مصر تلجأ إلى الاتحاد الأفريقي لحل أزمة منابع النيل

25 يوليو 2024
مزارعون مصريون على ضفاف النيل بالجيزة، 1 ديسمبر 2019 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **أزمة منابع النيل وتصديق جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي**: ناقش وزير الخارجية المصري مع مفوض الاتحاد الأفريقي أزمة منابع النيل بعد تصديق جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي، التي تثير قلق مصر والسودان بشأن حصتيهما التاريخية من مياه النيل.

- **تداعيات اتفاقية عنتيبي على مصر والسودان**: الاتفاقية تتيح لدول المنبع إقامة مشاريع دون موافقة مصر، مما يعيد الخلافات حول الحقوق المائية. الخبيرة نجلاء مرعي أشارت إلى ضغوط إقليمية ودولية، مؤكدة الحاجة لاعتماد الاتفاقية دولياً.

- **مخالفة اتفاقية عنتيبي للقوانين الدولية**: أستاذ القانون الدولي محمد محمود مهران حذر من خطورة الاتفاقية على الأمن المائي لمصر والسودان، مؤكداً تعارضها مع مبادئ القانون الدولي والاتفاقيات التاريخية، ودعا إلى حوار شامل لحل الخلافات.

ناقش وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع مفوض الشؤون السياسية والسلم والأمن في الاتحاد الأفريقي بانكولي أديوي، الأحد الماضي، أزمة منابع النيل التي طفت على السطح خلال الأيام القليلة الماضية، بعد تصديق جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي (الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل)، التي تخشى كل من مصر والسودان من أن تؤثر على حصتيهما من مياه النيل. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد إن اللقاء الذي انعقد على هامش فعاليات الدورة السادسة لاجتماع القمة التنسيقية للاتحاد الأفريقي والذي تستضيفه العاصمة الغانية أكرا، شهد "مناقشة ملف البحيرات العظمى، وسد النهضة، والتحديات الأمنية في البحر الأحمر، بالإضافة إلى مستجدات الأوضاع في دول القرن الأفريقي".

تضمن اتفاقيات 1902 و1929 و1959 لمصر حصة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً من مياه النيل

وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول مصري كبير عن أزمة البحيرات العظمى بعد إعلان جوبا التصديق على اتفاقية عنتيبي، حيث التزمت الحكومة المصرية الصمت خلال الأيام الماضية تجاه خطوة جنوب السودان الذي يرتبط مع مصر بعلاقات جيدة.

أزمة منابع النيل تقلق مصر

وتعكس مباحثات عبد العاطي مع أديوي حول أزمة منابع النيل قلقاً مصرياً عميقاً من دخول الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل والمعروفة باسم اتفاقية عنتيبي (التي لا تعترف بحصة مصر من مياه النيل والمقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً)، حيز التنفيذ، بعد تصديق حكومة جنوب السودان عليها قبل أيام، وهو التصديق الذي من المفترض أن يكمل النصاب القانوني لتأسيس مفوضية حوض نهر النيل (صادقت قبل ذلك كل من إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبوروندي على الاتفاقية)، حيث سيتم البدء بإجراءات تأسيس المفوضية بعد 60 يوماً من إيداع جمهورية جنوب السودان وثائق التصديق لدى الاتحاد الأفريقي.

وتتيح اتفاقية عنتيبي للدول الواقعة عند منبع النهر إقامة مشاريع للري والطاقة الكهربائية من دون الحصول على موافقة مسبقة من مصر. وكان محور الخلاف بين مصر وهذه الدول هو أن الاتفاقية القديمة المبرمة في 1929 بين القاهرة والمستعمر البريطاني منحت مصر حق الاعتراض على إقامة مشاريع تبنى على النيل خارج أراضيها. كما تمنح اتفاقية أخرى موقعة بين مصر والسودان في 1959 نحو 55.5 مليار متر مكعب من المياه كل سنة لمصر، والسودان 18.5 مليار متر مكعب.

وقالت الخبيرة المصرية في الشؤون الأفريقية نجلاء مرعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تصديق دولة جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي قبل أيام، يأتي في إطار الضغوط الإقليمية والدولية التي تستهدف التأثير على حصة مصر المائية، ودخول الاتفاقية حيز النفاذ يشكل قلقاً فعلياً بالنسبة لمصر، لأن هذه الاتفاقية لا تعترف أصلاً بالحقوق التاريخية والمكتسبة لمصر والسودان من مياه نهر النيل". وأضافت أن "الخطوة تفتح الباب أمام تقسيم المياه بين دول حوض النيل وفقاً لمبدأ الإنصاف حسب مساهمة كل منها، ولا تعترف بالحقوق التاريخية لها، ولكن هذا لا يعطي الاتفاقية الشرعية القانونية المطلوبة والمتفق عليها، بمعنى أن دول المنبع تعلم أن مصادقة جنوب السودان لا تعطيها الحق في اتخاذ قرارات من دون الرجوع إلى دولة المصب، لأن هناك قوانين دولية خاصة بإدارة المجاري المائية الدولية، ولذلك فإن اتفاقية عنتيبي لا تعني أن دول المنبع لها الحق في فرض أي قرارات أو إجراءات تضر بمصر والسودان".

وأشارت الخبيرة في الشؤون الأفريقية إلى أنه يجب أن "يتم إيداع الاتفاقية في منظمة الاتحاد الأفريقي، ومؤسسات خاصة بالمياه ومعنية بقوانين المياه مثل البنك الدولي، لكي يتم اعتمادها رسمياً، وغير ذلك تبقى الاتفاقية مجرد توافق بين دول بعينها". وتابعت بشأن أزمة منابع النيل أنه "بناء على ذلك، فإن هناك معركة قانونية وسياسية طويلة جداً تنتظر دول المنبع لكي تصبح الاتفاقية معترفاً بها، ومن وجهة نظري هذه القضية غير مجدية لأنه لا يوجد توافق حولها، حتى الاتحاد الأفريقي أعتقد أنه سيرفض أن يكون هناك شرخ بين الدول نتيجة هذه الاتفاقية أو دخولها حيز التنفيذ".

مخالفة للقوانين الدولية

من جهته، حذّر أستاذ القانون الدولي والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، الدكتور محمد محمود مهران، من خطورة اتفاقية عنتيبي على الأمن المائي لمصر والسودان، مؤكداً أنها تتعارض مع مبادئ القانون الدولي والاتفاقيات التاريخية الخاصة بنهر النيل.

محمد محمود مهران: اتفاقية عنتيبي لا تكتسب الشرعية القانونية المطلوبة لمجرد مصادقة ست دول عليها

وأوضح مهران في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "مصادقة جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي تمثل تطوراً خطيراً في أزمة منابع النيل والصراع على مياه النيل"، معتبراً أن هذه الخطوة "تعيد الاتفاقية المثيرة للجدل إلى الواجهة من جديد، وتهدد بتقويض الحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل". وأكد أن اتفاقية عنتيبي "تتعارض مع مبادئ القانون الدولي للمياه، خصوصاً مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول للموارد المائية المشترك"، مضيفاً أن هذه الاتفاقية "تمنح دول المنبع حق إقامة المشاريع دون الرجوع لدول المصب أو التوافق معها، وهو ما يخالف القوانين الدولية التي تنظم الانتفاع بالأنهار والمجاري المائية المشتركة بين الدول".

وشدد مهران على "أهمية الحقوق المكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل"، مشيراً إلى أن هذه الحقوق "مضمونة بموجب اتفاقيات 1902 و1929 و1959". وأوضح أن "هذه الاتفاقيات التاريخية تضمن لمصر حصة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وللسودان 18.5 مليار متر مكعب، وهي حقوق لا يمكن التنازل عنها أو تجاهلها". وبيّن أن اتفاقية عنتيبي "لا تكتسب الشرعية القانونية المطلوبة لمجرد مصادقة ست دول عليها"، مشدداً على أن القانون الدولي "يؤكد ضرورة التوافق بين جميع الدول المتشاطئة في إدارة الموارد المائية المشتركة، وليس فقط أغلبية الدول". وحذر مهران من أن "تنفيذ اتفاقية عنتيبي من دون توافق سيؤدي إلى تعميق الخلافات بين دول حوض النيل"، قائلاً: "هناك حاجة ملحّة لحوار شامل بين جميع دول الحوض للتوصل إلى اتفاق يحفظ حقوق الجميع ويضمن الاستخدام العادل والمستدام لمياه النيل".

المساهمون