ينتهي، اليوم الثلاثاء، نصف السنة الأولى من ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن. ختم المدة برصيد 51% من المؤيدين. معدل يوازي ما كان عليه جورج بوش الابن في هذا الوقت من رئاسته، وأقل من باراك أوباما. خلال هذه الفترة، كانت الظروف مواتية له، وجعلت طريقه عموماً سالكة في الداخل والخارج، حيث سجّل علامات فارقة نسبياً. لكن يبدو أن شهر العسل هذا شارف على نهايته، إما بسبب نشوء تطورات خارجة عن الإرادة، وبالتالي مخالفة للتوقعات، وإما بنتيجة وقوع خطأ في الحسابات. وإذا تعذر الاستدراك، فإن القادم القريب من رئاسته لن يقوى على تجنب مواجهات محفوفة بالخسائر، وبالتحديد على جبهتي كورونا والسياسة الخارجية.
على جبهة الجائحة، برز متحور دلتا المتوسع انتشاره الآن في أميركا، كتهديد جدي لرئاسته، أقلّه على المدى المنظور. حالات الإصابة ارتفعت 70% والاستشفاء 36% والوفيات 26%. وكلها على زيادة في الأجزاء غير المحصنة باللقاح في أميركا. لغاية اللحظة، حوالى 50% فقط من الأميركيين أخذوا الجرعتين، من بينهم، ما يقارب النصف، ممتنعون عن التلقيح تماماً، بنتيجة خليط من الشكوك والمعلومات المشوشة والمحرِّضة، إضافة إلى الولاءات السياسية ضد بايدن. موجة تنذر بالأدهى، وفق تقديرات الأوساط الطبية وتحذيراتها، الأمر الذي أدى إلى العودة إلى الكمامات، وتجنّب الاختلاط، وتجديد الجدل في ما سيكون عليه الموسم الدراسي القادم، وغير ذلك من تدابير العام الماضي. أجواء أدت إلى هبوط البورصة الاثنين بـ 725 نقطة، ما عكس التخوف من تداعيات دلتا الاقتصادية.
مثل هذه الهرولة نحو البيع في سوق الأسهم، معطوفة على زحف التضخم، ولو البطيء أخيراً، تشكل رسالة مربكة إلى البيت الأبيض الذي يراهن على صيف اقتصادي ساخن، يكون مقدمة لحالة التعافي والخروج السنة القادمة من بقايا ركود كورونا. وأهمية التوقيت ترتبط بانتخابات الكونغرس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، التي سيتوقف عليها مصير الباقي من رئاسة بايدن، فضلاً عن انتخابات الرئاسة لعام 2024. خصوصاً إذا نجح الجمهوريون في منع إقرار مشاريع الرئيس الكبيرة، مثل قانون البنى التحتية وقانون ضمان تسهيل حق التصويت لكل الأميركيين وكبح العنف في أميركا. مشاريع طموحة من العيار الثقيل، لكن تمريرها غير مضمون، وتعثر الوضع الاقتصادي المحتمل بسبب دلتا، من شأنه أن يزيد الطين بلّة.
أيضاً لا تبدو الحال على جبهة النووي الايراني واعدة كما كان التصوّر. لعبة عضّ الأصابع بين طهران وواشنطن دخلت في طور مبهم. مفاوضات فيينا معلّقة، والتصعيد المتبادل يأخذ أشكالاً من نوع "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم". كلاهما يضغط، مع الحرص على ألا يؤدي الشدّ إلى قطع الشعرة. نفي المتحدث العسكري الأميركي في شرق سورية لمسؤولية قواته عن تدمير شاحنة عسكرية أمس لـ"كتائب سيد الشهداء" المدعومة إيرانياً، بدا كأنه يعكس مثل هذا الحرص. في أواخر يونيو/ حزيران الماضي، قصفت القوات الأميركية منشآت تابعة للمليشيات الإيرانية نفسها في ذات المنطقة، وسارعت إلى إعلان الضربة.
النفي هذه المرة أثار تساؤلات عما إذا كانت الإدارة قد قامت بالعملية بصورة سرية من خلال الـ"سي. أي. إيه" مثلاً، أو أي جهاز استخباراتي آخر، "رداً على حثّ إيران هذه المليشيات على ضرب المواقع الأميركية في المنطقة". ولا يُستبعد أن يكون هذا الغموض متعمداً كجزء من التراجع العام حالياً للغة التصعيد، ليس مع إيران فحسب، بل أيضاً مع الصين وروسيا.
الرئيس بايدن الذي توعّد بالمحاسبة والردّ بالمثل على موسكو وبكين لو ثبت ضلوع أي منهما في عمليات القرصنة الالكترونية التي استهدفت مؤسسات أميركية خاصة في الآونة الأخيرة، ما زال "ينتظر تقارير" الجهات الاستخباراتية في هذا الخصوص للتثبت مما إذا كانت العاصمتان ضالعتين مباشرة بالقرصنة، أو أن دورهما اقتصر فقط على حماية القراصنة. والمعلوم أن هذه العمليات طاولت مئات الشركات والأعمال في أميركا أخيراً، وابتزت ملايين الدولارات ثمناً لفك عقدة التحكم بالنظام الإلكتروني المشغِّل لهذه الأعمال.
الغموض الحالي في السياسة الخارجية ربما جاء في سياق عملية مراجعة جارية لبعض جوانبها بعد قرار الانسحاب من أفغانستان والجدل الذي أثاره. وبانتظار ذلك، يبقى تحدي دلتا الذي لا يقل أهمية، ما دام البيت الأبيض عجز حتى الآن عن تحقيق الشمولية في حملة التطعيم.