في الوقت الذي يتواصل فيه السجال في مصر بشأن "الحوار الوطني" بين ما تُسمى أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية، وممثلي الأجهزة السيادية، وفي مقدمتها المخابرات العامة، كشفت مصادر مصرية عن تطورات بشأن مستقبل نظام الحكم في مصر.
وقالت المصادر المطلعة على المشاورات الأخيرة بين عدد من القوى والشخصيات المحسوبة على معسكر 30 يونيو التي باتت توصف بـ"المعارضين"، إن الأيام الأخيرة شهدت بوادر توجه لإدخال تعديل محدود على الدستور المصري، ولكن بعكس ما تطالب به المعارضة.
تعديل دستوري محدود في مصر
وكشفت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن توجيهات صدرت لعدد من خبراء القانون والدستور بإعداد تصور لتعديل دستوري محدود متعلق بمدة الرئاسة، ليُفتَح بموجبها المجال أمام الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي للترشح لأكثر من مدة واحدة كما ينص الدستور الحالي.
وأوضحت المصادر أنه "في بادئ الأمر، كان الحديث عن عدم المساس بالدستور خلال المناقشات الجارية بين مسؤولين في جهاز المخابرات العامة، وعدد من الشخصيات التي توصف بالمعارضة، حتى لا يُفتَح الباب أمام المساس بالمواد المتعلقة بصلاحيات الرئيس". وتابعت: "بعد ذلك رأى فريق من المقربين من الرئيس السيسي أن الحوار الوطني قد يكون فرصة ملائمة، لخطوة كان السيسي ينتظرها منذ جرت الموافقة على التعديلات الدستورية في 2019، وكان يتحين الوقت المناسب لها، وهي فك القيد عن مدد الترشح للرئاسة".
أحد المحيطين بالرئيس أشار عليه بفكرة تمرير التعديل الدستوري عبر الحوار الوطني، في ظل تجاوب القوى السياسية معه مقابل مكاسب غير مؤثرة على إدارة الدولة
وكشفت المصادر أن "أحد المحيطين بالرئيس أشار عليه بفكرة تمرير التعديل الدستوري عبر الحوار الوطني، في ظل تجاوب القوى السياسية معه مقابل مكاسب غير مؤثرة على إدارة الدولة". وألمح أحد المصادر إلى أن التفكير الحالي يتضمن تمرير بعض المواد الشكلية، حتى يبدو الأمر بأن التعديلات جاء بناءً على مطلب من المعارضة.
وأشارت المصادر إلى أن الأيام الماضية شهدت ما يمكن وصفه بعملية جسّ نبض لبعض السياسيين المشاركين في اللقاءات التمهيدية للحوار الوطني، بشأن تلك الخطوة. وأوضحت أنه إذا تم الاستقرار على تلك الخطوة ستأخذ مسارها الطبيعي بعد ذلك بحيث يُدفَع بها إلى مجلس النواب للموافقة عليها ثم طرحها للاستفتاء الشعبي.
تخوفات من مناورة للنظام المصري
وقال سياسي مصري، كان برلمانياً سابقاً في فترة ما بعد الانقلاب العسكري في 2013، لـ"العربي الجديد"، إن بوادر ومؤشرات كثيرة تتوالى، تجعل القوى السياسية التي وافقت مبدئياً على فكرة الحوار الوطني، تتخوف من أنها مجرد مناورة يحاول النظام الحالي عبرها الخروج من مآزق اقتصادية، ومجتمعية، وسياسية متعددة، ويعتبرها فرصة لتحقيق ما يتصور أنها مكاسب سياسية، أمام القوى الغربية بالأساس.
وأضاف أن الحديث عن تعديل مواد دستورية تتعلق بمدد الرئاسة المفتوحة، يأتي بالأساس كنوع من تعلية السقف، للدخول في مقايضات مع المدعوين للحوار من الطرف الآخر، وليس من أجل إجراء حوار وطني جاد وحقيقي ينقذ البلاد، وربما النظام نفسه، من أزمات خطيرة، في ظل مناخ عالمي وإقليمي مفتوح على العديد من الاحتمالات.
الحديث عن تعديل مواد دستورية تتعلق بمدد الرئاسة المفتوحة، يأتي بالأساس كنوع من تعلية السقف، للدخول في مقايضات مع المدعوين للحوار
ورجّح المصدر أن الهدف الأساس من طرح مثل هذه الأفكار من قبل دوائر السلطة، جعل طموحات المشاركين من الطرف الآخر في الحوار، في أدنى مستوى ممكن، علاوة على منح نفسها، أي دوائر السلطة، المزيد من الوقت لكي تغيّر مواقفها في كثير من القضايا، وفقاً للتطورات الإقليمية، والدولية؛ التي تتسارع بصورة ملحوظة، ووفقاً للضغوط، أو التسهيلات والموائمات التي تفرضها الأحداث، وتؤثر صعوداً وهبوطاً في الاهتمام الدولي بالقضايا والشؤون المصرية، والإقليمية.
وفي 23 إبريل/نيسان 2019، أيّد 88.83 في المائة من المقترعين خلال استفتاء على التعديلات الدستورية تمديد ولاية السيسي وتعزيز صلاحياته وسلطات الجيش، وسط حالة من الجدل الواسع. وشملت التعديلات وقتها المادة الـ 140 من دستور 2014، التي كانت تنص على أنه "ينتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة"، وذلك قبل تعديلها، لتصبح "ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين متتاليتين".
وشهد الأسبوع الماضي خلافاً بين أحزاب الحركة المدنية الستة، وهي: الدستور، والكرامة، والتحالف الشعبي، والعيش والحرية، والوفاق القومي، والمحافظون، من جهة، والقائمين على إدارة الحوار من جانب السلطة، من جهة أخرى، بسبب ما أسموه "نهجاً أحادياً اجتزأ ما تمّ الاتفاق عليه في جلسات التشاور"، في أعقاب الإعلان من طرف واحد وبشكل مفاجئ لاسم المنسق العام للحوار، وهو نقيب الصحافيين ضياء رشوان، والأمين العام المستشار محمود فوزي.