أعادت الهجمات التي تشنها جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إلى الأراضي المحتلة وذلك رداً على العدوان على قطاع غزة وحصاره، اسم الجماعة إلى واجهة الأحداث، مع تسبّب هجماتها بأزمة عالمية بعد تأثيرها على حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر. لكن كيف بدأت هذه الجماعة وتطورت حتى اليوم، وصولاً إلى إحكام سيطرتها على عدد كبير من المحافظات اليمنية، ووسط اتهامات لها بتلقي دعم عسكري غير محدود من إيران؟
تأسيس جماعة الحوثيين
في العام 1991 قام العلامة الزيدي بدر الدين الحوثي ومعه محمد عزان بتأسيس جماعة زيدية تحت مسمى تنظيم "الشباب المؤمن". كان الهدف منها تجميع العلماء من أتباع المذهب الزيدي، والذي يشكّل أتباعه نحو 30 في المائة من سكان اليمن، ويتخذ من محافظة صعدة شمالي اليمن معقلاً له. يعرِّف محمد عزان، الذي اختلف لاحقاً مع الجماعة، تنظيم "الشباب المؤمن" بأنه "حركة ثقافية تربوية تهتم بالشباب وتسعى لتقديم رؤية معاصرة للموروث الديني بشكل عام والمذهب الزيدي بشكل خاص".
كان هذا التنظيم هو النواة الأولى لجماعة الحوثيين التي تشكّلت عقب ذلك في العام 2001 على يد حسين بدر الدين الحوثي، قبل أن يتحول اسمها إلى "أنصار الله".
عضو المكتب السياسي للجماعة، حزام الأسد، يقول لـ"العربي الجديد" إن "أنصار الله (المسيرة القرآنية) ليست إطاراً لحركة أو جماعة أو حزب سياسي، بل هي مشروع ثقافي قرآني يدعو إلى العودة إلى الإسلام القرآني المحمدي الأصيل، باعتبار القرآن الكريم كتاب هداية من الله الخبير بشؤون خلقه، والمنهج الرباني المهيمن على كل الكتب والمرجعيات". ويضيف الأسد أن "أنصار الله ليسوا حزباً سياسياً، وبالنسبة للعمل الحزبي والسياسي في اليمن فهو حق من حقوق المواطن الدستورية المشروعة، وليس واجباً من الواجبات المفروضة عليه".
الأسد: أنصار الله ليسوا حزباً سياسياً، وبالنسبة للعمل الحزبي والسياسي فهو من حقوق المواطن الدستورية المشروعة
ويشير الأسد إلى أن "المرجعية الفكرية لأنصار الله هي القرآن الكريم، ومن خلال منهجية القرآن الكريم وضع القائد حسين بدر الدين الحوثي في محاضراته المعروفة بملازم الثقافة القرآنية رؤى وأفكاراً وحلولاً للأمة لتتجاوز واقعها السيئ، وترتقي بأبنائها، وتبني ذاتها بناء صحيحاً ومتيناً، وفق منهج الله القويم، لتكون أمة قوية قادرة على مواجهة وهزيمة أعدائها".
خلاف الحوثيين مع نظام علي عبد الله صالح
في العام 2003 بدأ حسين الحوثي بإشهار معارضته لنظام علي عبدالله صالح الحاكم واتهمه بموالاة أميركا وإسرائيل، في المقابل بدأ النظام باعتقال مئات الحوثيين الذين يرددون شعار الصرخة "الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام" داخل المساجد، بما فيها المسجد الكبير في صنعاء.
تزايدت حدة الخلافات بين الطرفين، وفي يونيو/حزيران 2004 قامت السلطات اليمنية باعتقال 640 متظاهراً من الحوثيين في صنعاء بسبب ترديد الصرخة، ثم توجهت قوة خاصة لاعتقال حسين الحوثي بتهمة السعي للانقلاب على نظام الحكم الجمهوري وإعادة الإمامة الزيدية.
في 18 يونيو 2004 اندلعت حرب صعدة الأولى التي استمرت ما يقرب من ثلاثة أشهر، وكان من أبرز نتائجها مقتل قائد الحوثيين حسين بدر الدين الحوثي في 10 سبتمبر/أيلول 2004، ليتولى شقيقه عبدالملك الحوثي زعامة الجماعة من بعده. ومنذ 2004 حتى 2010 خيضت 6 حروب بين الجماعة والقوات اليمنية حيث كانت تنتهي بتوجيهات من صالح، أو عبر وساطات، أبرزها الوساطة القطرية.
شارك الحوثيون في ثورة 11 فبراير/شباط 2011 ضد نظام صالح جنباً إلى جنب مع بقية القوى السياسية، وقد تركز حضور الجماعة في ساحة التغيير بصنعاء تحت مكون "شباب الصمود"، حيث كانت الجماعة تتخذ مواقف مخالفة لبقية مكونات الثورة، وتقوم بمسيرات منفردة، وترفع مطالب تتقاطع مع مطالب بقية مكونات الثورة.
أبرز المواقف الأحادية لجماعة الحوثيين هو رفضها للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية
أبرز المواقف الأحادية لجماعة الحوثيين هو رفضها للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ورفضها ترشيح عبدربه منصور هادي في انتخابات فبراير 2012 والتي كان فيها هادي هو المرشح الوحيد. شارك الحوثيون في مؤتمر الحوار الوطني الذي بدأ في 18 مارس/آذار 2013 حتى 25 يناير/كانون الثاني 2014، وتم تمثيلهم بقوام 37 عضواً من أصل 565 عضواً، لكنهم رفضوا مخرجات الحوار والتوقيع على وثيقة للمخرجات، التي دعت لحظر وجود مليشيات مسلحة، وتسليم الأسلحة للدولة وبسط نفوذها في كافة اليمن.
وخلال انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، تمدد الحوثيون عسكرياً في مناطق من محافظات صعدة وحجة وصنعاء والجوف وعمران تمهيداً لاجتياح المحافظات عسكرياً، وهو ما تم في العام 2014، وصولاً إلى سيطرة الجماعة على صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وفرضها الإقامة الجبرية على الرئيس هادي.
وبعد فترة من إقرار وثيقة الحوار، كانت لجنة صياغة الدستور التي تشكلت من مؤتمر الحوار قد أنهت وضع مسودة للدستور الجديد، وفي 17 يناير 2015 كان الأمين العام لمؤتمر الحوار أحمد عوض بن مبارك في طريقة لتقديم مسودة الدستور خلال اجتماع رئاسي، إلا أن الحوثيين اعترضوا طريقه واختطفوه واقتادوه إلى جهة مجهولة.
واصل الحوثيون السير في انقلابهم على الدولة مروراً بإعلانهم الإعلان الدستوري الذي تم بموجبه حل البرلمان في 6 فبراير 2015. كما أن الإعلان الدستوري منح صلاحيات مطلقة للجنة الثورية التي يرأسها محمد علي الحوثي، والتي قال إنها هي المعبّرة عن الثورة، وتتفرع منها لجان ثورية في مختلف أنحاء الجمهورية، وتختار المجلس الوطني الانتقالي المكون من 551 عضواً. ويتولى المجلس اختيار الحكومة الانتقالية التي ستشكل من كفاءات وطنية بحسب ما نص عليه الإعلان.
كان الإعلان الدستوري بمثابة انقلاب على اتفاق السلم والشراكة، الذي وقّعه الحوثيون بعد السيطرة العسكرية على صنعاء مساء 21 سبتمبر 2014، مع بقية القوى السياسية التي رضخت للأمر الواقع، وينص الاتفاق على إجراء مشاورات لتعيين رئيس حكومة جديد وحكومة كفاءات. وقام الحوثيون بفرض الإقامة الجبرية على هادي الذي قدم استقالته تحت الإكراه في يناير/كانون الثاني 2015 وذلك بعد أيام من استقالة حكومة خالد بحاح.
في فبراير 2015 نجح هادي بالهروب من منزله المحاصر في صنعاء إلى عدن، ومنها إلى سلطنة عمان، ثم السعودية حيث طالب بتدخل عسكري لاستعادة الشرعية، لتنطلق الأعمال العسكرية للتحالف العربي الذي قادته السعودية والإمارات في 25 مارس 2015.
دخل الحوثيون الحرب متحالفين مع صالح قبل أن يعلن تمرده عليهم فقاموا بقتله
دخل الحوثيون الحرب متحالفين مع صالح سياسياً وعسكرياً في مواجهة الجيش الوطني والتحالف العربي، وتم تشكيل ما يعرف بالمجلس السياسي الأعلى الذي يحكم مناطق سيطرتهم، غير أن صالح أعلن تمرده ضد الحوثيين في 2 ديسمبر/كانون الأول 2017 ليقوم الحوثيون بقتله بعد يومين من المعارك الشرسة بين الجانبين في صنعاء.
يقول القيادي الحوثي حزام الأسد، لـ"العربي الجديد"، إن رؤية الحوثيين كانت في تنحي السلطة بجناحيها (علي عبدالله صالح وعلي محسن الأحمر)، وليس انخراطها وتزعمها لثورة قامت في الأساس للتخلص منها، مضيفاً "عندما استشعرت السفارات المتحكمة بقرار البلد بالخطر من أن يؤول الأمر إلى الأحرار من أبناء هذا البلد وتعود السيادة للداخل، وينفك الشعب اليمني من الوصاية والتبعية للخارج، سارعت إلى الضغط على الفرقاء في السلطة نحو إبرام صفقة سميت بالمبادرة الخليجية".
ويضيف الأسد: "في خضم الفشل الأمني والإداري والاقتصادي والمعيشي، وانهيار مؤسسات البلد الخدمية، اتجهت السفارات عبر سلطة المبادرة الخليجية المخالفة للدستور، والمنتهية صلاحيتها وفق برنامجها، ممثلة بهادي وحكومة المبادرة الخليجية، إلى محاولة فرض مشروع الأقلمة السداسية التي لم تكن ضمن مخرجات الحوار الوطني، وتجميد تنفيذ مخرجات الحوار لأكثر من عام، وإضافة جرعة سعرية (رفع الأسعار) غير مبررة على كاهل المواطن، مع أن البلد كان تحت وصاية ما سمي بالدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية".
ويرى الأسد أن "ثورة 21 سبتمبر 2014" هي "ثورة شعبية هدفها إصلاح منظومة الدولة، والتخلص من الوصاية والتبعية للخارج عبر تغيير الحكومة حسب وثيقة الضمانات المتفق عليها بين كل المكونات المشاركة في الحوار الوطني، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وإلغاء الجرعة السعرية غير المبررة، وإعادة النظر في موضوع الأقلمة".
ومرّ على الجماعة عدد من القيادات التي برزت أسماؤها، أبرزها حسين بدر الدين الحوثي (1959-2004) الذي يُعتبر مؤسس وقائد الحوثيين، وأحد زعماء المذهب الزيدي في اليمن. كان عضواً في البرلمان اليمني من 1993 إلى 1997 بفوزه بمقعد عن حزب الحق، وقُتل خلال حرب صعدة الأولى (بين يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول 2004)، احتفظ نظام علي عبدالله صالح بجثمانه الذي سُلم لجماعته في 5 يونيو 2013.
بعد مقتل حسين الحوثي، تولى شقيقه عبد الملك بن بدر الدين الحوثي زعامة الحركة. يعتبره أنصاره قائد ما يسمونها ثورة 21 سبتمبر 2014 والتي سيطر بموجبها الحوثيون على صنعاء.
كما يبرز اسم اللواء أبو علي الحاكم، واسمه الحقيقي عبد الله يحيى الحاكم، ويعد حاليا القائد الميداني والعسكري لجماعة "أنصار الله" في اليمن، ويشغل منصب رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية. ساهم في حروب صعدة، وفي اجتياح صنعاء، وهو أحد المشمولين بالعقوبات التي نص عليها قرار مجلس الأمن 2216 الصادر في 7 نوفمبر/تشرين الأول 2014 والذي فرض عقوبات على صالح واثنين من كبار القادة العسكريين للحوثيين عبد الخالق الحوثي لاتهامهم بتهديد السلام والاستقرار في اليمن.
الفكر المذهبي للحوثيين
مع تمدد الحوثيين في اليمن وفي سياق وضع "دليل" للجماعة في الحياة العامة، أصدر الحوثيون في 13 فبراير 2012، الوثيقة الفكرية والثقافية، وهي الوثيقة التي صدرت عن اللجنة المكلفة بصياغة الاتفاق بين أبناء الزيدية عموماً، ومن جملتهم "المجاهدون" وفي مقدمتهم عبدالملك الحوثي. وتؤسس الوثيقة لمبدأ موالاة آل البيت والأئمة من نسل علي وفاطمة، ومبدأ الاصطفاء، ما يعني أن حكم اليمن يجب أن يظل حكراً على الأسر الهاشمية.
تقول الوثيقة "نعتقد أن الله سبحانه اصطفى أهل بيت رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فجعلهم هداة للأمة، وورثة للكتاب من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة، وأنه يهيئ في كل عصر من يكون مناراً لعباده، وقادراً على القيام بأمر الأمة والنهوض بها في كل مجالاتها (إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً يعلن الحق وينوره ويرد كيد الكائدين فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله) ومنهجيتنا في إثباته وتعيينه هي منهجية أهل البيت عليهم السلام".
غالب: فاعلية الوثيقة الفكرية والثقافية للحوثيين في الحياة العامة كانت قوية
ويرى الصحافي سامي غالب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن فاعلية الوثيقة الفكرية والثقافية للحوثيين في الحياة العامة كانت قوية، لأنها أدت دورين رئيسيين: دور الاستقطاب خصوصاً من ربيع 2012، ودور التحشيد إذ صار للجماعة "دليل" وقّع عليه كبار علماء الزيدية في صنعاء وذمار وصعدة.
ويعزو غالب "خطورة الوثيقة إلى أنها تتوسل إعادة الزيدية إلى سيرتها الأولى، بدلاً من مذهب له مكانته في المجتمع اليمني، وإن تلبس معظم الوقت بعصبية قبلية في شمال اليمن وهو ما اصطلح على تسميته في العقود الأخيرة بالزيدية الجغرافية، والتي عبّر عنها نظام صالح متحالفا مع كبار المشايخ خصوصاً في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، في مقابل الزيدية العقائدية التي لا تعود الزيدية معها مذهباً، بل فرقة يقودها "إمام"، وهذه الزيدية العقائدية أو الفكرية حسب الوثيقة الزيدية المشار إليها، هي محنة اليمن الآن، فما يشهده البلد هو محض تجليات لهذه الوثيقة".
العلاقة بين الحوثيين وإيران
تعود العلاقة بين جماعة الحوثيين والنظام الإسلامي في إيران إلى ثمانينيات القرن الماضي عقب قيام ثورة روح الله الخميني، من خلال الزيارات التي قام بها علماء الزيدية إلى إيران، والتحاقهم بحوزاتها ومدارسها الدينية. هذه العلاقة أسست لعلاقة من نوع آخر حيث انخرط علماء الزيدية في إطار المشروع السياسي الإيراني الهادف إلى تصدير الثورة الإسلامية إلى المنطقة.
استمرت هذه العلاقة وتطورت خلال عقد التسعينيات مع نشاط النظام الايراني في المنطقة العربية بعد تأسيس تنظيم "الشباب المؤمن" في اليمن، والذي بدأت ملامح نشاطه العسكري تظهر من خلال ترديد الصرخة الخمينية "الموت لأميركا... الموت لإسرائيل" واستعراض السلاح في الفعاليات المختلفة التي يقيمها التنظيم.
توالت اتهامات السلطة اليمنية للنظام الإيراني بدعم الحوثيين بالسلاح خلال الحروب الست التي شهدتها صعدة
توالت اتهامات السلطة اليمنية للنظام الإيراني بدعم الحوثيين بالسلاح خلال الحروب الست التي شهدتها صعدة، بين عامي 2004 و2010، وفشلت هذه الحروب بالقضاء على الحوثيين، بل على العكس كانت قوتهم العسكرية تتضاعف حرباً تلو أخرى.
عقب انقلاب الحوثيين وسيطرتهم على الدولة في سبتمبر 2014، كانت إيران هي الدولة الوحيدة التي تملك سفيراً في صنعاء، ولديها سفير لدى الحوثيين، واعترفت بهم كسلطة حاكمة باليمن، بالإضافة إلى تقديمها الدعم الإعلامي المعلن في ظل حالة القطيعة مع الحكومة المعترف بها دولياً.
عقب سقوط صنعاء بيد الحوثيين قال مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، إن ثلاث عواصم عربية أصبحت بيد إيران، وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية، مشيراً إلى أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة (بعد بيروت ودمشق وبغداد) التي في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية. وتتهم الحكومة المعترف بها دوليا ايران بدعم الحوثيين عسكرياً من خلال تهريب السلاح إلى الجماعة، وفي مقدمتها الصواريخ، والطيران المسيّر، ودعمها بخبراء عسكريين على الأرض لإدارة معاركهم العسكرية.