أثارت مفوضية حقوق الإنسان العراقية ملف التحقيق بجرائم القتل التي تعرض لها المتظاهرون العراقيون في ساحات الاحتجاج وخارجها، طوال فترة التظاهرات التي شهدتها البلاد منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019 وحتى العام الجاري، منتقدة الغموض الذي لا يزال يلفه وعدم محاسبة الضالعين بتلك الجرائم، ومتوقعة تدخل القضاء الدولي بالملف.
وطوال فترة التظاهرات، سقط ما لا يقل عن 800 قتيل من المتظاهرين مقابل أكثر من 27 ألف جريح، في أطول وأعنف موجة احتجاج شهدتها البلاد، طالبت بمحاسبة الفاسدين، وقوبلت بقمع مباشر من قبل عناصر الأمن بالرصاص الحي، ومن مليشيات مسلحة رافضة للتظاهرات، فضلاً عن عمليات اغتيال لاحقت المتظاهرين إلى منازلهم.
ووفقاً لعضو المفوضية، علي البياتي، فإن "القضاء الدولي سوف يتدخل بشكل أو بآخر بقضايا قتل المتظاهرين في العراق، في حال استمرت عملية تجاهل قضاياهم"، معتبراً، في تصريح صحافي، أن "رفع دعوى قضائية ضد رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي في فرنسا يمثل جرس الإنذار".
وأوضح أن "قضايا كثيرة كأحداث مدينة الناصرية لم يُعلن حسمها، ولا نعلم هل تمت محاكمة قائد شرطة ذي قار السابق جميل الشمري والتحقيق معه بشكل حقيقي أم لا، والذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال"، مضيفاً "لا نعلم أي شيء عن الإجراءات المتخذة بعد ذلك، وهذا يشمل قضايا استهداف المتظاهرين بمختلف المحافظات".
وفي آخر إجراء حكومي بالملف، كانت لجنة التحقيق بأحداث تظاهرات الناصرية، عاصمة محافظة ذي قار، جنوبي العراق، قد أوصت في السابع من الشهر الجاري، بإحالة ضباط وعناصر أمن إلى القضاء، بتهم منها إطلاق نار مباشر خلال الاحتجاجات الدامية التي شهدتها المدينة، في فبراير/ شباط الماضي، والتي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى بمواجهات مع الأمن، إلا أن الملف أسدل الستار عليه.
ناشطون عراقيون علقوا آمالاً على المنظمات الدولية بمتابعة الملف، وقال الناشط في تنسيقية تظاهرات ذي قار، ماهر الفتلاوي، لـ"العربي الجديد"، إن "ملف التحقيق بقتلى التظاهرات تم تسويفه من قبل حكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي".
وأكد أن "الحكومتين مسؤولتان عن الملف، الذي لا يمكن أن يطوى من دون أحكام قضائية"، مضيفاً "سنواصل متابعة الملف، ولن نسكت عن حقوق الضحايا، وسنتواصل مع منظمات دولية لمتابعته، بعدما يئسنا من الحكومة، التي تحمي المجرمين والقتلة من المساءلة القانونية".
ودعا سياسيون عراقيون المنظمات الحقوقية لدور أكبر في متابعة الملف، وعدم الاكتفاء بالاستنكار والتنديد.
عضوة التيار المدني، شروق العبايجي، أكدت أن العراق تُعطل فيه اليوم جميع الأجهزة الرقابية، وقالت لـ"العربي الجديد" إن "المنظمات الرقابية كلها معطلة في العراق ولا نجد أي دور لها برصد الانتهاكات التي يتعرض لها المتظاهرون، ومتابعة ملف التحقيق بقتلى التظاهرات، الأمر الذي تسبب بتمادي الأجهزة والجهات القمعية الرسمية وغير الرسمية بارتكاب الانتهاكات ضد المتظاهرين".
وأضافت أن "كل تلك الانتهاكات تحسب على الحكومة وعلى أدائها ومسؤولياتها"، مبينة أن "مفوضية حقوق الإنسان العراقية معنية ليس فقط بالتصريحات والإدانات، وإنما بإيجاد الآليات التي تمنع استمرار انتهاك حقوق الإنسان في التظاهرات التي تشهدها البلاد، كما يتحتم عليها المتابعة المستمرة لهذا الملف المهم، وعدم إهماله".
ويُعد الفساد الذي تشهده البلاد من أهم أسباب انتفاض الشارع العراقي على الحكومة، إذ تعيش المحافظات العراقية، ومنها الجنوبية الغنية بالنفط، واقعاً مزرياً، من نواحي الخدمات والإعمار وتوفير فرص العمل، وحجم البطالة، بسبب سيطرة أحزاب متنفذة ومليشيات تابعة لها على إداراتها المحلية، ما مكنها من فرض هيمنتها على مقدرات المحافظات وحرمان الأهالي منها، الأمر الذي دفع باتجاه التظاهر الشعبي والمطالبة بالحقوق.