شدد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، السبت، على أن السعودية لم تترك لبنان وهي إلى جانبه، مؤكداً أن "اتفاق الطائف له أهمية قصوى".
جاء ذلك في تصريحات صحافية خلال مشاركة ميقاتي بـ"المؤتمر الوطني في الذكرى الـ33 لاتفاق الطائف" في بيروت، بدعوة من السفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري.
ونقل المكتب الإعلامي لرئاسة الحكومة اللبنانية عن ميقاتي قوله إن "اتفاق الطائف له أهمية قصوى باعتباره ركيزة أساسية لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان قبل نحو 30 عاماً".
وتابع: "لهذا اليوم رمزية مهمة جداً (..) والحضور الكبير هنا يشير إلى تثبيت مضامين اتفاق الطائف، الذي لا يزال الاتفاق الأصلح للبنان".
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1989، وقع مسؤولون لبنانيون اتفاق الطائف في السعودية، الذي أنهى 15 عاما من الحرب الأهلية، ونُقلت بموجبه بعض صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى مجلس الوزراء، وأضحت مراكز السلطة توزع مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ووفق توزيع طائفي.
من جهته، لفت البخاري إلى أن "مؤتمر اتفاق الطائف يعكس اهتمام السعودية وقيادتها بالحفاظ على أمن لبنان ووحدته واستقراره"، وفق ما نقلت عنه وكالة الإعلام الرسمية اللبنانية.
الوكالة الوطنية للإعلام - المؤتمر الوطني في الذكرى ال 33 للطائف في الأونيسكو
— National News Agency (@NNALeb) November 5, 2022
البخاري: حريصون على أمن لبنان واستقراره ووحدته https://t.co/UR9SDFXqpi
وقال في كلمة له خلال المؤتمر: "نحن بأمسّ الحاجة إلى تجسيد صيغة العيش المشترك والحفاظ على هوية لبنان وعروبته".
وأضاف البخاري: "فرنسا أكدت لنا أنه لن تكون هناك أي نية أو طرح لتغيير اتفاق الطائف".
وأحييت، صباح اليوم السبت، في قصر الأونيسكو في بيروت، الذكرى الـ33 لإبرام وثيقة الوفاق الوطني اللبناني بتنظيم من سفارة المملكة العربية السعودية في لبنان، في وقتٍ تنشط الحركة السعودية على خطّ الدفاع عن اتفاق الطائف، وتنطلق منه لمقاربتها الاستحقاقات اللبنانية، على رأسها رئاسة الجمهورية.
وتستشعر قيادات لبنانية حليفة للسعودية ومعارضة لخطّ "حزب الله" وحلفائه (يتقدّمهم "التيار الوطني الحر"، ويرأسه النائب جبران باسيل، صهر ميشال عون)، بوجود محاولات سياسية محلية إقليمية لتغيير هوية لبنان ونظامه، والانقلاب على الطائف وبنوده، وقد كثفت المملكة، من خلال سفيرها في بيروت وليد بخاري، في الفترة الأخيرة، من اللقاءات مع مختلف الأطياف السياسية اللبنانية لإيصال رسائل واضحة بأن "الطائف خط أحمر".
واتُهمت السعودية من قِبَل معارضيها في لبنان بأنها وراء إجهاض عشاء السفارة السويسرية، الذي أثار جدلاً سياسياً واسعاً في لبنان، واتُّهم بأنه يسعى إلى تغيير الطائف وهوية لبنان السياسية، ما دفع السفارة إلى إرجائه.
وقال السفير السعودي وليد بخاري، في تصريح سابق، إنّ "وثيقة الوفاق الوطني عقدٌ ملزمٌ لإرساء ركائز الكيان اللبناني التعدّدي، والبديل عنه لن يكون ميثاقاً آخر، بل تفكيكاً لعقد العيش المشترك، وزوال الوطن الموحّد، واستبداله بكيانات لا تشبه لبنان الرسالة".
وكان مصدرٌ مطلع على ترتيبات الذكرى الـ33 في الأونيسكو قد أكّد، لـ"العربي الجديد"، أن السعودية حريصة على اتفاق الطائف، وتشدد على أهمية إجراء الاستحقاقات الدستورية بموعدها، بالإضافة إلى تشكيل حكومة تقوم بالإصلاحات العاجلة، وتحترم دور اتفاق الطائف، منبهة من مخاطر التأخير.
وأضاف المصدر أن السعودية "قد وضعت معايير رئاسية في البيان الثلاثي الصادر في سبتمبر/ أيلول الماضي، عنها وعن والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، حول أن يكون الرئيس قادراً على توحيد الشعب اللبناني، ويعمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتجاوز الأزمة الحالية، عدا عن تكرارها في كل مناسبة أنها لن تتعاطى مع أي قوى سياسية منخرطة في الفساد، سياسياً كان أم مالياً".
وأخيرا، اتهم مسؤولون لبنانيون الرئيس السابق ميشال عون، حليف "حزب الله"، بأنه حاول "الانقلاب" على اتفاق الطائف من خلال توقيع مرسوم قُبيل انتهاء ولايته، يقضي باستقالة حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة ميقاتي.
في المقابل، يؤكد محللون مقرّبون من عون أنه "مارس صلاحياته الدستورية، وأن المشكلة تكمن في أن اتفاق الطائف لم يطبّق بشكل كامل".
ووفق خبراء، فإن أبرز البنود التي لم تطبق في الاتفاق هي "إلغاء الطائفية السياسية"، و"إنشاء مجلس شيوخ"، و"اعتماد اللامركزية الإدارية".
والخميس، أوصى البرلمان اللبناني حكومة ميقاتي بمواصلة مهام تصريف الأعمال وفق الأصول الدستورية.
جاء ذلك في بيان عقب جلسة خصصت لتلاوة رسالة وجّهها عون إلى المجلس في 31 أكتوبر الماضي، طالب فيها بسحب التكليف من ميقاتي وتشكيل حكومة جديدة.
وينص الدستور على أن تتولى الحكومة صلاحيات رئيس البلاد في حال تعثّر انتخاب رئيس جديد قبل نهاية ولاية الرئيس الحالي.
ويخيّم على الأوساط القانونية والسياسية في لبنان خلاف بشأن تولّي الحكومة الحالية صلاحيات الرئيس، لأنها بحكم المستقيلة بموجب الدستور منذ إجراء الانتخابات التشريعية في مايو/ أيار الماضي، لتتولى منذ ذلك الوقت مهامّ تصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة.
ورأى مراقبون أن الهدف من خطوة عون كان "منع اجتماع حكومة تصريف الأعمال خلال فترة الفراغ الدستوري"، لا سيما أنها لم تتقدم باستقالتها لرئيس البلاد كي يقبلها أو يرفضها.
وكلّف عون، في يوليو/تموز، ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة، بعد حصوله على أصوات 54 نائبا (من أصل 128)، لكن الأخير لم ينجح في ذلك حتى اليوم جرّاء خلافات بين القوى السياسية.
ونصّ اتفاق الطائف، الذي صودق عليه في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1989، على تحديد مبادئ عامة وجملة إصلاحات سياسية واقتصادية وبنيوية، علماً أنها لم تطبق جميعها، وكانت أبرز البنود التي نص عليها الاتفاق هي الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، كما أنه لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، بالإضافة إلى العمل على تحقيق عدالة اجتماعية شاملة، من خلال الإصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي، وإلغاء الطائفية السياسية، واللامركزية الإدارية، كما إنشاء مجلس شيوخ.
كما نص على بسط سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها كاملة، وتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، كما حدد العلاقات اللبنانية السورية، ولا سيما عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سورية، وسورية لأمن لبنان.
(الأناضول، العربي الجديد)