ملهاة جنيف السورية: هل يسمّي بيدرسن المعطِّل أو يستقيل؟

31 يناير 2021
اعتبر بيدرسن أن "هذه الجولة لم تحقق شيئاً" (فرانس برس)
+ الخط -

فتح الفشل المتكرر للعملية السياسية السورية التي ترعاها الأمم المتحدة، نتيجة تعنّت النظام السوري ورفضه الانصياع لقرارات الشرعية الدولية، الباب مجدداً أمام التساؤلات حول جدوى استمرار المسار السياسي الأممي وفق الآليات التي تحكمه، إذ لا يلوح في الأفق القريب أي أمل في تغيير النظام لنهجه. وعقب فشل الجولة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية في جنيف السويسرية، المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد، في الأسبوع الحالي، عبّر المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن عن استيائه، مشيراً في كلمته الختامية أول من أمس الجمعة، في جنيف، إلى أن هذه الجولة "لم تحقق شيئاً، ولم يتم حتى الاتفاق فيها على منهجية الجلسات". وأضاف: "لن نستطيع الاستمرار بهذه الطريقة إذا استمر العمل على هذا المنوال"، مؤكداً أنه سيذهب إلى دمشق ويحاول إقناع النظام السوري، "لكن لن نستطيع الاستمرار بهذه الطريقة". وأظهرت الوقائع أن المبعوث الأممي لن يجد أمامه سوى الاعتذار عن مواصلة مهامه، كما فعل العديد من المبعوثين الأمميين الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن فعل شيء، أمام رفض النظام المطلق تسهيل مهام الأمم المتحدة. بالتوازي، برز أمس إعلان عضو اللجنة المصغرة للجنة الدستورية عن وفد المعارضة، العميد عوض العلي، استقالته من اللجنة، واصفاً في بيانٍ مصور أرسله إلى تلفزيون "سوريا"، العملية بالعبثية.

بيدرسن قد لا يجد أمامه سوى الاعتذار عن مواصلة مهامه

 

ولم يعد خافياً أن النظام اتخذ من مفاوضات اللجنة الدستورية سبيلاً لشراء الوقت، للوصول إلى منتصف العام الحالي لإجراء انتخابات رئاسية وفق الدستور الذي وضعه في عام 2012، وضمان بقاء بشار الأسد في السلطة لمدة 7 سنوات جديدة، معتمداً على الجانبين الروسي والإيراني لدفع المجتمع الدولي للقبول بنتائج هذه الانتخابات.

ولم يحقق المسار الأممي السياسي منذ بدئه منتصف عام 2012، أي نتائج تُذكر على صعيد التسوية السياسية، بسبب رفض النظام السوري التعامل مع قرارات الشرعية بدءاً من بيان جنيف 1 في عام 2012، والقرار 2218 في عام 2013، عقب المجزرة التي ارتكبها النظام في غوطة دمشق الشرقية بأسلحة كيميائية، وصولاً إلى القرار الدولي 2254 في عام 2015. أما المعارضة، فتضطر تحت ضغوط إقليمية ودولية في كل مرة، للذهاب إلى جنيف للتفاوض مع النظام الذي دأب طيلة هذه السنوات على الابتعاد عن جوهر الحل السياسي، القائم على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات. كما اضطرت المعارضة سابقاً على التفاوض حول سلّة الدستور قبل سلّة الانتقال السياسي، لتثبت للمجتمع الدولي حرصها على حل الصراع السوري بالطرق السلمية، لكن النظام كما تدل المعطيات لا يضع في حساباته التوصل إلى حل سياسي، مستغلاً حالة "تراخ" أميركي، ومستنداً إلى دعم روسي وإيراني. وأمام حالة الاستعصاء السياسي، يطالب الشارع المعارض بالانسحاب من العملية السياسية برمتها، لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته إزاء النظام السوري.

في السياق، أشار عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري المعارض عبد المجيد بركات، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الخيارات أمام المعارضة السورية في إطار العملية السياسية محدودة للغاية"، مضيفاً أن "الجولة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية كانت مخيبة للآمال باعتراف المبعوث الأممي". وأضاف بركات": "كنا نعرف أن النظام سيستمر بالتعطيل، من خلال الحديث عن الدستور ولكن من دون الانخراط في صياغة هذا الدستور"، لافتاً إلى أن هذا الوضع "يحتاج إلى تحرك المعارضة السورية على مستويات عدة، منها الطلب من حلفائنا، خصوصاً تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إيجاد آليات ضغط جديدة على النظام للانخراط في العملية السياسية بشكل جدي".

وأشار إلى أن "النظام استغل الخلافات بين الدول الداعمة للمعارضة". وشدّد على "ضرورة خلق المعارضة ساحات عمل جديدة، من خلال الحديث عن تطبيق بقية بنود القرار الدولي 2254، إضافة إلى ترتيب البيت الداخلي للمعارضة"، معتبراً أن "الخلافات داخل هيئة التفاوض انعكست بشكل كبير على أدائها في اللجنة الدستورية، لدرجة أنه كان هناك خلاف حول المبادئ الأساسية للدستور بين مكونات الهيئة". ورأى أن على الائتلاف الوطني باعتباره "الرافع والدافع" لمعظم مؤسسات المعارضة السورية "التفكير بالعودة إلى الحوكمة في المناطق التي تسيطر المعارضة عليها في الشمال، وإدارتها بشكل أفضل وتحقيق استقرار فيها من خلال دعم الحكومة المؤقتة". وعن خيار الانسحاب من العملية على ضوء التعطيل المستمر من قبل النظام، قال بركات إن "سلبيات الانسحاب من العملية السياسية أكثر من الإيجابيات، ومن الممكن أن ينعكس ذلك بشكل سلبي على الجانب الميداني والعسكري". ورأى "أن هذا الأمر يحتاج إلى دراسة عميقة ويجب ألا يكون قرار الانسحاب أو التعليق انفعاليا"، مستدركاً: "لكن الاستمرار في العملية السياسية على هذا الشكل يجب ألا يدوم، لذا يجب أن تكون إحاطة المبعوث الأممي إلى مجلس الأمن الدولي حيادية وموضوعية، ويثبّت أسباب الفشل، كما تتغير منهجية العمل في اللجنة الدستورية لتصبح أكثر جدوى".

من جهته، أمل المدير التنفيذي للمكتب الإعلامي في هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية إبراهيم جباوي "أن يضطلع المبعوث الأممي غير بيدرسن بمسؤولياته الأخلاقية، ويعلن صراحة أمام مجلس الأمن أن النظام هو المعطل لأي جهد باتجاه حل الأزمة، ولنرَ بعد ذلك ما سيفعله المجلس وهل ستتخطى الدول العظمى الفيتو الروسي للقيام بشيء من خارج مجلس الأمن، كما فعلت في غير مكان".

الخلافات داخل هيئة التفاوض انعكست بشكل كبير على أدائها

وعن تعويل المعارضة على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في الضغط على النظام السوري، قال جباوي لـ"العربي الجديد"، إنه "قد تكون لإدارة بايدن حركة خجولة نحو الحل، الذي ربما لا يحقق طموحات الشعب الذي ضحى بأغلى ما يملك لنيل حريته".

وسبق أن انفجرت الخلافات قبل انطلاق الجولة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية، داخل هيئة التفاوض، التي تضم منصات وتيارات سياسية غير متجانسة ومختلفة بالرؤى. ورأى المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "على المعارضة أن تأخذ زمام المبادرة وتؤكد للشعب السوري أنها تملك قرارها". من جهته، دعا الباحث في مركز "الحوار السوري" محمد سالم، في حديث لـ"العربي الجديد"، المعارضة التي رأى أنها "مفككة ولا تملك هوامش استقلالية"، إلى العمل "على التنمية في مختلف المجالات السياسية والتوعوية والاقتصادية، ومحاولة اكتساب الشرعية الشعبية المحلية على الأرض في المساحات الباقية في حلب وإدلب، وفي المهجر".