عادت فكرة إنتاج منصة جديدة للمعارضة السورية إلى الواجهة، في ظل الاستعصاء الذي تعيشه العملية السياسية لإيجاد حل للأزمة السورية، المستمرة منذ عشرة أعوام.
ففي حين عاد الملف السوري إلى الأروقة الدولية، بعد ركود أثر سلباً على تقدم مسيرة الحل، من خلال المسارات الأممية وآخرها اللجنة الدستورية، والذي يتوازى مع خلافات داخل أجسام المعارضة، يتم توريتها حيناً، وتطفو إلى السطح كلما انسد أفق حلها، فإن شخصيات معارضة ستعقد مؤتمراً جديداً، عنوانه "مؤتمر سوري – سوري لاستعادة السيادة والقرار"، ربما يكون حجر أساس لمنصة جديدة، تحظى بقبول أغلب الأطراف الدولية، في محاولة لتصدر مشهد المعارضة في أروقة الحل. ويأتي هذا بالتوازي مع محاولات لإصلاح وإعادة ترميم منصات المعارضة الحالية، التي تتعارض في وجهة نظرها مع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الذي يعد أكبر مؤسسات المعارضة، من حيث التمثيل والحضور في أروقة الحل السياسي في المسارات الدولية.
سيعقد المؤتمر الجديد في جنيف في 21 و22 أغسطس المقبل
وأعلنت اللجنة التحضيرية لـ"المؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار"، في بيان اليوم الخميس، "إنهاء التحضيرات لعقد المؤتمر، والذي تأجل بسبب جائحة كورونا، بعد أن أصبح بالإمكان انعقاد هذا الحدث الكبير في 21 و22 أغسطس/آب" المقبل. وتوقع العضو في اللجنة التحضيرية صلاح وائلي، أن "يصل عدد المشاركين في المؤتمر في جنيف، شخصياً وعبر الفيديو، إلى 500 من الداخل والخارج، بسبب استمرار وجود قيود على تأشيرات السفر والحركة من عدة بلدان"، إلا أن مصدراً من اللجنة المنظمة للمؤتمر أكد لـ"العربي الجديد" أن الحضور الشخصي في المؤتمر بجنيف سيكون بين 50 و60، والباقي سيكون إلكترونياً.
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر معارضة في أوروبا ودمشق، أن المؤتمر يستهدف شخصيات بعيدة عن القوى والكيانات المعارضة على اختلافها. وأشارت المصادر إلى أنه كان من المتوقع أن يعقد المؤتمر منذ نحو ستة أشهر، لكن ظروف انتشار فيروس كورونا عرقلت إجراءاته، ليتم تأجيله عدة مرات.
وأكدت المصادر أن الشخصيات المعارضة التي تُحضر للمؤتمر تأخذ منحى مستقلاً، على الأقل في الفترة الحالية، من بينها اللواء مصطفى الحاج علي وهيثم مناع وخالد المحاميد وآخرون، وستتم دعوة شخصيات معارضة من دمشق، وكذلك شخصيات كردية من شمال شرق سورية.
وينظر لعدد من الشخصيات الذين يسعون لتنظيم المؤتمر على أنهم أصحاب موقف متقلب في المعارضة، لا سيما هيثم مناع الذي ذهب منذ أعوام باتجاه التنسيق مع روسيا، ما جعل منه محط ريبة من قبل جمهور المعارضة. ويقود مناع حالياً "تيار قمح"، وكان شغل سابقاً رئيس "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، الذي ينشط في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" الكردية، قبل أن يستقيل بسبب خلافات حول إعلان فيدرالية في الشمال الشرقي من البلاد. ولا يحظى خالد المحاميد بقبول في أوساط المعارضة، لكونه مقرباً من روسيا والإمارات، ويُتهم بأنه سهل تسليم محافظته درعا للنظام بصفقة روسية، حملت عنوان التسوية، صيف العام 2018.
وبحسب المصادر التي تحدثت مع "العربي الجديد" فإن حرص المنظمين ينصب على أن يمثل الحضور كافة المكونات السورية على المستويين المذهبي والعرقي، مع تجنب تمثيل المكونات السياسية في طريقة دعوة الشخصيات.
يأمل القيمون على "مؤتمر استعادة السيادة والقرار" أن يسد فراغاً في الحالة السورية
ولم تؤكد المصادر ما إذا كان المؤتمر سيحظى برعاية الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات الدولية، أو دول بعينها، كما لم تشر فيما إذا كان هناك دعوات لشخصيات من النظام لحضور المؤتمر، وما سيتم تناوله تحت هذا العنوان العريض (استعادة السيادة)، غير أن المؤشرات تذهب إلى أن هذا العنوان سيكون واجهة وطنية لتأسيس كتلة معارضة جديدة، ستحاول سحب زمام المبادرة في الأروقة الدولية من الائتلاف الوطني، باعتباره يهيمن على "هيئة التفاوض" التي ينبثق عنها وفد المعارضة للجنة الدستورية حالياً، وسابقاً وفد المعارضة إلى مسار جنيف بجولاته المتعددة.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، أشار المعارض السوري والعضو في اللجنة التحضيرية للمؤتمر آصف دعبول إلى أن فكرة عقده انطلقت في ربيع 2019، حين تم الإعلان عن "المبادرة الوطنية السورية" من قبل مجموعة من المعارضين المستقلين، الذين يمثلون شرائح مختلفة من الشعب السوري. ونوه إلى أنه نتيجة هذه المبادرة تم تشكيل لجنة تحضيرية لعقد مؤتمر تحت عنوان "المؤتمر السوري العام لاستعادة السيادة والقرار"، على أن يجمع أكبر عدد من الشخصيات الذين يمثلون الشرائح السياسية والاجتماعية، والاقتصادية، والفنية، وغيرها.
وأشار دعبول إلى أنهم يأملون أن يسد هذا المؤتمر فراغاً في الحالة السورية، بعد فشل الأجسام المعارضة الموجودة حالياً بالتعبير عن تطلعات السوريين، وعدم القدرة على التفاعل مع القوى الدولية والمؤثرين في القضية السورية، ولا سيما في إطار الحل السياسي الذي يعد عقيماً. وأكد أن اللجان الفرعية التحضيرية في المحافظات تسعى لدعوة ممثلين عن كافة الشرائح، على أن حضورهم سيكون بصفة تمثيلية شخصية عن الشرائح وليس عن القوى السياسية. وأعلن أنه لا يوجد حتى الآن أي رعاية للمؤتمر من أي جهة، سواء منظمة أو دولة، لكنهم يأملون بأن ترعى الأمم المتحدة المؤتمر كجهة محايدة، وسيسعون إلى ذلك بدعوتها. ومن المتوقع أن يحظى المؤتمر بدعم من الدول العربية المناوئة للنفوذ التركي داخل المعارضة السورية، وتحديداً الإمارات والسعودية.
وتعليقاً على انعقاد المؤتمر، قال عضو اللجنة العليا للتفاوض يحيى العريضي، لـ"العربي الجديد"، إن "أي خطوة تجمع السوريين على رأي سديد ورشيد يساعد باستعادة سورية لعافيتها وقرارها، وتساهم بخلاصها من الاستبداد والاحتلال، ومبنية على أسس متينة، لا إثنية ولا اصطفاف ولا إقصاء، ولا محاولة ركيكة لتوجيه السهام للآخرين، مرحب بها". وأعلن أن "هذا المؤتمر عقد سابقاً بغالبية هذه الشخوص قبل نحو عامين، وخلالها حدث خلاف بين المؤتمرين، ما أفشله". وأضاف "لا أدري ما إذا كان تكرار التجارب يفيد بتحقيق الغايات، وهناك خلال العامين الماضيين أكثر من 100 محاولة لتجميع السوريين. ويبقى الأمل أن تخرج إحدى هذه التجارب، منفردة أو مجتمعة، بنتائج سبق وذكرناها، وذلك عبر تخطيط معمق".
يحيى العريضي: أي خطوة تساهم بخلاص سورية من الاستبداد والاحتلال مرحب بها
ورأى العريضي أن "عقد المؤتمر في جنيف يعطي مؤشراً على أنه ليس مرتهناً لدولة ما، مع العلم أن السوريين عندما اجتمعوا في الرياض لم يكونوا مرتهنين للسعودية، التي استضافت المعارضة السورية عبر توافق دولي على خلفية اجتماع فيينا، والهيئة مكلفة بمهمة التفاوض إذا قررت الدول المتدخلة إيجاد حل للأزمة السورية". ولفت إلى أن "الاجتماع الأخير للهيئة العليا عبر عن ضرورة وجود رؤية جديدة، والتواصل مع القوى السورية والأمم المتحدة"، معتبراً أن "هناك اليوم هجمة روسية على القرار 2254 تهدف لإجهاضه عبر العديد من المسارات مثل مسار أستانة وسوتشي، وما سمي مؤتمر عودة اللاجئين".
وحصلت "العربي الجديد" على معلومات تشير إلى نية السعودية دعوة هيئة التفاوض إلى مؤتمر جديد، يعد بمثابة "الرياض 3"، بغية إعادة هيكلتها، بعد الخلافات التي عصفت بها على مستوى المكونات. ولا تعتبر المصادر، التي نقلت المعلومات لـ"العربي الجديد"، أن المؤتمر الذي جرى عقده على مستوى المستقلين، نهاية 2019، وتم خلاله انتخاب قائمة جديدة لتمثيل المستقلين داخل الهيئة بمثابة مؤتمر "الرياض 3" كما روج له، لكونه لم يكن شاملاً لجميع المكونات داخل الهيئة.
ويبدو أن إعادة انتخاب أنس العبدة، كرئيس للهيئة سيزيد الشرخ داخلها، بعد الخلافات التي ظهرت، وبينها استبعاد ممثل "منصة موسكو" مهند دليقان، ومن ثم ما يشبه تعليق هيئة التنسيق الوطنية عملها داخل الهيئة والاقتصار على مشاركة ممثليها في مسار اللجنة الدستورية، وكذلك الخلافات التي حضرت داخل "منصة القاهرة"، والتي أثرت على حضورها داخل الهيئة. من جهته، نفى مصدر في "منصة موسكو" العلم بأي تحركات من هذا القبيل. وقال "بما أنّ الحديث هو عن عمل لحل مشكلة الهيئة، ولا علم لنا به، فتقديرنا أن المسألة ليست أكثر من محاكاة، وليست حركة حقيقية باتجاه الحل".