مناورات كتالونية لإنقاذ حكم الاشتراكي سانشير في إسبانيا: الخوف من النزعة الانفصالية يصعب المهمة
بعد نحو أسبوع على نتائج الانتخابات المتعادلة بين يسار ويمين الوسط الإسباني، تدفع محاولات تسلق الجدار المسدود ساسة إقليم كتالونيا، الراغب بالانفصال عن إسبانيا، إلى طرح مقاعدهم البرلمانية في سوق التسويات لمصلحة معسكر رئيس الحكومة الاشتراكي بيدرو سانشيز.
زعيم انفصاليي كتالونيا في المنفى، ورئيس حكومتها السابق كارليس بوجديمون يسعى إلى أن يصبح "صانع الملوك"، فالرجل الذي يشغل منذ 2019 عضوية البرلمان الأوروبي، بعد الفرار إلى بروكسل في 2017، يجدها فرصة للمساومة، رغم تحذير المحافظين واليمين القومي الإسباني من أن ذلك يعني "نقل العاصمة من مدريد إلى واترلو (مكان إقامة بوجديمون البلجيكي، حيث عانى نابليون بونابرت من هزيمة كبيرة فيها عام 1815)".
فعدم تحقيق معسكري السياسة الأغلبية بـ176 مقعداً، يقدم فرصة للكتالونيين في التحول إلى بيضة قبان الحكم، فهؤلاء أعلنوا قبل الانتخابات أنه "لن يكون هناك دعم تلقائي لسانشيز"، وبالتالي تخضع 7 مقاعد حققوها لمساومات حول مصير العلاقة بين الحكومة المركزية في مدريد وإقليم كتالونيا.
فحتى 17 أغسطس/ آب المقبل، موعد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، سيحاول المحافظون والاشتراكيون، بعد أسبوعين من المفاوضات، البحث عن حلفاء الأغلبية النسبية لترجيح حظوظ أحدهما لتشكيل الحكومة المقبلة. وعلى الرغم من أنّ أحزاب إقليم الباسك (المتهمة أيضاً بالانفصالية من قبل القوميين الإسبان) أعلنت تأييدها للاشتراكي سانشيز، وقدم محافظو جزر الكناري ونافارا وعوداً بدعم المحافظين، إلا أن ذلك غير كافٍ.
حزب "معاً من أجل كتالونيا" (Junts per Catalunya) الانفصالي بزعامة بوجيديمون؛ الملاحق على خلفية استفتاء غير قانوني لاستقلال كتالونيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، يسعى إلى مزيد من التنازلات من مدريد.
فمع أنّ حكومة سانشيز أطلقت في 2019 سراح الانفصاليين من سجون إسبانيا، إلا أن الحزب يضع الرجل في موقف صعب. ووفق تقييم صحيفة "إل موندو" المحافظة، وصحيفة يسار الوسط "إل باييس"، فإنّ حظوظ سانشيز أكبر من زعيم المحافظين (حزب الشعب) ألبرتو نونيز فاييخو، فقط إذا ما امتنع بالفعل الحزب الكتالوني عن التصويت ضده/ أو بتأييده لتشكيل أغلبية نسبية.
تلك المساعي أثارت ما يشبه حملة متجددة من قبل القوميين المتشددين في حزبي "فوكس" و"الشعبي" اليمينيين. وفي السياق، ذهبت المتحدثة باسم حزب فاييخو (الشعبي) كوكا جامارا إلى اعتبار أنه "إذا حدث ذلك (دعم حزب كتالونيا لسانشيز)، فإن العاصمة ستصبح في واترلو بدلاً من مدريد، وستكون في قبضة شخص هارب من القضاء (بوجديمون)".
ما يقلق معسكر المحافظين والقوميين الإسبان أن مساعي كارليس بوجديمون تصر على وعود حكومية بشأن منح إقليم كتالونيا المزيد من الصلاحيات، والتي تضعه مرة أخرى على سكة الاستقلال وبرضا مدريد، وهو ما يعارضه حتى سانشيز وأطراف يسارية إسبانية الهوى، هذا بالطبع إلى جانب مقاومة عنيدة من قبل القوميين الإسبان في وسط وأقصى اليمين، بحسب الصحافة المحلية. فكلا معسكري السياسة في مدريد يدركان الاستعصاء الذي أفرزته الانتخابات، رغم تقدم الاشتراكيين في كتالونيا نفسها.
ومع ذلك، تبدو مساعي بوجيديمون غير مسنودة بالنتائج المتواضعة التي حققها يسار كتالونيا في "اليسار الجمهوري" (إسكويرا ريبابليكانا دي كاتالونيا)، فقد اعترف رئيس حكومة الإقليم من نفس الحزب، بيري أراغون، بأنّ "نتائج أحزاب الاستقلال لم تكن جيدة"، داعياً إلى التفاوض مع سانشيز بهدف "إحراز تقدم في حل النزاع بين كتالونيا وإسبانيا".
وكانت حكومة الاشتراكيين قد ذهبت نحو سياسات متقدمة مع إقليم كتالونيا يصعب أن تُقدم عليها حكومة قوميين محافظين، مثل رفع الموازنة والدعم المالي الإضافي للإقليم والمساعدة على مزيد الاستثمارات في البنى التحتية فيه.
هذا بالطبع إلى جانب إلغاء قانون مثير للجدل في 2021، وهو المعروف باسم جريمة "التمرد" (سيدثيون)، الذي أُدين على أساسه الانفصاليون في 2019، رغم بقاء ملاحقة زعيم الانفصاليين في المنفى بوجديمون بتهمة "الإخلال بالنظام العام" و"المعاملات المالية غير القانونية". وفي بعض القراءات حيال التفاوض مع بيدرو سانشيز، فإن تركيز الكتالونيين حالياً هو على مطالبة بالعفو الكامل عن المخالفات، والسعي إلى سلطات جديدة للحكومة المحلية.
الأمر بالتأكيد ليس سهلاً على سانشيز الذي يتعرّض لهجمات مستمرة من فاييخو و"فوكس" المتشدد بأنه يعرض وحدة إسبانيا للخطر. ويدرك فاييخو أن قدومه منفرداً، وبدعم القوميين المتشددين، إلى الحكم ليس أمراً ممكناً، فراح يعرض على الاشتراكيين "ائتلافاً حاكماً" معهم، مع أمله أن تغير نتائج فرز أصوات الذين صوتوا بالرسائل (البريد) في 1 أغسطس/ آب المقبل، بعض ما حصل عليه من مقاعد.
ولا يساهم خطاب التخوين ضد سانشيز واليسار عموماً في تسهيل مهمة سانشيز للاعتماد على الباسكيين والكتالونيين.
فبحسب الصحافة الإسبانية نفسها، يبدو الشارع الإسباني في أغلبه، سواء بين المحافظين أو اليساريين، غير متحمس لمنح كتالونيا والباسك المزيد من الوعود، وخصوصاً المالية، إذ يعتقد أنهما حصلا على الكفاية، وبالتالي يجب أن تتجه إلى الأقاليم الإسبانية الأخرى التي تعاني اقتصادياً، وهو ما ركز عليه أيضا حزبا "فوكس" و"الشعبي".
مع ذلك، فلا شيء مستبعداً في السياسة، حيث ذكرت رئيسة حكومة مدريد الإقليمية القوية في حزب الشعب المحافظ إيزابيل دياز أيوسو، يوم الأربعاء الماضي، أنه "يحق لنا البحث عن بدائل للمشروع الآخر الذي يعني تدمير إسبانيا"، دون توضيح ما تعنيه بالبدائل.
فالعين الآن على من سيعهد إليه القصر الملكي في مدريد لفحص حظوظ تشكيل الحكومة، فإذا فشل المحافظ فاييخو، فإنّ الكرة سترمى في ملعب سانشيز. وتقع أمام سانشيز مهمة صعبة، سواء اتفق مع استقلال كتالونيا علنية أو في السر، إذ لم يعد من الممكن لمعسكر القوميين الإسبان السكوت على ما يعتبرونه "تدمير وحدة مملكة إسبانيا". فهل سيؤدي الاستعصاء السياسي الانتخابي إلى ذهاب البلد، على الطريقة الإيطالية، نحو أزمة حكم، وانتخابات مبكرة؟ ربما تحضر الإجابة قبل انعقاد الجلسة المقبلة للبرلمان الجديد في منتصف الشهر المقبل.