قال قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، يوم الثلاثاء، إن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ليس رهن الاعتقال، وإنما هو الآن "معي في منزلي"، فيما قال بيان لمكتب حمدوك إن انقلاب البرهان يأتي تنفيذا لإملاءات خارجية وداخلية، داعيًا الجماهير إلى الاحتجاج.
وأضاف البرهان، خلال مؤتمر صحافي بالخرطوم، أن حمدوك "معي في منزلي للحفاظ على سلامته ويمارس حياته بشكل طبيعي وسيعود إلى منزله"، مشيرا إلى أنه "يمكن اختيار بعض الصحافيين لمقابلة رئيس الوزراء والاستماع إليه"، فيما أشاد بحمدوك قائلا "رئيس الوزراء صرح في أكثر من مرة بأن هناك مخاطر تحيق بالبلد، وكان يعمل بلا دوافع شخصية".
وأردف أن "ما قمنا به ليس انقلابا عسكريا، وإنما هو تصحيح لمسار الثورة"، مشددًا على أن الجيش السوداني أطاح الحكومة لتجنب حرب أهلية.
وقال البرهان إن "الإدانات أمر متوقع، لأن ثمة دولا ترى أن تحركاتنا هي انقلاب، ولكنها ليست كذلك"، مشيرًا إلى أنه سيتم إلغاء قانون الطوارئ فور تشكيل المؤسسات.
وأكد البرهان أن الحكومة القادمة لن تضم أي قوى سياسية وستكون حكومة كفاءات، موضحًا أن القوات المسلحة لا يمكن أن تستكمل المرحلة الانتقالية بمفردها، وأنها تحتاج إلى مشاركة الشعب السوداني.
وبين أن الوثيقة الدستورية لم تلغ، بل ما ألغي فقط هو المواد الخاصة بالشراكة مع الأطراف المدنية.
وتابع البرهان: "خلال الأسبوع الأخير كان هناك تحريض ضد القوات المسلحة، وشعرنا بوجود عداء واستهداف تجاه القوات المسلحة"، مضيفا: "شهدنا تململا لدى القوات المسلحة إزاء المشهد السياسي، وكانت هناك مخاوف من خروج الأمور عن السيطرة".
وقال البرهان: "المخاطر التي شهدناها الأسبوع الماضي كان من الممكن أن تقود البلاد إلى حرب أهلية"، مشددا على أن "واجب القوات المسلحة حماية الوطن لتحقيق الانتقال السياسي"، مؤكداً في الآن نفسه أن "كل من يهدد الاستقرار سيتم اتخاذ الإجراءات الضرورية ضده بما يحفظ وحدة السودان".
واعتبر أن المبادرة التي قدمها رئيس الوزراء "تم اختطافها من قبل مجموعة معينة (لم يسمها)، وتم إقصاء الآخرين بما في ذلك القوات المسلحة"، معتبرًا أن "مجموعة من قوى الحرية والتغيير استفردت بالمشهد على حساب قوى أخرى".
وفي يونيو/ حزيران الماضي، أعلن حمدوك عن مبادرة حول الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال الديمقراطي "تهدف إلى توحيد مكونات الثورة والتغيير وإنجاز السلام الشامل، وتحصين الانتقال الديمقراطي وتوسيع قاعدته وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة: حرية، سلام، عدالة" وفق ما ذكر في حينه.
وأضاف البرهان: "قدمنا 3 خيارات لحل الأزمة إلى رئيس الوزراء حمدوك (لم يوضحها)، كما ناقشنا مع المبعوث الأميركي (جيفري) فيلتمان كيفية حل الخلاف بين القوى السياسية والجيش"، مردفاً: "ناقشنا مع حمدوك توسعة المشاركة السياسية حتى الليلة الأخيرة قبل الأحداث (مساء الأحد)".
وتابع: "سنشكل الحكومة المقبلة (لم يحدد موعدا لتشكيلها) بطريقة ترضي كل السودانيين وتمثل كل الولايات"، مضيفا أن "هدفنا رؤية حكومة انتقالية تدير البلاد، فيما تتفرغ القوات المسلحة لمهامها بعيدا عن السياسة".
كما أكد البرهان "التصميم على استكمال هياكل العدالة، وهي المحكمة الدستورية ومجلس القضاء العدلي ومجلس النيابة"، وقال في هذا الصدد: "نحن حريصون على استقلال القضاء وأجهزته، ونريد تشكيل محكمة دستورية ومجلس تشريعي مكون من شباب مستقلين بلا أجندات".
وتحدث البرهان عن لجنة إزالة التمكين التي شكلها في ديسمبر/ كانون الأول 2019، مؤكدا أنها "ضرورية لتفكيك نظام حكم الـ30 عاما (في إشارة إلى حكم الرئيس المخلوع عمر البشير) ونريد أن تعمل بحياد".
مكتب حمدوك يطالب بالإفراج عنه
وبعد إعلان البرهان أن حمدوك غير موقوف وموجود معه في منزله لحمايته، طالب مكتب رئيس الوزراء السوداني المعزول الانقلابيين بالإفراج الفوري عنه، مشدداً في بيان، على أن "حمدوك هو القيادة التنفيذية التي يعترف بها الشعب السوداني والعالم، ولا بديل لذلك إلا الشوارع والمواكب والإضرابات والعصيان حتى تعود مكتسبات الثورة، وستعود".
وقال مكتب رئيس الوزراء، في بيان نقلته الصفحة الرسمية لوزارة الثقافة والإعلام السودانية المنحلة على موقع "فيسبوك": "على الانقلابيين أن يطلقوا سراح رئيس الوزراء وجميع من معه فوراً، وعليهم أن يعلموا أن رئيس الوزراء يحميه شعبه الذي قاد ثورة سلمية طويلة الأجل دون أن تراق قطرة دم واحدة".
ورداً على مزاعم البرهان، ذكر البيان أنه "لن تنطلي على الشعب السوداني وعلى العالم ادعاءات رأس الانقلاب بأن ما يقوم به هو حماية للثورة ولرئيس وزرائها، فالكل يعلم أن التحالف الذي يتشكل الآن للإجهاز على البلاد والثورة السودانية هو تحالف ظاهره قيادة الجيش، وباطنه مليشيات متنوعة، وكتائب الظل، وقادة سياسيون محدودو القدرات واسعو المصالح الذاتية، ولكن باطنه ومن يقوده من الخلف هو المؤتمر الوطني وقياداته في الداخل والخارج".
وتابع البيان: "كلمات رأس الانقلاب وإجراءاته لا تعدو أن تكون إلا مجرد تلاوة لإملاءات تأتي من خطوط داخلية وخارجية، ولا علاقة لها بالجيش السوداني أو مصلحة الوطن".
وزارة الخارجية تعلّق
بالتوازي مع ذلك، أكدت وزارة الإعلام السودانية التي لا تزال موالية لرئيس الوزراء المعزول عبد الله حمدوك، على صفحتها على “فيسبوك”، أن الدستور الانتقالي لا يعطي الحق في إعلان حالة الطوارئ إلا لرئيس الوزراء، الذي تقول الوزارة إنه لا يزال ممثل السلطة الانتقالية الشرعية.
ووزارة الإعلام من بين عدد محدود من الهيئات الحكومية التي ما زالت تعلق على التطورات الجارية في السودان منذ يوم الاثنين.
ونقلت الوزارة عن وزيرة الخارجية في الحكومة السودانية المعزولة مريم الصادق المهدي، في رسالة على صفحتها الرسمية بموقع "فيسبوك"، تأكيدها أن حكومة حمدوك لا تزال هي الحكومة الشرعية في البلاد. وقالت وزيرة الخارجية إن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك وأعضاء حكومته في مكان غير معلوم حتى اللحظة.
وجاء في الرسالة: "بعثت وزيرة الخارجية في الحكومة الانتقالية مريم الصادق، اليوم الثلاثاء، برسالة إلى نظرائها في الدول الأفريقية والعربية والغربية، أبلغتهم فيها بأن رئيس الحكومة الشرعي عبد الله حمدوك وأعضاء حكومته في مكان غير معلوم حتى اللحظة”. وقالت وزيرة الخارجية إن الحكومة تدين ما حصل وستقاومه بكل وسائل المقاومة المدنية.
ودعا تجمع المهنيين، من جانبه، لاستخدام أدوات المقاومة المجربة والدعوات عبر مكبرات الصوت للعصيان المدني تنديدا بالقرارات.
وقال القيادي في تجمع المهنيين الدكتور محمد ناجي الأصم في تغريدة على "تويتر"، إن كل من يعترف بالانقلاب أو يشرعن وجوده، إن كان فرداً أو تنظيماً أو دولا، هو عدو لإرادة الشعب السوداني الموحدة وشريك في كل الجرائم التي بدأها الانقلابيون، وأضاف: "لا اعتراف بأي خطوة أعلنها البرهان.
من جهته، قال القيادي في الحزب الشيوعي السوداني صديق التوم، لـ"العربي الجديد"، إن الحديث الآن ليس حول الخلافات الحزبية، مشيراً إلى أن حزبه منذ المؤتمر السادس قبل سنوات شدد على رفض الانقلابات العسكرية، وأنه يقاوم مثل هذه التوجهات مع بقية القوى السياسية التي ترفض الانقلابات العسكرية. وأضاف: "ليس لدينا تحفظ في العمل المشترك مع الآخرين لأن الوضع الآن هو مقاومة الانقلاب وتصفيته، ولكن الآن نحتاج العمل والاصطفاف خلف لجان المقاومة التي أصدرت جدولا للتظاهر والعمل المقاوم ونحن سنلتزم به".
وقال التوم إن السودانيين يواجهون انقلابا بـ"أن يكون السودان أو لا يكون"، مؤكداً أن لجان المقاومة وكل القوى الثورية بدأت في مقاومة الانقلاب عبر "المتاريس في الطرقات العامة"، مشيراً إلى أن السلطات تستخدم الرصاص الحي ضد المتظاهرين، معتبراً أن خطاب البرهان في مؤتمره الصحافي الذي عقده اليوم كان مرتبكاً، وقال: "واضح أن خطواته لم تكن محسوبة وسيتم دحر انقلابه".
احتجاجات عقب خطاب البرهان
وتتواصل الاحتجاجات في الخرطوم التي امتدت إلى كل مناحي الحياة في البلاد والشوارع الفرعية والرئيسية، حيث رصدت لجنة الأطباء أكثر من 7 قتلى وحوالى 100 من الجرحى، فيما أعلن معتصمو القصر الجمهوري "مجموعة الميثاق الوطني" فك الاعتصام بعدما تم تنفيذ ما طالبوا به".
وعقب المؤتمر الصحافي الذي عقده البرهان، يوم الثلاثاء، خرج مزيد من جماهير الشعب السوداني تندد بالخطوة، وأقفلت عدة طرق، في وقت انتشرت فيه قوات الدعم السريع والقوات المسلحة في الطرقات العامة وسط تراشق بين الجانبين.
واشتد الخناق على الخرطوم من كل الجهات الموصلة إليها من مدن بحري وأم درمان وشرق النيل، إذ تتمترس قوات الدعم السريع والجيش على الجسور لمنع وصول المحتجين والمتظاهرين إلى القيادة العامة، حيث يعتزم المواطنون تكرار ما حدث في العام 2019 بالاعتصام أمام القيادة العامة. وتحدث مواطنون، لـ"العربي الجديد"، عن أن دعوات تجمع المهنيين وبيان مكتب رئيس الوزراء وقوى الحرية والتغيير للحفاظ على الثورة لن تتحقق إلا بالاعتصام مجددا أمام القيادة العامة للقوات المسلحة.
وبدأ السودانيون الدخول في إضراب عام وعصيان مدني شامل في عدد من أحياء العاصمة الخرطوم. ووجه عدد من المساجد في أحياء مختلفة في العاصمة الخرطوم نداءات عبر مكبرات الصوت المواطنين بالدخول في الإضراب العام والعصيان الشامل ضد الانقلاب العسكري. وقال شهود عيان، لـ"العربي الجديد"، إن عدداً من أحياء العاصمة السودانية شهد تظاهرات ضد الانقلاب، وأشاروا إلى أن قطاعات واسعة من المواطنين دخلت في إضراب عام وعصيان مدني وقامت بإغلاق وإشعال إطارات السيارات في الطرق الرئيسية والفرعية.
إلى ذلك، تمسكت قومية البجا في شرق السودان بإلغاء مسار شرق السودان وتعيين حكومة كفاءات وطنية. وقال القيادي في شرق السودان كرارا عسكر إن مجلس نظارات البجا سوف يستمر في التصعيد حتى تتحقق مطالبه كافة.