لا تزال مفاوضات فيينا النووية الرامية لإحياء الاتفاق النووي مستمرة، ويشهد فندقا "كوبورغ" الحاضن للاجتماعات بين إيران ومجموعة 1+4 و"ماريوت" الذي يستضيف اللقاءات بين المجموعة والوفد الأميركي، مباحثات مكثفة خلال الأيام الأربعة الأخيرة بعد استئناف الجولة الثامنة من المفاوضات يوم الثلاثاء الماضي.
واليوم، الجمعة، عقدت لجنتا "المسائل النووية" و"التدابير التنفيذية" (للاتفاق المحتمل) اجتماعات، وفقا لوكالة "إيسنا" الإيرانية، على أن تعقد أيضاً لجنة رفع العقوبات اجتماعاً في وقت لاحق من اليوم.
إلى ذلك أيضاً، تحدث المندوب الروسي بالمفاوضات ميخائيل أوليانوف، اليوم الجمعة، في تغريدة، عن اجتماعات اللجان الثلاث اليوم، مشيراً إلى أنها ستبحث القضايا العالقة البارزة المتبقية.
Ещё одна весьма полезная встреча со Спецпосланником #США по Ирану Робертом Малли. Мы определенно продвигаемся вперёд на венских переговорах по восстановлению #СВПД. pic.twitter.com/gnJ0yX0KOj
— Mikhail Ulyanov (@Amb_Ulyanov) February 11, 2022
ومن المقرر أيضاً أن يعقد كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني، مساء اليوم الجمعة، اجتماعات مع بعض رؤساء الوفود.
وقال المندوب الروسي، مساء الخميس، إن مجموعة 1+4 المكونة من روسيا والصين وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، عقدت لقاء مع المبعوث الأميركي روبرت مالي في فندق "ماريوت".
في هذه الأثناء، أفادت وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، اليوم الجمعة، في تقرير، بأن المشاورات الدبلوماسية الثنائية ومتعددة الأطراف مستمرة في فيينا والوفود تسعى للتوصل إلى "اتفاق جيد"، لكنها أضافت في الوقت ذاته أن "الأطراف الغربية حتى الآن لم تقدم مبادرة عملية لتحقيق التقدم بالمفاوضات".
في غضون ذلك، أكدت وزارة الخارجية الروسية، اليوم الجمعة، في بيان بشأن التعاون مع إيران، أن روسيا "لن تكون مقيدة بأي حظر" على طهران بشأن التعاون الفني العسكري معها، مضيفة أن البلدين يعملان على "إنشاء آلية لحماية التبادل التجاري والمالي" من مخاطر العقوبات.
إلى ذلك، قلل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، اليوم الجمعة، في كلمة بمناسبة الذكرى الـ43 للثورة الإسلامية في إيران، من أهمية مفاوضات فيينا، قائلاً: "في سياستنا الخارجية نتبع رؤية متوازنة في العلاقات مع الدول. نعول على الداخل وقدراته وجميع المناطق داخل البلاد، ولم ولن نعول على فيينا ونيويورك"، في إشارة إلى المفاوضات النووية التي تجريها بلاده في فيينا مع المجموعة الدولية لإحياء الاتفاق النووي، فضلاً عن العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية.
وتابع الرئيس الإيراني "لن نقبل بأي هيمنة ولن نتخلى عن استقلالنا ولن نظلم أحداً".
غير أن رئيسي أكد، أمس الخميس، في كلمة أمام السفراء الأجانب في طهران بمناسبة الذكرى السنوية لانتصار الثورة الإسلامية، تحدث فيها عن مفاوضات فيينا، أن إيران لن تترك المفاوضات أبداً وأن إرسال حكومته "وفداً شاملاً" إلى فيينا "دليل على رغبتنا في التوصل لاتفاق".
وأضاف الرئيس الإيراني أن تصرفات الإدارة الأميركية الحالية "لا تختلف" عن تصرفات الإدارة السابقة، مشيراً إلى أن أنشطة بلاده النووية "سلمية، أكدتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية مراراً".
وأوضح أن برنامج بلاده "شفاف وسلمي"، معلناً عن استعدادها "لمعالجة أي مخاوف"، رامياً الكرة في الملعب الغربي، حيث قال إن "أميركا وأوروبا أمام اختبار حقيقي ويجب أن ترفعا الظلم عن شعبنا"، في إشارة إلى العقوبات.
بايدن في مأزق
على الضفة الأخرى، يجد الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه في مأزق مع استئناف مفاوضات فيينا، إذ يراهن على نجاح الآلية في إحياء الاتفاق النووي مع طهران، لكنّه على يقين في المقابل بأنه سيُقابل مجدداً بمعارضة في الولايات المتحدة.
وبقي هذا الموضوع خارج التداول في واشنطن مع تعثر المفاوضات غير المباشرة الجارية منذ عشرة أشهر في فيينا، ما بدد آمال بايدن في التوصل سريعاً إلى اتفاق يحيي "خطة العمل الشاملة المشتركة".
غير أن الاتفاق الرامي إلى منع إيران من امتلاك القنبلة النووية، طرح نفسه مجدداً مع استئناف محادثات فيينا بهدف معلن من جانب جميع الأطراف هو التوصل إلى توافق في أسرع وقت ممكن.
فإمّا أن يتمّ إنقاذ الاتفاق الذي باتت مفاعيله في حكم اللاغية منذ انسحاب واشنطن منه في العام 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، خلال الأسابيع القليلة المقبلة، أو سيكون فشل الديبلوماسية قفزة في المجهول.
وبدأت ترتفع أصوات من المعسكرين، بعضها يدافع عن الاتفاق باعتباره الوحيد القادر على ضمان عدم امتلاك إيران السلاح النووي، وبعضها الآخر يعتبره غير كاف وبالتالي يشكل خطراً.
وتجلّى الجدل خلال جلسة استماع للمفاوض الأميركي روب مالي، الأربعاء، في اجتماع مغلق لمجلس الشيوخ.
مثير للقلق والصدمة
وصرح السيناتور الديمقراطي كريس مورفي للصحافيين لدى خروجه من الجلسة، بأن الوضع "مثير للقلق والصدمة".
فقد أكدت الجلسة ما كان يقوله الخبراء بأنه مع مخالفة إيران التزاماتها بموجب الاتفاق رداً على خروج واشنطن منه وإعادة فرضها عقوبات شديدة عليها، باتت أسابيع قليلة تفصلها عن امتلاك كمية كافية من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية.
وتعتبر هذه "المهلة الفاصلة" عنصراً أساسيّاً في النقاش، حتى لو أنه ما زالت هناك عدة مراحل أخرى قبل التوصل إلى صنع القنبلة.
ويؤيد كريس مورفي على غرار معظم الديمقراطيين، سياسة بايدن الذي يسعى لإحياء الاتفاق باعتبار أن نهج "الضغوط القصوى" الذي طبقه سلفه لانتزاع اتفاق أفضل من إيران أتى بنتيجة عكسية.
غير أن آخرين في محيط الرئيس يبدون تحفظات.
الضغوط القصوى
وأبدى الجمهوريون بوضوح معارضتهم لرفع العقوبات عن إيران في حال التوصل إلى تفاهم في فيينا، معتبرين أن ذلك سيعني منح إيران مكافأة مالية على "أنشطتها المزعزعة للاستقرار".
ورأى مايك دوبوفيتز، الذي يدير "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، وهي مركز الدراسات المعارض للاتفاق النووي، متحدثاً لوكالة "فرانس برس"، أن الإيرانيين "يعرفون أن الرئيس بايدن يسعى يائسا للتوصل إلى اتفاق. وبالتالي، يحاولون انتزاع أقصى حد ممكن من التنازلات"، داعياً للعودة إلى سياسة "الضغوط القصوى".
ويخشى أنصار حل بالتفاوض من أن يؤدي هذا الوضع إلى تصعيد بل حتى إلى مواجهة عسكرية في حال عمدت إسرائيل أو الولايات المتحدة إلى شنّ ضربات لوقف تقدم طهران.