمية"، لافتاً على هامش مشاركته في "الأسبوع العالمي للمياه" في العاصمة السويدية استوكهولم، إلى "التباحث حول الإجراءات الجارية لعقد مؤتمر المناخ المقبل كوب 28 في الإمارات العام المقبل".
إلى ذلك، قال أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "يمكن للإمارات أن تلعب دوراً كبيراً في قضية سد النهضة، لما لها من استثمارات كبيرة وعلاقات قوية مع أطراف القضية". وأضاف أنه "في زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلى أديس أبابا، منذ أيام، رحب بالاتفاق بين مصر وإثيوبيا في يوليو/تموز الماضي على استئناف مفاوضات سد النهضة، معرباً عن تمنياته أن تصل هذه المفاوضات إلى اتفاق يحقق مصالح الدول الثلاث بما يعزز التعاون في ما بينها، ويدعم الاستقرار في المنطقة". لكن شراقي اعتبر أن ذلك جاء دون تحديد أي دور للإمارات في المرحلة الحالية، مثل رعايتها للمفاوضات كما كان متوقعاً، لافتاً إلى أن التصريحات الإماراتية عن سد النهضة "لم تخرج عن الإطار الدبلوماسي المعتاد في مثل هذه الزيارات".
فنياً، قال شراقي إن "إجمالي المياه المخزنة خلف السد حتى الآن، تقدر بنحو 31 مليار متر مكعب". وأضاف أن "إجمالي ما تسعى أديس أبابا إلى تخزينه خلال الملء الرابع، يقدر بنحو 41 مليار متر مكعب"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن "الملء الرابع من المقرر أن ينتهي خلال أسبوعين على أقصى تقدير".
وأوضح شراقي أن "الأمطار خلال الموسم الحالي حول معدلها الطبيعي في حوض النيل الأزرق"، مشيراً إلى أن مصر "أنفقت مليارات الجنيهات خلال الفترة الماضية، لتفادي التأثيرات السلبية للسد".