خلال الأشهر الأخيرة، اصطدم من يتابع تفاعل بعض أطياف الشارع العربي مع أحداث تُشغل البشرية، بينها الغزو الروسي لأوكرانيا، بما يشير إلى استفحال النأي بالنفس عن مجريات كثيرة تمس حاضره ومستقبله. فخلف دخان أسئلة: "أين العالم من قضايانا؟"، وأكثرها محقة، يختار البعض ترداد: "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين"، كناظم لإبداء عدم اكتراث واهتمام بمآسي وضحايا أمم نسألها عن مواقفها من قضايانا في الحق والعدالة.
اللافت أنه خلال أشهر الحرب الأوكرانية تكثّف استخدام ذلك الحديث كموقف، في الوقت الذي مارست فيه بعض النخب العربية اجتزاء لمفاهيم العدالة، ولعدم مشروعية فرض سياسات معينة بقوة السلاح، والابتزاز المتكرر للبشرية بسلاح نووي.
فالمعادلة في وجهها الآخر ليست في مصلحة من يرفعون شعارات لفظية عن السيادة وعدم جواز ضم أراضي الآخرين بالقوة، كالشكوى اللفظية في دمشق من ضم الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري المحتل، في الوقت الذي يؤيدون فيه انتهاك السيادة الأوكرانية، والتفاخر بقوة صواريخ التدمير الروسية، على الرغم من أنها لم تصد طائرة واحدة للاحتلال الإسرائيلي في قصفه المتكرر في سورية.
المواقف "الرسمية" لبعض الأنظمة والقوى العربية لا تنتج سوى مثل تلك الثقافة القائمة على بكائيات حول تردي المواقف الدولية من قضايا عربية ملحّة، وفي الوقت نفسه عدم اكتراث بمعاناة الآخرين، بذرائع مخجلة وغير لائقة. ببساطة، فإنه مثلما نتابع نحن العرب مواقف الدول والشعوب الأخرى من قضايانا، فإننا مُتابَعون أيضاً من الآخرين في فضاءات الإنترنت لفهم مواقفنا من قضاياهم الملحّة.
الأمر لدينا لا يتعلق باختلاف في وجهات نظر، كحال بعض القوى الغربية المؤيدة على سبيل المثال لموسكو، وخصوصاً الأجنحة اليمينية القومية المتشددة أو بقايا يسار عتيق، بل بشيوع حالة أشبه بثقافة اعتبار الذات "مركزاً" يجب أن تدور حوله كل الاهتمامات العالمية، وإلا فليس لدينا سوى مقولة: ذلك لا يعنينا، على الرغم من أن كل ما يحدث يعنينا حاضراً ومستقبلاً.
وسواء تعلق الأمر بغزو أوكرانيا أو غيرها من قضايا عالمية، فإن إصرار البعض على تقديم العرب على الهامش، وبما يخالف عمق إنسانيتهم وتاريخهم في طلب الإنصاف والعدالة، لن يجلب المواقف المرجوّة من قضايا عربية كثيرة ممتدة من فلسطين إلى سورية فالعراق والسودان وليبيا واليمن، وغيرها، في سياق السياسات الدولية الرسمية المتجاهلة للمآسي الواقعة.