تفاوتت أمس الخميس، الآراء التي تناولت أول مناظرة للمرشحين الجمهوريين للرئاسة الأميركية العام المقبل، والتي أجريت أول من أمس الأربعاء، وبثّتها شبكة "فوكس" الإخبارية، وإن صبّت معظمها سلبياً لناحية بقاء الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، المرشّح أيضاً للرئاسة والذي غاب عن المناظرة، مهيمناً على المشهد وفشل المتنافسين الثمانية الذين شاركوا في الحدث الإعلامي بسرقة الأضواء منه.
رغم ذلك، فقد اتفقت معظم الآراء على بروز "نجم" من المناظرة، وهو ليس حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، الذي يحلّ ثانياً في معظم استطلاعات الرأي بعد ترامب، بل فيفيك راماسوامي، رجل الأعمال من أصول هندية، الذي يتقدم في الاستطلاعات، ويحاول إبراز نفسه كـ"بديل" عن ترامب، أو ابن مدرسته.
راماسوامي يدافع عن ترامب
وكان راماسوامي، الذي استغل المرشحون الآخرون في المناظرة انعدام خبرته السياسية لمهاجمته، نجم المناظرة الأولى للجمهوريين، والتي استضافتها مدينة ميلووكي في ولاية ويسكونسن. وجرت المناظرة فيما كان ترامب يجري مقابلة مع مقدم البرامج سابقاً على "فوكس"، تاكر كارلسون، بينما حلّقت طائرة خاصة استأجرتها لجنة الحزب الديمقراطي الوطنية، فوق ميلووكي، للسخرية من المرشحين الجمهوريين الذين وصفتهم الحملة الديمقراطية بأنهم "متطرفو حملة لنجعل أميركا عظيمة مجدداً". كما عرض الحزب لوحات إعلانية تحمل المضمون ذاته، وهو أن المتنافسين الثمانية ليسوا أقلّ تطرفاً من ترامب.
وصفت هايلي ترامب بأنه "أكثر السياسيين المكروهين في الولايات المتحدة"
رغم ذلك، رأت أوساط إعلامية أن المناظرة كانت ناجحة، وأن المرشحين قدّموا فكرة عن آرائهم، ومنها حول التغير المناخي، الذي لم يعترف معظمهم بوجوده، ومسألة الإجهاض ومنع تدفق المهاجرين، والدين العام. حتى أن بعض التعليقات وجدت أنه رغم استمرار تصدره الاستطلاعات، فإنه يمكن للجمهوريين إجراء مناظرة من دون ترامب، ويمكن لها أن تحظى بمشاهدة كثيفة. لكن أكثر الحضور، ومنهم ترامبيون، كانوا يصفقون لترامب خلال المناظرة، ويطلقون صرخات امتعاض حين كان الحديث سلبياً عنه.
وظلّ راماسوامي، نجم المناظرة التي امتدت لساعتين، أول من أمس، وحاول قدر المستطاع ممارسة اللعبة بطريقة مغايرة، مدافعاً عن ترامب في الكثير من المحطات، فيما كانت المندوبة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، أكثر المهاجمين للرئيس السابق، واصفة إياه في إحدى المرات خلال المناظرة، بأنه "أكثر السياسيين المكروهين في الولايات المتحدة".
وتغلّبت هايلي، التي كان ترامب عيّنها في المنصب، في إظهار ابتعادها عن الرئيس السابق وإدانته على أحداث اقتحام أنصاره الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني 2021، على حاكم ولاية نيوجرسي السابق كريس كريستي، الذي يتهم بأنه يترشح مجدداً للرئاسة، هذه المرة على خلفية "الانتقام" من ترامب. وكان أقوى تعليق لكريستي أول من أمس، حين سُئل عن إمكانية انتخاب ترامب، أو اختياره من قبل الحزب الجمهوري ليكون مرشحه للرئاسة حتى لو دين الرئيس السابق في إحدى الدعاوى القضائية التي تلاحقه، إذ دعا كريستي إلى "عدم التطبيع مع هذه الظاهرة".
من جهته، لم يبل ديسانتيس، بلاء حسناً خلال المناظرة، ولم يكن أكثر المتكلمين، أو أكثرهم وضوحاً، فيما وصف الإعلام الأميركي مشاركة السيناتور عن ولاية كارولينا الجنوبية، تيم سكوت، بالباهتة، فقط لأنه لم يستطع مغادرة مربع "السياسي الرصين" الذي يضع نفسه فيه، وقد شبّهه البعض بجرّاح الأعصاب من أصول أفريقية، بن كارسون، الذي ترشح للرئاسة في عام 2016، وخسر أمام ترامب.
وشارك أيضاً في المناظرة، نائب ترامب السابق مايك بنس، وحاكم ولاية داكوتا الشمالية داغ بورغوم. ووجّه كل من بنس وكريستي، سهامهما، خلال المناظرة، إلى راماسوامي، وصولاً إلى حدّ تساؤل كريستي: "ماذا يفعل هذا الرجل معنا هنا؟". وسخر بنس، من قول راماسوامي إن الولايات المتحدة "تعيش أزمة هوية"، فيما بدأ معظم المشاركين المناظرة بالتأكيد على أن أميركا تواجه أزمة حقيقية وتعيش انقساماً واضحاً.
ترامب: أولويتي إغلاق الحدود مع المكسيك بحال فوزي بالرئاسة
وكانت المناظرة قد استهلت بسؤال عن رأي المشاركين بأغنية "ريتش مان شمال ريشموند" (الرجال الأغنياء شمال ريتشموند) التي تتحدث عن غضب الطبقة العاملة، إذ اعتبر ديسانتيس أن البلاد "حقاً في انحدار". أما هايلي، فحاولت إبراز مهارتها بالسياسة الخارجية. على المقلب الآخر، اختار ترامب الابتعاد عن ويسكونسن، وهي ولاية متأرجحة بامتياز، وتمنح اليوم في استطلاعات الرأي تقدماً للرئيس الأميركي جو بايدن على ترامب.
ترامب يختار الابتعاد عن ويسكونسن
وغالباً ما تأتي نسب التصويت في انتخابات الرئاسة في ويسكونسن، متقاربة جداً، وبفارق أقل من واحد في المائة، بين المتنافسين الجمهوري والديمقراطي. وللمفارقة، فإن معظم الاستطلاعات فيها هذا العام، تمنح فوزاً لبايدن بأكثر من 10 في المائة عن ترامب، بينما تمنح فوزه بهامش أقل، إذا كان منافسه الجمهوري هو ديسانتيس.
وربما دفع هذا السبب ترامب، من بين أسباب أخرى، لاختيار عدم المشاركة في المناظرة، علماً أنه سبقها بالظهور في مقابلة مسجّلة بثّت على منصة "إكس" (تويتر سابقاً). وهاجم ترامب في مقابلته، منافسيه الجمهوريين وبايدن. وقال إنه قرّر أنه "من الأنسب" له ألا يشارك في المناظرة، متسائلاً: "هل أجلس هناك ساعة أو ساعتين، وأتعرض للمضايقة من أشخاص لا يجدر حتى أن يكونوا مرشحين للرئاسة؟". ورد ترامب على أسئلة كارلسون التي شملت مواضيع متنوعة، ومنها علاقته بزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. وركّز ترامب انتقاداته على بايدن، وقال عنه: "لا أظن أنه سيتمكن من الوصول إلى النهاية لكن لا أحد يعلم"، مضيفاً "أعتقد أن وضعه الذهني أسوأ من وضعه الجسدي، ولا يمكن القول إنه بطل رياضي".
وعن خصومه الجمهوريين، رأى ترامب أن ديسانتيس "حالة ميؤوس منها"، معرباً عن "خيبة أمله" حيال بنس. كذلك، تحدث عن برنامجه مؤكداً أنه في حال انتخابه ستكون أولويته "إغلاق الحدود" مع المكسيك. كما سئل عن احتمال نشوب حرب أهلية أو نزاع في الولايات المتحدة فأجاب: "لا أدري"، وتابع: "ثمة مستوى من الحماس لم أشهده من قبل، ثمة مستوى من الكراهية لم أشهدها من قبل، وهذا على الأرجح مزيج سيئ". وأكد ترامب الذي وجهت إليه تهم في 4 قضايا، أن هذه التهم "تافهة ولا معنى لها ومفتعلة".
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)