كشفت مصادر دبلوماسية مصرية عن إجراء اتصالات بين القاهرة وموسكو خلال الأيام القليلة الماضية، في إطار محاولات البلدين لتجاوز التوتر الذي تسببت فيه قضية سد النهضة واختلاف وجهات النظر حول عدد من الملفات الأخرى. ومن هذه الملفات، تلك المرتبطة بحرص مصر على مد جسور الثقة مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وإعادة التوازن إلى خريطة العلاقات المصرية الخارجية، عبر تحسين العلاقات مع عدد من القوى الإقليمية التي كانت على خلاف معها منذ عام 2013.
وأشارت المصادر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن المسؤولين الروس أعادوا خلال الاتصالات طرح مسألة عودة سورية إلى عضوية جامعة الدول العربية من دون شروط، كواحدة من القضايا التي يجب على مصر العمل على حلها بأسرع وقت والسعي لإحراز تقدم فيها، وباعتبارها من الشواغل الأساسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأضافت أن مصر التي كانت تتحاشى فتح هذا الملف في إطار مفاوضات مباشرة مع روسيا منذ ما قبل القمة العربية الأخيرة (في تونس في مارس/آذار 2019)، قد أكدت خلال الاتصالات حرصها على عودة سورية، ولكن في الوقت ذاته عدم قدرتها منفردة على حلحلة المسألة لارتباطها في الأساس بإشكالية العقوبات الأميركية المفروضة على نظام بشار الأسد. كما يمانع عدد من الدول العربية المهمة والداعمة مالياً وسياسياً للجامعة بشكل بارز حالياً الموافقة على عودة سورية.
الروس لم يشترطوا عودة سورية للجامعة كمقابل لشيء ملموس
وذكرت المصادر أن المسؤولين الروس لم يشترطوا عودة سورية للجامعة كمقابل لشيء ملموس، بما في ذلك تدخّل روسيا الفعال الذي تريده مصر في قضية سد النهضة، ولكن في الوقت نفسه ومن خلال التجربة المصرية في العلاقات الثنائية خلال السنوات الماضية، فإنه لا يمكن توقع رد الفعل الروسي سواء في ملفات حساسة أو غير ذلك إذا ارتأت أن مصر لا تبذل الجهد المطلوب في هذا السياق، أو لمزيد من الضغط عليها.
وأوضحت المصادر أن مصر أبلغت روسيا بأنها قد طرحت بالفعل عبر وسائل عدة، وبصورة مباشرة ومن خلال وسطاء، على الإدارة الأميركية الجديدة ضرورة إلغاء "قانون قيصر" الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 2020 ويتضمّن فرض عقوبات مشددة على النظام السوري.
وفي هذا السياق تتعاون مصر مع الإمارات ودول أخرى في محاولة إقناع الولايات المتحدة بتخفيف هذه القيود، بحجة ضرورة ذلك لضمان المشاركة العربية الفعالة في إعادة إعمار سورية من خلال الجهات الرسمية أو القطاع الخاص. وأجرى دبلوماسيون مصريون وإماراتيون اتصالات بالدول العربية الرافضة لاستطلاع شروطها لعودة سورية، وما إذا كان من الممكن تحقيق ذلك قريباً في ظل تغير الظروف السياسية، نافية في الوقت نفسه ارتباط هذا الملف من وجهة النظر المصرية، سواء بالإيجاب أو السلب، بتطور العلاقات مع تركيا أو إيران.
وأشارت المصادر إلى أن السلوك الروسي في مطالبة مصر بالتحرك في هذا الملف، بالإضافة لإبداء القلق بشأن مشروع غاز شرق المتوسط وملف استيراد الأسلحة، لا يمكن تصنيفه إلا كجزء من المواجهة المباشرة مع واشنطن، والتي تدفع فيها مصر ثمناً باهظاً من تحمل الضغوط المتضاربة من الطرفين. ويمكن عزو السبب إلى محاولة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نيل رضا جميع الأطراف خلال السنوات الأولى من حكمه، وسعيه لتعدد مصادر التسليح، وعقد صفقات تهدف في الجانب الأهم منها، إلى معالجة ملفات سياسية تؤرق نظام حكمه. هذا الأمر جعل بوتين يعتقد أن السيسي كان يستخدم توثيق العلاقة مع روسيا كوسيلة لاستفزاز الولايات المتحدة وجذب اهتمامها بمصر والتعامل مع نظامه، وفشلت مصر على مدار العامين الماضيين في تبديد هذه الرؤية التي انعكست على العديد من الملفات الاقتصادية والعسكرية.
وتبدّى هذا الأمر بتردد مصر في شراء المزيد من الأسلحة الروسية حسبما كان يتمنى بوتين، وقرب تراجعها للمركز الخامس على لائحة مصدّري الأسلحة للجيش المصري، الذي أصبح إلى جانب المجر، ودول الخليج، من أكبر مستوردي الأسلحة في العالم خلال السنوات الخمس الأخيرة. وكان لهذا الأمر أيضاً تأثير سلبي مباشر على العلاقة بين البلدين، مؤدياً إلى إلغاء بعض الزيارات الرسمية التي كانت مقررة بين الدولتين منذ مطلع 2020 واكتفاء بوتين بإرسال وزير الخارجية سيرغي لافروف للقاء السيسي في إبريل/نيسان الماضي، بدلاً من حضوره في زيارة كانت مخططة وتم التحضير لها بالفعل في الربيع الماضي.
وسبق لوزير الخارجية المصري سامح شكري أن تحدث مرتين في نهاية العام الماضي وفي اجتماع وزراء الخارجية العرب في مارس/آذار الماضي، عن ضرورة "عودة سورية لمحيطها العربي"، معتبراً ذلك "أمراً حيوياً لصيانة الأمن القومي العربي"، لكن الملف لم يشهد أي تقدم ملموس.
وبينما تطورت العلاقات الأمنية والاستخباراتية بين القاهرة ونظام الأسد بصورة ملموسة في عهد السيسي، كان دوماً يشير إلى ضرورة دعم "الجيش الوطني" هناك، شأن إصراره على دعم ما يصفها بـ"الجيوش الوطنية في جميع الدول العربية في مواجهة المليشيات".
تحاول مصر مع الولايات المتحدة من أجل إلغاء "قانون قيصر"
وخلال مؤتمر صحافي جمعه بلافروف في العاصمة الإماراتية أبوظبي في مارس الماضي، قال وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، إن "مسيرة عودة سورية إلى محيطها الإقليمي قد بدأت، وهو أمر لابد منه، كونه يشكل مصلحة لسورية وللجامعة العربية أيضاً"، وأن "التحدي الأكبر الذي يواجه اليوم التنسيق والعمل المشترك مع سورية هو قانون قيصر". وقبل ذلك أقدمت أبوظبي على خطوتين إيجابيتين تجاه النظام السوري بإعادة افتتاحها سفارتها في دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2018، ثم إجراء ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، اتصالاً معلناً بالأسد، في مارس 2020، لبحث تداعيات انتشار فيروس كورونا، مبدياً استعداده لتقديم الدعم الإنساني للشعب السوري.
يذكر أن السفير الروسي في القاهرة جيورجي بوريسينكو أعرب أخيراً عن استعداد موسكو لبذل الجهود للتوصل إلى حل لقضية سد النهضة الإثيوبي، وأن بلاده تتفهم جيداً القلق الشديد "لأصدقائها المصريين" وأن نقد الممثل الروسي في مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا فُهم بشكل خاطئ، في سياق محاولات لتخفيف الأثر السلبي البالغ على العلاقة بين البلدين.
وذكرت المصادر المصرية لـ"العربي الجديد" أنه عدا نفي قصد الإضرار بمصر، لم يطرح السفير أي خطوات عملية لوساطة روسية قوية ومؤثرة في الملف، الأمر الذي يدفع القاهرة لقصر التعامل مع هذه المحاولات على تأثيرها على الملفات المشتركة وهي كثيرة، من دون أن تأمل تغييراً إيجابياً في قضية سد النهضة.
ومن بين الملفات التي يتعاون فيها الطرفان أخيراً بتعليمات من القيادة السياسية، مشاركة مصر في التجارب السريرية على لقاح "سبوتنيك" الروسي المعدل ضد فيروس كورونا، والذي يتكون من جرعة واحدة بدلا من جرعتين. ومن المرتقب أن تتسلم القاهرة خلال أيام شحنة تجريبية منه لعمل التجارب، مقابل الحصول على كميات من اللقاح مستقبلاً، علما بأن اللقاح الأصلي المكون من جرعتين استُخدم بشكل أساسي لتلقيح القادة والضباط في الجيش وأسرهم وأُعطيت نسبة محدودة منه لوزارة الصحة.