"اليوم، يسّجل اقتحام النساء لمعاقل انتخابية كانت تعدّ ذكورية بالأساس. المرأة المغربية الفاعلة سياسياً، تثبت أن باستطاعتها إحداث التغيير، وأن تتبارى انتخابياً بشكل مباشر، وأن يكون الحكم هو صوت المواطن، وعلى أساس الكفاءة". بهذه الكلمات تلّخص ابتسام عزاوي، إحدى الوجوه النسائية الشابة، تجربة قيادة لائحة حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" المغربي، المشارك في الحكومة، في الانتخابات المحلية بمقاطعة آكدال في العاصمة المغربية الرباط (يجري المغرب انتخابات تشريعية وجهوية وبلدية متزامنة اليوم الأربعاء)، بعد تجربة خمس سنوات كنائبة في البرلمان، من بوابة نظام التمييز الإيجابي، أو المحاصصة (الكوتا). وفي ظلّ واقع انتخابي في البلاد، له قواعده التي يصعب معها أن تحظى المرأة المغربية أولاً بتزكية الأحزاب، ثم بفرص متساوية وآليات عمل تماثل ما قد يجري تأمينه للمرشحين الرجال، تخوض عزاوي غمار منافسة انتخابية حامية في المقاطعة، مع وجود قياديين في الحزب خبروا العمل الانتخابي لسنوات طويلة. لكنها تؤكد أن هناك تقدماً مهماً جداً طرأ على نسبة المشاركة والتمثيل النسائي في الاقتراع الذي تشهده البلاد اليوم، بفعل التعديلات التي دخلت على القوانين الانتخابية، لتخصيص الثلث كحدّ أدنى لتمثيل النساء في المجالس المحلية والإقليمية والجهوية.
أقرّت التعديلات الانتخابية تخصيص الثلث كحدّ أدنى لتمثيل النساء في المجالس المحلية والإقليمية والجهوية
وتؤكد عزاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحضور النسائي في الانتخابات الحالية تجاوز المشاركة، إلى اقتحام المرأة المغربية الناشطة سياسياً اللوائح الذكورية، كما هو الحال بالنسبة لتجربتي، حيث أترأس اللائحة العامة لحزب الاتحاد الاشتراكي، وليس الجزء النسائي في القائمة، وأنافس في إحدى أهم الدوائر الانتخابية بشكل مباشر مع العمدة السابق لمدينة الرباط وقيادات سياسية ذكورية لها تجربتها وتاريخها". وتضيف: "اليوم أقود حملة انتخابية على الصعيد المحلي في أهم مقاطعات الرباط، وألتقي المواطنين وأطلعهم على البرنامج الانتخابي المحلي الذي قمنا بصياغته خصوصاً لمقاطعة آكدال، ولنا طموح جماعي لتحقيق نتائج جيّدة، ولي طموح شخصي أن تصبح هذه المقاطعة نموذجية على الصعيد الوطني في احتلالنا مركزاً يمكّننا من تبوء قيادة التغيير في المقاطعة". وتتوقع عزاوي أن تتجاوز نسبة تمثيل النساء في المجالس المقبلة الثلث، لكنها تعتبر أن ذلك "لا يرقى إلى مستوى طموحات المرأة المغربية". وتقول: "أتمنى أن نرى يوماً رئيسة للحكومة المغربية، ورئيسة للبرلمان، وعمداء نساء للمدن المغربية".
وشهدت ترشيحات المغربيات لعضوية البلديات في الانتخابات الحالية ارتفاعاً، مقارنة مع الانتخابات البلدية الأخيرة التي جرت في 2015، بحيث وصلت اليوم إلى 47 ألفاً و60 مرشحة، بما يقارب 30 في المائة من العدد الإجمالي للترشيحات. وكان تمثيل النساء في البلديات بالانتخابات البلدية والجهوية السابقة (2015)، قد ارتفع من 12 في المائة إلى 27 في المائة، ومن 2.9 في المائة إلى 37 في المائة على مستوى الجهات، فيما ظلت نسبة البلديات التي تترأسها نساء لا تتجاوز الواحد في المائة.
وفي عام 2016، فازت 81 سيدة بعضوية البرلمان في الانتخابات التشريعية، من أصل 395 مرشحة، وبنسبة 20.5 في المائة، وصلت 60 منهن عن طريق اللائحة الوطنية، وتسع مرشحات عبر اللوائح المحلية، و12 أخريات عبر لائحة الشباب. كذلك بلغ عدد النساء في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان) 13 مستشارة من أصل 120 عضواً في التركيبة الحالية للمجلس. أما عدد ترشيحات النساء لمجلس النواب المقبل المسجلة، فقد بلغت 2329 ترشيحاً، أي بنسبة 34.17 في المائة من العدد الإجمالي للترشيحات.
يعتمد نظام الكوتا المحدد حالياً بنسبة 21 في المائة لعضوية المرأة في البرلمان، وذلك كإجراء مؤقت
وساهمت التعديلات التي لحقت بالقانون التنظيمي لانتخاب المجالس الترابية في هذا الارتفاع، كما شجّعت حزب "الحركة الشعبية" على تقديم لائحة نسائية بنسبة 100 في المائة على مستوى مقاطعة جليز في مراكش، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الانتخابات الجماعية بالبلاد. وجاء ذلك بعدما تمّ إقرار آلية تشريعية لضمان تمثيل فعلي للنساء داخل هذه المجالس، بتخصيص ثلث المقاعد للنساء في كل مجلس عمالة أو إقليم (محافظة) وبلدية، ولا يحول ذلك دون حقهن في الترشح لثلثي المقاعد الأخرى المفتوحة على قدم المساواة بين الرجال والنساء. كما نصّ القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، على تخصيص المرتبتين الأولى والثانية في كلّ لائحة لترشيح حصري للنساء، ولا يحول ذلك دون حقّهن أيضاً في الترشح إلى المقاعد المحددة للدوائر الانتخابية المحلية.
وتأتي التعديلات الجديدة في وقت ترى فيه المنظمات المدنية والحقوقية والنسائية أن معركة المرأة المغربية من أجل التمكين السياسي، لم تتجاوز النقص الحاصل في الدخول إلى مراكز القرار. ويأتي ذلك علماً أن قفزة نوعية تحققت على مستوى النهوض بأوضاع النساء، لا سيما في المجال السياسي، باعتماد نظام "الكوتا" المحدد حالياً بنسبة 21 في المائة، كإجراء مؤقت يرمي إلى تعزيز تمثيلهن داخل البرلمان وانخراطهن في صنع القرار.
وبحسب الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير، فإن التعديلات القانونية الجديدة المتعلقة بالتمثيل النسائي ستساهم في توسيع مشاركة هذه الفئة المجتمعية ورفع مستوى تمثيلها في الانتخابات المرتقبة. وتعتبر لموير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الخطوة تبقى مهمة في إطار تقوية تمثيل المرأة في المؤسسات الانتخابية، لكننا اليوم بحاجة ملحّة إلى تقييم تجربة الكوتا التي تم اعتمادها في المغرب خلال 4 دورات انتخابية منذ 2002، إذ من الواضح أن التجربة لم تتح بروز قيادات نسائية تنافس الرجال خارج ذلك الإطار، وبالتالي فإن الاعتماد الكلّي على تمثيل المرأة من خلال الكوتا لم يغير شيئاً في الثقافة السياسية السائدة".