تحدثت مصادر سياسية وحزبية مصرية لـ"العربي الجديد"، عن خلافات شهدها أخيراً اجتماع لشخصيات عامة وممثلين عن أحزاب سياسية مصرية بشأن شكل التعاطي مع الدعوة الرئاسية الخاصة بالحوار السياسي، فيما تبادل البعض الاتهامات.
ويعود السبب الرئيس لتلك الخلافات إلى "التشكيك في النوايا"؛ سواء تلك التي تخص النظام المصري من وراء الدعوة، أو تلك التي تخص مكونات القوى التي تصنف نفسها معارضة، من الذين ظهروا إلى جانب الرئيس، وعدم تقديم رؤية واضحة أو ضمانات بشأن جدية الحوار، فضلاً عن التشكيك في إمكانية تنفيذ مطالب القوى السياسية والشعبية، وسط اتهامات من جانب أطراف في المعارضة للنظام بالمراوغة من أجل تفادي الضغوط الخارجية والداخلية في ظل الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تعيشها مصر، وسط حالة من الاحتقان الشعبي المتنامي إزاء السياسات الحكومية.
وقال مصدر حزبي إن اجتماعاً جرى أخيراً، ضم ممثلين لـ6 أحزاب هي "الكرامة" و"المحافظين" و"العيش والحرية" و"التحالف الشعبي الاشتراكي"، و"الوفاق القومي"، و"الدستور"، شهد خلافات حادة، جراء مداخلات لممثلين لأحزاب لم تشارك في إفطار الأسرة المصرية الرئاسي الذي جرى في 26 إبريل/ نيسان الماضي.
محاولة إفراغ الحوار السياسي من مضمونه
ووجه البعض اتهامات للمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي ولبعض من حضروا الإفطار بالبحث عن مصالحهم الشخصية، في ظل عدم اتضاح الرؤية بشأن جدوى الدعوة التي وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي أخيراً للحوار.
وحسب المصادر، فقد وجه أحد الحاضرين حديثه لصباحي بأن "كل ما كان يشغله هو إطلاق سراح حسام مؤنس، المدير السابق لحملته الانتخابية للرئاسة، وأنه يدرك جيداً أن هذا أقصى ما يمكن للنظام الحاكم تقديمه".
هذا الاتهام سعى صباحي لدفعه عن نفسه، بتأكيده أنه "طالب بإطلاق سراح كافة السجناء السياسيين وليس مؤنس فقط"، مشدداً على أنه "حتى لو كان لا يثق في نوايا النظام الحاكم، إلا أنه وجد باباً يمكن من خلاله تحقيق مكسب وإخراج سجناء حتى ولو بعدد قليل".
مصدر: تفجير الخلافات داخل تيار المعارضة كان مقصوداً ومدروساً من جانب أجهزة الدولة
ولم تتوقف الاتهامات، بحسب المصادر، عند حد الحديث عن "البحث عن المصالح الشخصية"، إذ تطرقت أيضاً إلى "التفاف بعض مكونات معسكر المعارضة وقيام عدد منها بحضور اجتماعات ولقاءات سرية في جهاز المخابرات العامة، بشأن التوافق حول أمور لها علاقة بالدعوة الرئاسية، من شأنها إفراغ الحوار من مضمونه، وتحويله إلى مجرد عملية تجميل للنظام الحاكم ودعمه في خطته الرامية للالتفاف على الضغوط الشعبية والدولية".
وكشف أحد المصادر أن "اجتماعاً جرى أخيراً مع جهاز المخابرات العامة، حضره المقدم أحمد شعبان، مدير مكتب اللواء عباس كامل، رئيس الجهاز، وشارك فيه صحافيون من المحسوبين على التيار الناصري، و3 من الشخصيات التي حضرت إفطار الأسرة المصرية، تم خلاله النقاش بشأن ضرورة السيطرة على باقي مكونات المعارضة الذين تم وصفهم بالمندفعين والمنفلتين الذين لا يقدرون طبيعة المرحلة وحساسيتها".
لا أجواء لحوار مصري حقيقي
وقال المصدر إن "الأجواء الراهنة؛ سواء من جانب النظام وأجهزته أو داخل معسكر المعارضة، لا تنبئ بأي حوار حقيقي"، وأضاف: "يبدو أن تفجير تلك الخلافات داخل تيار المعارضة نفسه كان مقصوداً ومدروساً من جانب أجهزة الدولة الأمنية التي تشرف على المشهد"، مشدداً على أنه "لا توجد أي نوايا صادقة سواء بين المعارضين أو من قبل السلطة".
وتابع: "لا يوجد أي تغيير حقيقي في أهداف النظام ونواياه"، موضحاً أن "ملف السجناء هو الملف الذي دائماً ما يتعامل معه النظام الحاكم من وقت لآخر عبر إطلاق سراح بضعة أفراد، ليرسل رسائل بأن هناك انفراجة، وهي عادةً ما تكون انفراجة وهمية، كون النظام الحالي لا يؤمن نهائياً بالعمل السياسي ويعتبره تخريباً، وهناك جلسات كثيرة تردد فيها هذا المصطلح".
وقال المصدر إن "بعض أعضاء معسكر 30 يونيو، الذين يسايرون النظام حالياً على أمل أن يجدوا منه جديداً، يدركون جيداً صعوبة أي تغيير حقيقي من جانب السلطة الحاكمة".
وكشف أنه "خلال نحو ثلاثة لقاءات غير معلنة جرت أخيراً بين مسؤولين، من بينهم المقدم أحمد شعبان، وشخصيات حزبية ومعارضين، وكان الهدف منها السيطرة على المعسكر المعارض قبل إطلاق أي خطوات إعلامية، تم التأكيد على أنه لا مساس بمنظومة القوانين التي تنظم عمل السلطة".
وأضاف: "كما تم التأكيد على عدم الحديث عن انتقادات لشخص الرئيس وإدارته للدولة، أو الحديث عن تداول للسلطة"، مشيراً إلى أن "الحديث يدور في مجمله حول ملف السجناء السياسيين فقط".
في مقابل ذلك، شنت قيادات أحزاب "العدل"، و"المصري الديمقراطي الاجتماعي"، و"الإصلاح والتنمية" الذي يترأسه محمد أنور السادات، هجوماً على الأحزاب الستة بعد استبعادها من الاجتماع.
وقال مصدر حضر الاجتماع الأخير، إن ممثلي الأحزاب الثلاثة "يريدون حصد كل شيء"، مشدداً على أن "وجهة النظر وراء استبعادهم تكمن في كونهم باتوا محسوبين على السلطة وليس المعارضة، المقصودة في المقام الأول بالدعوة الرئاسية، وذلك كونهم شاركوا في القائمة الموحدة التي شكلتها أجهزة الأمن في الانتخابات البرلمانية السابقة".
أخذت أجهزة النظام على عاتقها هندسة الحوار بالشكل الذي تريده بعيداً عن المعارضة
وعلمت "العربي الجديد" أن الاجتماع الذي دعا إليه حزب "الكرامة"، السبت الماضي، والذي نتج عنه بيان ما يسمى بـ"الحركة المدنية الديمقراطية" بشأن قبول الدعوة للحوار السياسي، "لم يتم الإعلان عنه، نتيجة الخلافات التي حدثت، حتى أن صباحي نفسه لم يوقع على البيان واكتفى بتوقيع ممثل عن حزبه".
واللافت أنه على الرغم من تأكيد بيان الحركة على "أهمية الشفافية" وأن يتم الحوار الذي دعا إليه السيسي "تحت مرأى ومسمع الشعب"، إلا أن الحركة نفسها لم تعلن عن اجتماعها التنسيقي.
ولم يحضر رئيس "الحزب المصري الديمقراطي" فريد زهران، الذي شارك في إفطار الأسرة المصرية أيضاً اجتماع "الكرامة"، إذ صادف في ذلك اليوم المؤتمر العام للحزب. غير أن أحد المصادر استبعد أن يكون هذا هو السبب، وقال إنه "كان من الممكن أن يرسل ممثلاً عن حزبه ليشارك في الاجتماع ويوقع على البيان".
كما لم يحضر رئيس حزب "الإصلاح والتنمية" محمد أنور السادات الاجتماع، لكنه كان قد اقترح في مطلع مايو/ أيار الحالي أن "يقود مجلس الشيوخ تنفيذ الحوار السياسي"، على عكس ما طالب به بيان "الحركة المدنية الديمقراطية" بأن يتم الحوار "تحت مظلة رئاسة الجمهورية".
لكن السادات عاد بعد ذلك ليصدر بياناً في الثالث من مايو، يؤكد من خلاله أنه "متفائل ومطمئن لدعوة الحوار، ويشجع عليها من دون تشكيك أو فرض شروط مسبقة".
وانتقدت مصادر حزبية تحدثت لـ"العربي الجديد"، مشاركة من وصفتهم بـ"فلول النظام السابق" والموالين للنظام في الاجتماع الذي دعا إليه حزب "الكرامة"، مثل النائب أكمل قرطام، رئيس حزب "المحافظين"، والذي كان متهماً بالفساد، وكان أحد المستفيدين من عهد حسني مبارك، والصحافي محمد رفعت، الذي يعدّ من "لجان النظام".
وكشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، أنه "على الرغم من تأكد النظام من عدم تأثير ما يسمى بالمعارضة في المشهد السياسي والاجتماعي، إلا أن البيان الذي أصدرته الحركة المدنية الديمقراطية بشأن الحوار السياسي، وما احتواه من شروط لقبول الحوار، أمر استفز النظام وأجهزته، والتي أخذت على عاتقها هندسة الحوار المزعوم بالشكل الذي تريده بعيداً عن المعارضة".
ومن بين الشروط التي طالبت بها الحركة المدنية الديمقراطية أن "يجرى الحوار تحت سمع وبصر الشعب عبر بث الجلسات من خلال وسائل الإعلام المتنوعة"، والتي قال البيان إنها "يجب أن تتحرر من سيطرة السلطة السياسية لتصبح هي ذاتها السلطة الشعبية التي تحكمها في أداء عملها فقط القواعد المهنية ومواثيق الشرف الصحافية والإعلامية".
الرهان على توحيد جبهة المعارضة في مقابل السلطة غير مضمون
تفجير المعارضة المصرية من الداخل
وأشارت المصادر إلى أنه في اليوم نفسه الذي أصدرت فيه الحركة المدنية الديمقراطية بيانها بشأن الحوار، تم إطلاق ما يسمى بـ"المجموعة الوطنية للحوار" والتي تم تأسيسها بمعرفة الأجهزة ككيان مواز للحركة.
وقالت "المجموعة" المشكلة حديثاً، في بيانها التأسيسي، إنه "استجابة لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي بإجراء حوار سياسي شامل حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة، وتكليف إدارة المؤتمر الوطني للشباب بإدارة هذا الحوار، ورفع نتائجه إليه شخصياً، فقد اجتمعت مجموعة من الشباب والفاعلين من مختلف التيارات السياسية والإيديولوجية لمساندة هذه الدعوة ودعمها، والمساهمة في تفعيلها على أرض الواقع من خلال تشكيل المجموعة الوطنية للحوار".
وقالت المصادر إن "الأجهزة الأمنية لديها خبرة طويلة في تشكيل كيانات موازية لضرب أي عمل سياسي، مثلما حدث إبان ثورة 25 يناير 2011، عندما تم تأسيس كيانات محسوبة على الثورة وهي بالأساس مشكلة لضرب الثورة".
وأضافت المصادر أن فكرة "تفجير المعارضة من الداخل، أسلوب قديم أيضاً تتبعه الأجهزة الأمنية، حتى قبل ثورة يناير، وعادة ما تنجح فيه، ولذلك الرهان على توحيد جبهة المعارضة في مقابل السلطة رهان غير مضمون، على الأقل في الوقت الحالي".