خفتت أصوات الساسة في تونس وتراجع ضجيجهم منذ دخول شهر رمضان. تراجعوا وتركوا المسرح والدراما لأهلها. ومع إقرار البرلمان للإجراءات الاستثنائية بسبب تفشي فيروس كورونا بين النواب وفي البلاد عموماً، سيرتاح التونسيون على امتداد شهر من دراما ركيكة يعيد فيها نفس الممثلين نفس الأدوار بسيناريوهات ضعيفة وأداء مهتز. فقد أدارت الكاميرا عدستها عن خشبة مسرح البرلمان، وتوجهت إلى حيث يجب أن تكون؛ شوارع الناس التي تئنّ من أوضاعهم، والمستشفيات التي امتلأت بالمرضى، والمدارس التي أقفلت بعد فوات الأوان، في حين أن هناك حكومة ضعيفة تتراجع في قراراتها يوماً بعد يوم، تفرض حظراً ليلياً، ثمّ تتراجع عنه بأمر من الرئيس، لتعيد إقراره بعد أيام قليلة بطرق ملتوية. ولكن ماذا استفاد التونسيون من هذه اللعبة السخيفة بين المسؤولين، سوى تكدّس المرضى وارتفاع أعداد الموتى وتفاقم الأزمة الاقتصادية التي تنذر بأيام صعبة على التونسيين؟
قبل أيام، قال وزير المالية علي الكعلي للنواب إنّ "تونس في حاجة للقروض لضمان مواصلة الدولة والحكومة صرف الأجور والرواتب ومنح التقاعد، والاستثمار والدعم وضمان سداد ديون البلاد القديمة"، أي أننا سنحتاج لقروض لتسديد قروض ودفع أجور الموظفين، وهي أزمة من أشد الأزمات التي تشهدها تونس منذ عقود.
ويتساءل العاقلون ما الذي أوصل الأوضاع في تونس إلى هذا الحد؟ فلم تشح مناجم الفوسفات ولا مزارع البرتقال ولا أشجار الزيتون ولا غابات النخيل، بل على العكس تماماً، زادت وفرة المنتوج هذا العام والأعوام التي سبقته، ولم يطرأ على البلاد أي تغيير جوهري في ما يخصّ ثرواتها الطبيعية، باستثناء ما جنته الاضطرابات في المناجم وأمام آبار البترول القليلة. ولكن خلافات الساسة هي التي تدمّر كل شيء وتعطل الإنتاج في كل مكان، ولا تكترث لآلام الناس. فلم نر حزباً ولا مسؤولاً تألّم يوم السبت الماضي عندما قضى جريح الثورة، كمال عبادلية، بعدما أحرق نفسه يوم الجمعة أمام محافظة سيدي بوزيد، بسبب أوضاعه الصعبة، لأنهم منهمكون في تسجيل نقاط على بعضهم البعض وتبادل الاتهامات.
موت كمال يلخّص المشهد بوضوح أمام من يريد أن يفهم: "لا أحد يكترث". وقد يقول الرئيس بضع كلمات إنشائية من تلك التي تعودنا عليها ويحمّل الحكومة والبرلمان مسؤولية موته، فيما ستلوذ الحكومة والبرلمان في المقابل بالصمت المطبق، لا يسمعان ولا يريان. أما الأحزاب، فلا حياة لمن تنادي، هذا إذا افترضنا أصلاً أن هناك من سينتبه، إذا رأى في المسألة ربحاً ممكناً طبعاً.