دُشن، اليوم الجمعة، اليوم الثاني من الجولة الجديدة لمفاوضات فيينا النووية، بلقاء بين كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني والمندوب الروسي ميخائيل أوليانوف، بعد سلسلة لقاءات، أمس الخميس، في فندق "كوبورغ" بين الأطراف المشاركة في هذه الدورة من المفاوضات التي تدور بالأساس بشكل غير مباشر بين الوفدين الإيراني والأميركي بواسطة المنسق الأوروبي إنريكي مورا.
وحصل أمس الخميس لقاءان بين كبير المفاوضين الإيرانيين وأنريكي مورا، الذي يشغل أيضاً منصب نائب مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فضلاً عن مباحثات بين مورا والمبعوث الأميركي روبرت مالي والمندوب الروسي ميخائيل أوليانوف.
لكن اللافت أنه في هذه الجولة من المفاوضات غاب كبار مفاوضي الترويكا الأوروبية، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، في خطوة تدل على أن القضايا المتبقية هي بالأساس بين طهران وواشنطن، ما يعني أن هذه الأطراف الأوروبية لم تر حاجة للمشاركة على مستوى كبار المفاوضين في هذه الجولة بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات بين طرفيها الرئيسيين، الإيراني والأميركي.
في الأثناء، كشفت مصادر مقربة من المفاوضات النووية في فيينا، لـ"العربي الجديد"، أن "ثمة تقدماً جيداً" قد حصل في ملف الضمانات التي تطالب بها إيران، مشيرة إلى أنه على عكس ما تحدثت عنه بعض وسائل الإعلام، فإن هذا الملف "لم يغلق بعد بالكامل".
وأضافت هذه المصادر، التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها، أن "المباحثات جارية لبحث إمكانية إغلاق ملف الضمانات عبر مناقشة أفكار أخرى"، لافتة إلى أن "لا تقدم بعد حتى صباح الجمعة في ملفي نطاق العقوبات والقضايا بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمباحثات تركز حالياً على بحث الأفكار الأوروبية والإيرانية المقترحة بشأن الملفين".
وفي السياق، قالت المصادر المقربة من المفاوضات في فيينا، لـ"العربي الجديد"، إن الوفد الإيراني "يطالب برفع المزيد من العقوبات عن الشركات والكيانات التابعة للحرس الثوري"، مضيفة أن مسألة رفع الحرس من قائمة "الإرهاب" الأميركية "لم تعد عائقاً في الوقت الراهن أمام المفاوضات بعدما جرى تأجيلها بموافقة إيرانية إلى وقت لاحق".
وأكملت المصادر أن "تأجيل بحث ملف الحرس قُرئ لدى الأطراف الأخرى على أنه استعداد إيراني للتخلي عن هذا المطلب، لكن الجانب الإيراني لم يعلن ذلك رسمياً وهو يتحدث عن التأجيل فقط"، مشيرة إلى أن "ذلك يعني إمكانية تفعيل هذا الطلب بعد حلحلة بقية القضايا".
وتابعت أن "الوفد الإيراني في الوقت الراهن يركز على رفع المزيد من العقوبات عن الشركات والكيانات التابعة للحرس"، مؤكدة أن الوفد "يطالب أيضاً بضرورة إغلاق القضايا الخلافية بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل أي اتفاق"، في إشارة إلى الخلافات بين الطرفين بشأن ثلاثة مواقع، قالت الوكالة سابقاً إنها عثرت فيها على آثار جزيئات اليورانيوم المخصب، متهمة إيران في تقرير صدر أواخر مايو/ أيار الماضي بعدم التعاون في الرد على أسئلة الوكالة بشأن هذه المواقع. بناء على هذا التقرير، تبنى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في الثامن من يونيو/ حزيران الماضي، قراراً غربياً ضد إيران، يدعوها إلى تقديم الإجابات فوراً عن هذه الأسئلة بشأن المواقع الثلاثة.
الساعات الحالية في فيينا حاسمة
من جهتها، نقلت وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، اليوم الجمعة، عن دبلوماسي إيراني في فيينا قوله، إن "الساعات الحالية في فيينا حاسمة ويجب تطمين الجانب الإيراني في أقرب وقت ممكن".
واتهم الدبلوماسي الإيراني، الذي لم تذكر هويته، الطرف الأميركي "بالتركيز على قضايا هامشية بعيدة عن المواضيع الرئيسة كل البعد"، قائلا إن هذا الأمر "يظهر عدم جدية الطرف الآخر".
وأكد أن "استدامة الاتفاق من توازنه، الثقة مقابل الثقة"، قائلاً إن "ضرورة اطمئنان الأطراف الاقتصادية للعمل التجاري المستدام وبعيد الأمد من دون هواجس مع إيران جزء لا يتجزأ من الاتفاق".
وعن ملف الخلافات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، قال الدبلوماسي الإيراني إن "قضايا الضمانات (اتفاق الضمانات التابع لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية) نشأت بضغوط سياسية، واستمرت بهذه الضغوط، ولها طابع سياسي ولا ينبغي أن يشكل ذريعة لاستخدامها ضد إيران في المستقبل".
تفاصيل إيرانية عن المفاوضات النووية
من جهته، قال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، اليوم الجمعة، إن هذه الجولة من المفاوضات "تشمل مواضيع مركبة، فنية ومرتبطة بالعقوبات".
وأضاف إسلامي، وفق وكالة أنباء الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، أنه "في القضايا الفنية ثمة مواضيع تكميلية، أهمها بحث الوثائق والمواقع المزعومة التي قد أغلق ملفها سابقاً (في الاتفاق النووي)"، في إشارة إلى موضوع المواقع الثلاثة المشتبه بممارسة أنشطة نووية غير معلنة فيها، مؤكداً "ضرورة إغلاق هذا الملف بالطريقة ذاتها" السابقة.
وتابع رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أن بلاده ستواصل خطواتها وتوسيع قدراتها النووية، حتى يعود الطرف الآخر إلى تعهداته ويلغي العقوبات ويتخلى عن "المزاعم التي هي اتهامات ضد الجمهورية الإسلامية".
واتهم إسلامي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها "لم تتبع أي توجه فني" في مسألة المواقع الثلاثة، قائلاً إن ما تطرحه الوكالة بهذا الشأن "سياسي"، وداعياً إلى إغلاق "هذه القضايا إلى الأبد".
والمقصود من "قضايا الضمانات" هي تلك الخلافات بين إيران والوكالة بشأن المواقع الثلاثة المشتبه بممارسة أنشطة نووية غير معلنة فيها.
في غضون ذلك، قال المندوب الروسي في مفاوضات فيينا ميخائيل أوليانوف، لوكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، إن أجواء المفاوضات "جادة".
وأضاف أوليانوف أن "الأفق ليس واضحاً لي بالكامل، لكن يبدو أن جميع الأطراف طور التوصل إلى إجماع بشأن النص النهائي" للاتفاق، مؤكداً أن "الوصول إلى خط النهاية يمكن ألا يكون سهلاً والزمن سيثبت إن كنا سننجح أم لا. لكن أجواء المفاوضات جادة إجمالاً".
إلى ذلك، اتهم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في كلمة بمؤتمر لرابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) بكمبوديا، الولايات المتحدة الأميركية بأنها تسعى إلى ضم أشياء جديدة في اتفاق إحياء الاتفاق النووي، بينما إيران تريد فقط إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، معتبراً أن ذلك "غير مقبول".
وأكد لافروف أن موقف إيران "مشروع"، موضحاً أن الموقف الروسي هو إحياء الاتفاق النووي بالشكل الذي أقره مجلس الأمن الدولي "من دون أي تعديل أو استثناء".
وانطلقت مفاوضات فيينا النووية في إبريل/ نيسان 2021، لكنها توقفت في 11 مارس/ آذار الماضي بعد ثماني جولات تفاوضية، قبل أن تستأنف أمس الخميس. ومنذ ذلك الحين، استمرت المفاوضات بصيغة مفاوضات غير مباشرة عن بعد بين طهران وواشنطن، عبر ممثل الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا، المكلف بتنسيق شؤون المفاوضات، وأطراف إقليمية أخرى.
وأواخر يونيو/ حزيران، أجرى الوفدان الإيراني والأميركي مفاوضات غير مباشرة في الدوحة من خلال المنسق الأوروبي، وفيما تؤكد إيران أنها كانت "إيجابية"، عبّرت الإدارة الأميركية عن خيبة أملها من نتائجها.