في اليومين الأخيرين وبعد تسلّم الجانب الأوروبي رد طهران على اقتراحه "النهائي" كما وصفه، بدأت تغلب على خطاب الإدارة الأميركية لغة أقرب إلى التمهيد المبطّن لإعلان تطور قادم في الملف النووي. الإشارات التي صدرت عن وزارة الخارجية الأميركية، لافتة بمدلولاتها وبالسياق الذي جاءت فيه. بدت معها لعبة العض على الأصابع وكأنها بلغت نهايتها، وأن ما يجري الآن يتصل بالإخراج والإجراءات التطبيقية.
إذا كان الأمر كذلك كما توحي الأجواء، فإن السؤال عندئذ يصبح: متى ينتهي وضع اللمسات الأخيرة ويتم التوقيع؟
التلميحات العميقة تحمل على الاعتقاد بأنه في هذه الحالة من الأرجح ألا يحصل ذلك قبل الانتخابات النصفية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بسبب تخوف البيت الأبيض من ردود فعل كتلة واسعة من الحزبين في الكونغرس معترضة على تجديد اتفاق 2015 وبما قد يؤذي وضع حزبه الانتخابي.
الخارجية الأميركية أكدت أمس الثلاثاء أنها "اطلعت" عبر الأوروبيين على الرد الإيراني وأنها تقوم "بدراسته بالتنسيق" مع الحلفاء. وتردد أن ما جاءت به طهران "مقبول" عموماً. ثم كرر الناطق نيد برايس الأربعاء نفس التأكيد، مضيفا أن دراسة الرد "تتطلب بعض الوقت ... لاستيعاب" إجابة طهران على العرض الأوروبي، الذي لا بدّ وأن تكون صياغته قد جرت أصلا بمشاركة واشنطن.
في نفس الوقت شدد برايس على أن "ما يمكن أن تتناوله المفاوضات قد سبق وجرى التفاوض حوله". يعني أن المسائل الجوهرية قد انتهى البحث فيها وحصل البت بشأنها. وعندما سُئل تكرارا عن السقف الزمني التقريبي اللازم لهذه الدراسة قال إن "اللحظة الراهنة ليست مناسبة للتكهن بالوقت". ثم عاد الأربعاء ليقول بأنه لا يمكنه الإفصاح عن هذه النقطة الزمنية "في العلن".
صحيح أن الإدارة الأميركية اعتمدت طوال المفاوضات، سياسة عدم الارتباط بموعد زمني. لكنها المرة الأولى التي تقول فيها بأنها غير قادرة "الآن" على الإفصاح عن الموعد الزمني "علناً". يشير ذلك إلى أن واشنطن ربما تكون قد اقترحت موعد الحسم لكنها لا تريد الكشف عنه الآن بل التفاوض حوله مع طهران. وربما هي ترد على ما تناقلته التقارير عن خبر نقلته وكالة أنباء الطلبة الإيرانية ومنسوب إلى مصدر إيراني رسمي بأن طهران "تتوقع تلقي جواب الجانب الآخر خلال اليومين المقبلين". أي أمس الأربعاء. لكن ذلك لم يحصل.
واشنطن ربما تكون قد اقترحت موعد الحسم لكنها لا تريد الكشف عنه الآن بل التفاوض حوله مع طهران
تشديد الإدارة على أن القضايا الأساسية قد انتهت المداولات بشأنها، يفترض أن طلبها "لبعض الوقت" يتعلق بجوانب أخرى، لا تتعدى في هذه الحالة طريقة وربما ملحقات الاتفاق وموعد ولادته. فاحتمال تجديد هذا الأخير مرجح في واشنطن منذ أن سبق وحسمت الإدارة ولو بصورة ضمنية بأنها ليست في وارد مغادرة طاولة المفاوضات من زاوية اعتقادها وتمسكها بأنها رأت من البداية وما زالت ترى بأن التفاوض هو "الحل الأفضل" للتعامل مع النووي الإيراني. كما اتضح أكثر منذ أن انقطع المسؤولون في تصريحاتهم عن التحذير من قرب نفاد فترة التفاوض. وكأن العملية مفتوحة راهنت فيها الإدارة على "استعجال" إيران للإفادة من فورة أسعار النفط، مقابل "استعجالها" على إغلاق هذا الملف، وفي ذات الوقت الاستفادة من عودة النفط الإيراني إلى السوق للمساهمة في خفض الأسعار التي "لم تساعد السعودية في لعب دور الضابط لها".
الاقتراح الأوروبي (الأميركي) والرد الايراني عليه يأتيان عند نقطة تبدو محكومة بالعودة إلى الاتفاق.