يصوّت مجلس النواب المصري في جلساته العامة، المقررة أيام الأحد والإثنين والثلاثاء من الأسبوع المقبل، على حزمة من مشاريع القوانين المقدّمة من الحكومة، تستهدف في المقام الأول تكبيل حريات المواطنين، والتوسع في حالات إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية، وقوننة الإجراءات القضائية الاستثنائية، كبديل عن وقف سريان حالة الطوارئ في جميع أرجاء البلاد بقرار من الرئيس عبد الفتاح السيسي. وستكون البداية مع تعديل قانون العقوبات الهادف إلى تغليظ عقوبة إفشاء أسرار الدفاع عن الدولة من أي مواطن، لتصل إلى السجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد عن خمس سنوات، وتوقيع غرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه (318 دولاراً)، ولا تزيد عن 50 ألف جنيه (3183 دولاراً)، بدعوى تحقيق المزيد من الردع العام قبل هذه الجريمة.
سيتم تغليظ عقوبة إفشاء أسرار الدفاع عن الدولة
ونص التعديل صراحة على معاقبة الشروع في ارتكاب هذه الجريمة بالعقوبة ذاتها المقررة للجريمة التامة، لتحقيق اعتبارات الردع الخاص للمخالف، والردع العام للغير، لحمل كل من يرتكب مثل هذه الجرائم على الإعراض عن اقترافها. كما يصوّت البرلمان على تعديل قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، والذي يمنح السلطة المختصة الحق في فرض "تدابير احترازية في مواجهة خطر الإرهاب"، في بعض المناطق التي يحددها قرار من رئيس الجمهورية، بحجة "مواجهة الأخطار والجرائم الإرهابية"، وتحقيق المرونة اللازمة في إصدار القرارات المنفذة لهذه التدابير.
واستهدف التعديل مواجهة جرائم العنف والإرهاب التي تمارسها جماعات ومنظمات تهدف إلى تدمير كيان المجتمع، والعبث بأمنه واستقراره ومقدراته، وإعاقة مسيرته نحو التقدم والازدهار، من خلال الإجازة لرئيس الجمهورية، متى "قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية"، أن يصدر قراراً باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، بما في ذلك إخلاء بعض المناطق، أو عزلها، أو حظر التجول بها. واشترط التعديل تحديد القرار المنطقة المطبق عليها لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، وتحديد السلطة المختصة بإصدار القرارات المنفذة لتلك التدابير، بما يضمن منح المرونة اللازمة في إصدار القرارات المنفذة لتلك التدابير، ومتابعتها، والتأكد من الالتزام بها.
ستمنح التعديلات سلطة محاكمة المدنيين عسكرياً بعد إلغاء الطوارئ
كذلك يصوّت البرلمان على تعديل بعض أحكام قانون تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية رقم 136 لسنة 2014، والخاص بإحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية بعيداً عن قاضيهم الطبيعي، ومنح وزير الدفاع، في غير حالة الطوارئ، سلطة اتخاذ تدابير تعادل ما يُتخذ في ظل هذه الحالة. ويقضي التعديل بإلغاء تأقيت العمل (ضبط توقيته) بأحكام القانون، وصيرورته بصورة دائمة من ارتباط بمدة محددة، كما كان معمولاً به كإجراء استثنائي لفترة محددة، بحيث تخضع كافة الجرائم التي تقع على المنشآت والمرافق والممتلكات العامة والحيوية لاختصاص القضاء العسكري، وذلك اعتباراً من 28 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.
ونص على أن "تتولى القوات المسلحة، وأجهزة الشرطة، تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، بما في ذلك محطات وخطوط الغاز، وحقول البترول، وخطوط السكك الحديدية، وشبكات الطرق والجسور، وغيرها من المرافق والممتلكات العامة، وما يدخل في حكمها. وإحالة جميع الجرائم المتعلقة بها إلى القضاء العسكري". وسبق أن أصدر نظام السيسي حزمة من التشريعات التي كرست لحالة طوارئ دائمة، بغض النظر عن إعلان حالة الطوارئ أو إنهائها، أبرزها قانون "مكافحة الإرهاب" الذي قنن ارتكاب الأجهزة الأمنية لجرائم الإخفاء القسري والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون، وقانون "تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين" الذي سهل إجراءات إدراج الناشطين والكيانات المستقلة على قوائم الإرهاب، بناءً على تحريات أمنية من دون تحقيق.
وجاء إعلان السيسي قبل أيام إنهاء حالة الطوارئ المفروضة في جميع أنحاء الجمهورية منذ إبريل/ نيسان 2017 مفاجئاً للمراقبين، لكنه لا يعدو كونه قراراً صوريّاً، يعيد البلاد من حالة الاستثناء الصريحة إلى حالتها الواقعية التي تعيشها منذ وصول السيسي إلى السلطة، محتفظاً بكل السلطات ومسيطراً على الجيش والقضاء والحكومة، ومستخدماً جميع تلك الكيانات لترسيخ حكم فردي يرفض إطلاق الحريات العامة أو فتح المجال العام، ولا يتجه إلى تداول حقيقي للسلطة، أو انفتاح اجتماعي جادّ، في ظل دستور تم تعديله بعناية ليسمح ببقائه في الحكم من دون منافسة أو مشاركة حتى عام 2030، وحياة سياسية منغلقة عاجزة حتى عن إنتاج مجلس نواب منتخب معبِّر عن مطالب المواطنين.