"ليس من شيء أدّل على أن نهاية عهد دونالد ترامب قد أصبحت واضحة، أكثر من اهتمامه بمنح العفو الرئاسي". هكذا، وصفت شبكة "سي أن أن"، إعلان البيت الأبيض، أول من أمس الثلاثاء، عن إصدار الرئيس الخاسر في الانتخابات، دونالد ترامب، دفعة من الأسماء التي حظيت بعفو رئاسي كامل، أو بتخفيف الأحكام الصادرة بحقهم، جزئياً أو كلياً. وأثارت هذه الإجراءات الجدل، علماً أنها حق لأي رئيس أميركي، ومارسها العديد من الرؤساء السابقين للولايات المتحدة، لكنها تأتي في وقت لا يزال فيه ترامب يرفض الإقرار بهزيمته في الانتخابات أمام جو بايدن.
لكن مع ذلك، فإن مجرد إصدارها، والذي جاء بمناسبة عيد الميلاد، والذي ستليه دفعات أخرى من العفو الرئاسي، تؤكد أن الرئيس الخاسر يتحضر فعلياً، ليوم 20 يناير/ كانون الثاني المقبل، موعد تنصيب خلفه، ولو أنه يرفض حتى البحث مع موظفي البيت الأبيض بهذا اليوم، وما إذا كان سيحضره، بحسب "سي أن أن". حتى إنه قال لأحد مستشاريه إنه "لن يغادر البيت الأبيض"، ولا يزال يبحث مع العديد منهم كيفية الانقلاب على نتائج الانتخابات. لكن إصدار العفو، الذي شمل موالين لترامب، يؤكد أن مزاجه المتعكر، لم يمنعه من الاستفادة بقدر المستطاع من الوقت المتبقي له في السلطة، في إطار مرحلة الرئاسة المسماة بـ"البطة العرجاء"، لمكافأة داعميه المخلصين، تماماً كما قام بمعاقبة العديد ممن يعتقد أنه ثبت عدم ولائهم. وفي السياق، اهتم ترامب أيضاً بتأمين وظائف بديلة لعدد كبير من الذين عملوا معه طوال الفترة السابقة، والعديد منهم يبحثون فعلاً عن وظائف جديدة، كما أشارت تقارير إعلامية سابقة.
شمل العفو شخصين مرتبطين بالتدخل الروسي في الانتخابات
أما دفعة العفو فشملت شخصيات على علاقة بالتحقيق في التدخل الروسي بانتخابات 2016، وهو ما يعتبره ترامب من صنع "الدولة العميقة" ضده. كذلك شملت رجال كونغرس سابقين جمهوريين، كانوا من أوائل الداعمين لترشحه للرئاسة في 2016. هذه "الهدايا الميلادية"، بعد العفو الشهر الماضي عن مايكل فلين، يُتوقع أن تليها أخرى، علماً أن البيت الأبيض بات يفيض بطلبات العفو، بحسب "سي أن أن"، التي نقلت عن مصدر أن الرئيس الخاسر لم يخرج فكرة العفو عن نفسه بعد من باله.
وبحسب موقع وزارة العدل الأميركية، فإن ترامب هو من الرؤساء الأقل الذين استخدموا العفو خلال ولايتهم. فحتى الشهر الماضي، عفا ترامب عن 28 شخصاً، وخفف الحكم عن 16، ومن بين الإدانات الموجهة إلى بعض المعفيين تهريب المخدرات أو الاحتيال المالي. ويُعد باراك أوباما أكثر رئيس استخدم هذه الصلاحية منذ هاري ترومان (1927 مرة). لكن الفارق بحسب موقع "لوفير بلوغ" أن معظم من عفا عنهم ترامب "لديهم ارتباطات به أو بحملته الانتخابية أو برئاسته". لكن عهد أوباما كان قد شجع السجناء على التقدم بطلب عفو وفق برنامج "مبادرة الرأفة"، ما استدعى انتقاداً قوياً من الجمهوريين.
وشملت قرارات ترامب، أول من أمس، العفو عن 15 شخصاً، بينهم شخصان مرتبطان بالتحقيق في التدخّل الروسي في انتخابات 2016. وقال البيت الأبيض إنّ "العفو اليوم يُصحّح الضرّر الذي ألحقه (المحقق روبرت) مولر بأشخاص كثيرين". كما شمل العفو أفراداً متورّطين في فضيحة شركة الأمن الخاصّة "بلاك ووتر" في العراق. وبحسب البيت الأبيض، فإن هؤلاء الأشخاص منحوا عفواً كاملاً، كما خفّف جزئياً أو كلياً الأحكام الصادرة بحقّ خمسة آخرين. ومن الأشخاص الممنوحين العفو، جورج بابادوبولوس، المستشار الدبلوماسي السابق لترامب خلال حملته الانتخابية السابقة، الذي اعترف بأنّه كذب على مكتب التحقيقات الفدرالي "أف بي آي"، بشأن اتصالاته مع وسيط كان قد وعده بأن يجعله يتواصل مع مسؤولين روس. وكان بابادوبولوس قد تعاون مع مولر، وقضى 12 يوماً في السجن. كما عفا ترامب عن المحامي الهولندي أليكس فان دير زفان، المتهم في إطار التحقيق الروسي أيضاً، وذلك بعدما كان أصدر نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي عفواً عن مايكل فلين، مستشاره السابق للأمن القومي، المتورط في القضية نفسها. وشملت قرارات العفو 4 حراس أمنيين من شركة "بلاك ووتر"، كانوا أدينوا بارتكاب مجزرة أدت إلى مقتل 14 مدنياً عراقياً في ساحة النسور في بغداد عام 2007، بمن فيهم نيكولاس سلاتن، الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة. أما الآخرون، فهم بول سلاف، إيفان ليبرتي، وداستن هيرد. وأحدثت المجزرة حينها غضباً من الوجود الأميركي.
عيّن ترامب مستشارين له في مجالس إدارة مؤسسات عامة
ويعكس هذا العفو رغبة ترامب في استخدام سلطته للتشكيك في أحكام صدرت بحق رجال في الخدمة العسكرية أو مقاولين عسكريين، بما يتعلق بإدانات موجهة إليهم ترتبط باستخدام العنف في ساحات القتال ضد المدنيين. وكان ترامب قد عفا في نوفمبر 2019 عن ماتيو غولستين، أحد أفراد فرقة "كوماندوس" في الجيش الأميركي، كان سيحاكم في 2020 بتهمة قتل مشتبه فيه أفغاني بصناعة قنابل يدوية، وكذلك عن الملازم في الجيش كلينت لورانس، الذي أدين بتوجيه قواته لإطلاق النار على 3 مدنيين أفغان. وكانت الولايات المتحدة قد فرضت في عهد ترامب، في سبتمبر/ أيلول الماضي، عقوبات على موظفين في المحكمة الجنائية الدولية، بمن فيهم المدعية فاتو بنسودا، بسبب جهود المحكمة للتحقيق في تجاوزات للقوات الأميركية في أفغانستان، وفي انتهاكات للجيش الإسرائيلي في فلسطين المحتلة.
إلى ذلك، عيّن ترامب العديد من مستشاريه في مجالس إدارة مؤسسات عامة، ومنهم سفيره السابق في ألمانيا ريتشارد غرينيل، الذي يُعتبر أحد أكثر المدافعين عنه حماسة في الإعلام، والذي تمّ تعيينه في مجلس أمناء النصب التذكاري لمحرقة اليهود في الحرب العالمية الثانية في واشنطن. أما مستشارته المقربة هوب هيكس، التي كانت تعمل في منظمة ترامب قبل انضمامها إلى الحملة الرئاسية الأولى للأخير منذ 2015، فستنضم إلى مجلس إدارة منحة فولبرايت، للطلاب الأجانب والطلاب الأميركيين في الخارج. وستلتحق المتحدثة السابقة باسم البيت الأبيض ستيفاني غريشام بالمجلس الوطني للعلوم التربوية. ويفيد بيان يتضمن تعيين أكثر من 40 شخصية تضاف إلى تعيينات أخرى سابقة، أيضاً، بتعيين بام بوندي، التي كانت جزءاً من فريقه القانوني، في مجلس إدارة مركز جون كينيدي للفنون في واشنطن.