إلى جانب الأزمة السياسية المحتدمة منذ أشهر بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق، بفعل الخلاف على منصب رئيس جمهورية العراق الذي جرى العرف السياسي في البلاد بعد الغزو الأميركي أن يكون من نصيب القوى الكردية، فإن كلّاً من الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، يستعدان للدخول في عراك سياسي جديد، يرتبط بقانون الانتخابات في الإقليم. ويرى مراقبون أن الغلبة لأي من الحزبين في هذا الملف قد تمهد لتغييرات في المشهد السياسي داخل الإقليم خلال السنوات الأربع المقبلة.
"الاتحاد الكردستاني" يحشد لنظام الدوائر المتعددة
الأزمة الجديدة، والتي بدأ الاتحاد الوطني الكردستاني من معقله في السليمانية التحضير لها بتحشيد القوى والحركات السياسية الأخرى إلى جانبه، تتركز حول تعديل قانون الانتخابات الخاص بالإقليم،الانتخابات البرلمان بعد تحديد رئاسة الإقليم الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل موعداً لإجراء الانتخابات البرلمانية التي سيتمخض عنها انتخاب رئيس جديد للحكومة ولرئاسة الإقليم.
يطالب الاتحاد الوطني الكردستاني بأن يتم اعتماد نظام الدوائر المتعددة للانتخابات التشريعية للإقليم
ويطالب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، الذي تُديره فعلياً أسرة الرئيس العراقي الأسبق جلال الطالباني، بأن يتم اعتماد نظام الدوائر المتعددة للانتخابات التشريعية للإقليم، والذي يهدف إلى تقسيم المدينة الواحدة إلى أكثر من دائرة. من جهته، يُصرّ الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني، على أن يُعتمد نظام "الدائرة الواحدة"، أي اعتبار المحافظة أو المدينة بأكملها دائرة بمفردها.
وكان رئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني قد وقّع في 24 فبراير/ شباط الماضي أمراً يقضي بتحديد الأول من أكتوبر المقبل موعداً لإجراء انتخابات الدورة السادسة لبرلمان إقليم كردستان.
وكانت آخر انتخابات أجريت في الإقليم في عام 2018 قد تمخضت عن فوز الحزب الديمقراطي الكردستاني بأغلبية مريحة، بواقع 45 مقعداً من أصل 111 مقعداً هي مجموع مقاعد برلمان الإقليم، بينما حصل غريمه التقليدي الاتحاد الوطني الكردستاني على 21 مقعداً، وتوزّعت المقاعد المتبقية على حركة التغيير بواقع مقعد، و8 مقاعد لحركة "الجيل الجديد"، و7 مقاعد للجماعة الإسلامية. وحصل الحزب الشيوعي الكردستاني وكتل أخرى على ما بين مقعد وخمسة مقاعد.
وينصّ قانون الانتخابات في الإقليم على تسمية رئيس الإقليم الجديد وتشكيل الحكومة من قبل الكتلة التي تحصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان خلال الانتخابات التي تشرف عليها مفوضية الانتخابات العراقية الاتحادية في بغداد، وبمراقبة من بعثة الأمم المتحدة، من دون وجود التعقيدات (التحالفات والتوافقات وعقدة الكتلة الكبرى وغيرها)، والتي تشهدها بغداد في كل انتخابات.
وفي هذا السياق، أفادت مصادر سياسية من برلمان إقليم كردستان، لـ"العربي الجديد"، بأن الاتحاد الوطني الكردستاني بدأ التحشيد لمعركته المتعلقة بتعديل قانون الانتخابات، من خلال عقد سلسلة لقاءات مع قوى سياسية أخرى في الإقليم، أبرزها حركة التغيير والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية والحزب الشيوعي وحركة "الجيل الجديد".
ويهدف التحرك إلى الضغط لتعديل قانون الانتخابات وتحويله من دائرة انتخابية واحدة إلى دوائر متعددة من خلال جمع أكبر عدد من تواقيع نواب برلمان الإقليم، لإدراج مشروع قانون التعديل في جدول أعماله خلال الجلسات المقبلة.
ويمتلك الاتحاد الوطني الكردستاني مسودة تعديل قانون الانتخابات، الذي يُقسّم الإقليم إلى ما لا يقل عن 12 دائرة انتخابية تتوزع على أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة، وسط غموض يلف وضع المناطق التي يُسيطر عليها مسلحو حزب العمال الكردستاني في قنديل وسوران وسيدكان والزاب وزاخو شمالي أربيل وشرقي دهوك.
وقالت المصادر إن الحزب الديمقراطي الكردستاني يسعى هو الآخر لضمان أكثر من نصف أعضاء البرلمان البالغ عددهم 56 نائباً (يملك الحزب منها حالياً 45 مقعداً)، عبر تحركه في اتجاه نواب مستقلين وكتل أخرى صغيرة. ويجعل ذلك حراك الاتحاد الوطني الكردستاني لتعديل القانون داخل البرلمان غير مضمون.
انتخابات إقليم كردستان: تحدي القانون والمفوضية
وشارحاً أسباب التحرك لتعديل القانون، أوضح عضو "الاتحاد الكردستاني" محمود خوشناو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قانون الدائرة الواحدة في إقليم كردستان يعود إلى عام 1992، وهو قديم جداً وفقد روحه، ولم يعد نافعاً في الوقت الحالي، لذلك فإن هنالك ضرورة سياسية تقتضي تعديله".
الحزب الديمقراطي الكردستاني يسعى لضمان أكثر من نصف أعضاء البرلمان البالغ عددهم 56 نائباً
وبيّن خوشناو أن "القانون الذي تمّ العمل به لم يعد يتناسب مع متغيرات الحياة السياسية الحالية، وتبدل أفكار المجتمع، ونشاط المنظمات وغيرها من العوامل التي أدّت إلى عدم الاستفادة من النظام القديم".
وأشار خوشناو إلى أن "التحدي المقبل ليس فقط قانون الانتخابات، بل سجلّ الناخبين الذي لم يشهد أي تحديث منذ عام 2009، لذلك نسعى إلى تجديده وإدخال الأسماء الجديدة وحذف المتوفين". ولفت إلى أن هذا التوجه "كان لا بد أن يُطرح في انتخابات 2018، لكن الأوضاع التي شهدها إقليم كردستان بعد إجراء استفتاء الانفصال (استفتاء الانفصال عن العراق عام 2017) لم تكن تسمح".
وأبدى عضو "الاتحاد الكردستاني" استغرابه من موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني، لافتاً إلى أن الأخير "كان وافق على نظام الدوائر المتعددة في انتخابات البرلمان العراقي الأخيرة (أجريت في أكتوبر الماضي) ودعمه، لكنه يقف بالضد من هذا القانون في انتخابات كردستان". ورأى أن "هذه الازدواجية لا يمكن تفسيرها إلا بكون هذا الحزب مستفيداً من القانون القديم في الإقليم".
وكانت عضو هيئة رئاسة برلمان إقليم كردستان منى قهوجي قد لفتت في شهر فبراير/ شباط الماضي إلى أنه "إذا تمّ تعديل قانون الانتخابات، فإنه لا يمكن إجراؤها في الموعد المزمع خلال شهر سبتمبر/ أيلول المقبل"، مع العلم أن المدة القانونية للدورة الحالية لبرلمان كردستان تنتهي في 11 يونيو/ حزيران 2022.
من جهته، بيَّن عضو "الديمقراطي الكردستاني" عماد باجلان أن "الخلافات الحالية بشأن قانون الانتخابات في إقليم كردستان مرتبطة بما يدور في بغداد من قضية انتخاب رئيس الجمهورية، وهو خلاف شائك بين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني".
وأضاف باجلان في حديث لـ"العربي الجديد" أن "انتخابات إقليم كردستان بحاجة إلى قانون ومفوضية جديدين، خصوصاً أن المفوضية انتهت ولايتها منذ عامين وينقصها عضوان أساسيان، لكن يمكن القول إن حلَّ معضلة انتخاب رئيس الجمهورية في بغداد سيؤدي إلى انفراجة لخلافات الأحزاب في الإقليم".
ويبلغ عدد من يحقّ لهم التصويت في انتخابات إقليم كردستان العراق نحو 3 ملايين و700 ألف شخص، موزعين على 1200 مركز انتخابي تعمل بنظام الدائرة الواحدة، لانتخاب 111 نائباً في برلمان الإقليم، من بينهم 11 نائباً عن الأقليات الدينية والعرقية الموجودة في الإقليم. ويتمتع إقليم كردستان العراق بحكم شبه مستقبل عن بغداد وفقاً للدستور الذي أقر عام 2005 عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
وتعليقاً على جدل قانون الانتخابات للإقليم، اعتبر الباحث العراقي علي الحياني أن "الخلافات الحالية بين الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان عكستها نتائج الانتخابات البرلمانية السابقة في الإقليم، التي حصل فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني على 45 مقعداً يُضاف إليها نحو 10 مقاعد مخصصة للأقليات من الأيزيديين والمسيحيين الذين يتبعون الحزب الديمقراطي، وهو ما مكّنه من الحصول على الوزارات المهمة مثل الداخلية والتربية ومجلس أمن الإقليم وغيره". وجاء ذلك، بحسب رأيه، إضافة إلى نتائج الانتخابات العراقية التي حصل فيها الديمقراطي الكردستاني على 31 مقعداً، مع تراجع حظوظ الاتحاد الوطني الكردستاني كثيراً".
ورأى الحياني في اتصالٍ مع "العربي الجديد" أن "الاتحاد الوطني يريد إجراء تغييرات في القانون، إضافة إلى تحديث في سجل الناخبين، وكذلك تغيير مفوضية الانتخابات في الإقليم، التي يعتبرها الاتحاد الوطني مخترقة من قبل الديمقراطي الكردستاني".
وفي شأن الخريطة الانتخابية، أوضح الباحث العراقي أن "محافظة السليمانية معقل نفوذ الاتحاد الوطني، يسكنها نحو مليوني نسمة، وهي أكثر سكاناً من محافظتي دهوك وأربيل، بالتالي فإن استخدام الدوائر المتعددة فيها سيمكن المحافظة من الحصول على أكبر عدد من أعضاء البرلمان في الإقليم، كما أن القانون الذي يطالب به الاتحاد الوطني سيبعثر أصوات جمهور الحزب الديمقراطي الكردستاني في مدينة السليمانية الموزعين على مناطق قليلة، ومنها رانية وسيد صادق".