مع إعلان طهران الأربعاء العودة إلى مفاوضات فيينا في 29 الجاري، وردّ إدارة جو بايدن بالمثل، بدا أنّ لعبة عضّ الأصابع بينهما شارفت على نهاياتها. كلاهما تعب وحشره الوقت، كذلك شحّت أوراق تحسين وضعه التفاوضي. يبقى اختبار الجدية ومعرفة ما إذا كانت العودة إلى الطاولة مدفوعة بنية التوصل إلى حلّ، أو أنها مصممة لالتقاط الأنفاس ورمي الكرة في ملعب الآخر.
فاستئناف الجولات، إذا لم يطرأ ما يعوقه، مفتوح على الحلحلة وعلى الانتكاس في آن واحد. الحاجة ضاغطة، لكن في المقابل فجوة الثقة واسعة وبعض المطالب المتبادلة قد يستعصي حتى تطويعها، خصوصاً المتعلقة بالمستجدات التي طرأت على البرنامج النووي الإيراني بعد وقف جولات التفاوض في يونيو/حزيران الماضي.
الناطق الرسمي في الخارجية الأميركية نيد برايس، تعامل مع الموعد الإيراني بلغة الترحيب ومن غير شروط قاطعة. أقصى ما ذهب إليه كان مطلب وجوب استئناف التفاوض من حيث انتهى في يونيو الماضي. "ينبغي أن نبدأ من هناك"، لكنه لم يطرحه بلغة الشرط الضروري الملزم والجازم.
والاعتقاد الراجح أنه جرى التفاهم على صيغة انطلاق المفاوضات، كما على موعد العودة إليها، من خلال الأوروبيين المحبطين وضغوطهم على إيران "المحبطة هي الأخرى من انسداد الوصول إلى أرصدتها المجمدة بمليارات الدولارات، التي يحتاجها اقتصادها الهشّ"، كما قالت مديرة قسم "مستقبل المبادرة الإيرانية" في مجلس "أتلنتيك" للدراسات في واشنطن باربرا سلافين، في ردها على سؤال "العربي الجديد".
في الأيام الأخيرة عادت الأضواء إلى هذا الملف. ترافق ذلك مع ما تردد عن مداولات جرت بشأنه خلال اللقاءات التي أجراها الرئيس جو بايدن مع الأطراف الدولية المعنية، على هامش قمة مجموعة العشرين في روما ومؤتمر المناخ في غلاسكو. الحديث دار عموماً حول نقطتين أساسيتين: أنّ موضوع المفاوضات يكاد يفقد قيمته مع استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بدرجة عالية وبكميات "تجاور المطلوب لبناء القنبلة"، وبما يهدد العملية الدبلوماسية "بالانهيار". النقطة الثانية، أنّ إدارة بايدن "لا تملك خطة ب" بديلة لمثل هذا الانهيار لو حصل. كل ما صدر عنها بقي في حدود التلويح بـ"خيارات أخرى" من دون تحديد، لو تعذر التفاوض.
أخيراً، رفع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن العيار من خلال إشارته إلى "الخيار العسكري" بالاسم، لأول مرة. وترافق ذلك مع طلعات جوية للقاذفة الاستراتيجية "ب 1– ب" في أجواء المنطقة. لكن استعراض القوة هذا، ثمة من رأى فيه أنه ليس أكثر من تحذير لإيران من استهداف القوات الأميركية في المنطقة على غرار ما جرى في قاعدة التنف في الجنوب السوري. فالإدارة الأميركية تواصل التعويل "على الخطة أ – أي الدبلوماسية – لأنه لا حل عسكرياً لهذه المشكلة" كما قالت سلافين. ومثل هذه المقاربة معتمدة لدى أكثر الخبراء في هذا المجال. وثمة بينهم منْ يذهب إلى حدّ تأكيد أنّ الدبلوماسية "ليست فقط السبيل الأفضل بل الأوحد" لمعالجة هذه القضية، كما يشدد جوزيف سيرينسيوني، الباحث والخبير في شؤون منع انتشار الأسلحة النووية.
لكن جوقة الصقور تقف بالمرصاد لمثل هذا التفضيل، وذلك من خلال التحذير والتذكير بأنّ إيران "باتت اقرب إلى نقطة الاختراق النووي التسليحي". غير أنّ أهل الخبرة والمعرفة بالموضوع يقولون إنّ المسافة ما زالت غير قريبة لامتلاك إيران القنبلة النووية، "إذ يحتاج الأمر إلى تحويل اليورانيوم المخصب إلى معدن، ثم إلى تكنولوجيا معقدة لوضعه بالنهاية على رأس صاروخ عابر".
بصرف النظر عن هذه المراحل والحسابات، يبقى أنّ الإدارة الأميركية الآن بحاجة أكثر من أي وقت مضى لإنجاز هام بسرعة. وضع الرئيس بايدن في الداخل لا يحسد عليه. مشروعه الكبير محبوس في الكونغرس، وربما مهدد بسبب خلافات في صفوف حزبه عجز عن تسويتها طوال الأشهر الثلاثة الماضية. والثلاثاء، خسر مرشح حزبه معركة هامة لمنصب حاكم ولاية فيرجينيا المجاورة للعاصمة واشنطن، التي انقلبت ضده لأسباب، منها تعثر حزبه ورئاسته. وثمة من يربط تشدد إيران في شروط عودتها إلى المفاوضات، بالوضع الصعب الذي تعيشه الإدارة.
وإذا كانت إيران مضطرة إلى العودة إلى المفاوضات بحكم صعوباتها، "إلا أنه ليس من المؤكد ما إذا كانت جادة في التوصل إلى اتفاق"، كما تقول سلافين. فقد تكون خطتها "تمرير وقت وكسب ما أمكن من تنازلات" في المدى المنظور.