على الرغم من محاولات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، تسليط الضوء على تظاهرات اليسار ضدّه، واعتبارها الخطر الأكبر على مساعي مواجهة كورونا، إلا أن الغضب الشعبي ضدّ إجراءات حكومة الاحتلال انفجر أمس الأحد بالذات في مجتمع الحريديم، بعد أن حاول أفراد من الشرطة في الأيام الأخيرة إغلاق بعض الكنس ومنع التجمهر فيها. لكن الشرطة التي اعتادت التعامل مع الحريديم بعنف أكبر من باقي قطاعات المجتمع الإسرائيلي، باستثناء الفلسطينيين في الداخل، فقدت أمس الأحد كلّ الضوابط التي حاول نتنياهو فرضها في التعامل معهم، فاندلعت موجة من التظاهرات الصاخبة، في عدد من تجمعات الحريديم، في أحياء حريدية في القدس، وبيتار عيليت وموديعين عيليت، حيث وثقت أشرطة تناقلتها وسائط التواصل الاجتماعي صوراً لقيام الشرطة في إحدى الحالات بتوقيف فتى حريدي بدلو كبير، وفي حالة أخرى بضرب متظاهر حريدي بقوة، ممّا فجر مواجهات عنيفة ومحلية، تخللتها شتائم لعناصر الشرطة ووصف أفرادها بأعداء اليهود وبالنازيين، وهي هتافات يرددها الحريديم كلما اقتحمت الشرطة أحياءهم.
وتفاقم الوضع مساء في أكبر مدينة للحريديم في دولة الاحتلال، في بني براك، حيث اندلعت مواجهات عنيفة أسفرت عن اعتقال أكثر من 13 شخصاً بعد أن حاولت الشرطة إغلاق أحد الكنس الرئيسية في المدينة، إلا أنها لم تتمكن من فرض ذلك.
وبدا أمس أن تشديد قبضة الشرطة في أحياء ومستوطنات الحريديم، جاء لخلق توازن في فرض القانون وأوامر الإغلاق، بعد حالات العنف الشديدة التي سجلتها محاولات الشرطة فض التظاهرات المناهضة لنتنياهو في تل أبيب ويافا والقدس ومناطق متفرقة من إسرائيل يوم السبت. فقد فضت الشرطة، مساء السبت، مئات التظاهرات المتفرقة التي نظمتها حركات الاحتجاج ضد بقاء نتنياهو في الحكم بسبب تهم الفساد والرشوة، في أنحاء متفرقة من إسرائيل، واستخدمت الخيالة لتفريق التظاهرتين الأكبر في تل أبيب والقدس، وسط تنفيذ اعتقالات واسعة طاولت 38 معتقلاً، فيما غضت الطرف السبت عن التظاهرات في داخل الأحياء اليهودية، وخرق قيود منع التجمهر في عدد من الكنس اليهودية، مكتفية بتحذير مديري هذه الكنس وإغلاقها.
وفيما يبدي تيار الحريديم الشرقي (السفارديم) الممثل بحركة "شاس"، تعاوناً مع سياسات الإغلاق التي يتبعها نتنياهو، وقبول مجلس حكماء التوراة للحريديم السفارديم لتعليمات إغلاق الكنس وتقليص عدد المصلين فيها في الأعياد اليهودية، فإن تيار الحريديم الغربيين (الأشكناز) الممثل بحزبي "يهدوت هتوراة" و"أغودات يسرائيل"، يظهر رفضاً وتزمتاً شديدين في تطبيق هذه التعليمات، معتبراً أنه لا يجوز وقف تعليم التوراة والصلوات.
وقد مارس الحريديم ضغوطاً متواصلةً على نتنياهو، كانت سبباً في تخفيف بعض إجراءات الإغلاق، واستثناء مرافق تابعة للحريديم. لكن التطورات المتسارعة، ومحاولات تحميل مسؤولية انتشار الجائحة للحريديم، خصوصاً مع استمرار تسجيل نسبة مرتفعة من الإصابات في صفوفهم، زادت من الهوة بين مجتمعهم والمجتمع الإسرائيلي ككلّ، وفاقمت من حالة العداء في التعامل بينهم وبين الشرطة، خلافاً للتعاون الذي كان في الموجة الأولى بين الحريديم وبين قيادة الشرطة والجيش، وخصوصاً في مدينة بني براك الحريدية.