انتهى المؤتمر العام لحزب جبهة المستقبل بانسحاب مؤسس الحزب والمرشح الرئاسي السابق عبد العزيز بلعيد من رئاسة الحزب، في ثالث انقلاب داخلي أبيض تشهده الأحزاب الجزائرية، بعد شهر من انقلاب داخل جبهة التحرير الوطني، الحزب الرئيس للسلطة في الجزائر.
واختتم المؤتمر الثالث لجبهة المستقبل أعماله أمس الأحد، حيث ثمّن البيان الختامي، ما وصفه "الانتقال السلس لرئاسة الحزب، وتزكية فاتح بوطبيق (رئيس الكتلة النيابية) رئيساُ جديداً للحزب"، خلفاً لرئيس الحزب ومؤسسه عبد العزيز بلعيد، والذي اضطر إلى الانسحاب نتيجة ضغوط مجموعات داخل الحزب مدفوعة من قبل جهات في السلطة، لم تكن ترغب في استمرار بلعيد في المشهد السياسي.
ويأتي ذلك رغم أن بلعيد ليس له حضور وتأثير سياسي بالغ في الساحة الجزائرية، كما أن جبهة المستقبل التي تأسست عام 2012 بعد انشقاق مجموعة من القيادات والكوادر الطلابية والشبابية من حزب جبهة التحرير، ليست محسوبة على المعارضة وليست لها مواقف مناوئة لسياسات الرئيس تبون.
وجرت منذ فترة محاولة الانقلاب على رئيس الحزب بلعيد عبد العزيز، لدفعه إلى الخروج من قيادة الحزب، بدفع من السلطة نتيجة بعض المواقف والخيارات التي يتبناها بلعيد، حيث يعتقد أنه كان يتمسك بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في غضون العام الجاري، لمنافسة الرئيس عبد المجيد تبون، بعد ترشحه في انتخابات ديسمبر/ كانون الأول 2019.
كما يرفض بلعيد وضع حزبه ضمن جبهة إسناد تبون خلال ترشحه للانتخابات المقبلة، إضافة الى أنه سبق له أن طالب بإجراء مصالحة اقتصادية مع رجال الأعمال الموجودين في السجن، وهو ما يرفضه الرئيس تبون بشدة، وكان قد أدان هذا المقترح بصفة علنية.
ويعدّ هذا الانقلاب الداخلي الأبيض الثاني من نوعه في الأحزاب الجزائرية المقرّبة من السلطة، في غضون شهر، بعد انقلاب آخر جرى في حزب جبهة التحرير الوطني، الحزب المركزي للسلطة في البلاد، حيث تمت إزاحة الأمين العام السابق أبو الفضل بعجي، ودفعه إلى عدم الترشح وإخلاء المنصب لمرشح وحيد اختارته السلطة، وهو عبد الكريم بن مبارك، القيادي المحلي في الحزب، وهو مغمور وغير معروف تماما في الساحة السياسية والإعلامية.
وشكل صعود مبارك إلى أعلى هرم الحزب الأكبر في الجزائر دهشة سياسية كبيرة، خاصة أنه لم يكن له أي بروز أو حضور داخل الحزب نفسه.
وسبق ذلك انقلاب ثالث كان قد جرى في أعلى قيادة حزب التجمّع الوطني الديمقراطي، وهو ثاني أكبر أحزاب السلطة، حيث تم منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي استبعاد الأمين العام الطيب زيتوني (وزير التجارة) من منصبه، حيث طلب الأخير الإعفاء دون أن يستكمل عهدته في الأمانة العامة المقررة إلى غاية عام 2025.
وكان زيتوني قد تسلم الأمانة العامة في يونيو/ حزيران 2020، واستخلف المجلس الوطني للحزب زيتوني بانتخاب مصطفى ياحي أميناً عاماً للحزب إلى غاية انعقاد المؤتمر العام المقبل للحزب.
ولا تعكس هذه التطورات الداخلية في الأحزاب الجزائرية وجودة حيوية وحركية هيكلية، بقدر ما تكرس نفس الوضع والحالة التي كانت عليها الأحزاب الجزائرية خاصة الموالية للسلطة، وتؤشر على استمرار تدخل الأخيرة في التركيبة القيادية لهذه الأحزاب.
وتذهب التفسيرات السياسية إلى أن سلسلة الانقلابات الداخلية "البيضاء" داخل أحزاب السلطة في الجزائر، ترتبط بمعطيين أساسيين، وهما رغبة السلطة السياسية في استبعاد كل الوجوه السياسية التي كانت على صلة بالمرحلة السابقة في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة عشية الحراك الشعبي، خاصة تلك التي شاركت بشكل أو بآخر في دعمه من جهة، ومن جهة ثانية محاولة إعادة تركيب مشهد سياسي جديد يسمح بضخ وجوه ودماء جديدة تتساوق مع خطاب التشبيب والتغيير الذي يتبناه الرئيس تبون.
التغييرات في الأحزاب الجزائرية: ترتيبات المرحلة
ويعتقد المحلل السياسي محمد روابح أن هذه التغييرات لا تدخل ضمن سياق التجديد الداخلي للأحزاب الجزائرية، لكنها مرتبطة بالأساس بترتيبات المرحلة والاستحقاقات المقبلة.
وقال روابح في تصريح "العربي الجديد" "إذا ما تم فحص هذه التغييرات الداخلية في هذه الأحزاب، سنجد معطيين أساسيين، الأول أنها تمت في أحزاب مرتبطة بشكل كبير بالسلطة وخياراتها، وهذا يعني أن هذه التغييرات تعبّر عن خيارات السلطة أكثر منها تعبير عن قناعات وخيارات كوادر الحزب وقواعده".
ويضيف المحلل الجزائري في المعطى الثاني أنه وثانيا، "ورغم أن السلطة لا تبدو بحاجة إلى هذه الأحزاب في استحقاقاتها الكبرى، إلا أنها تعول عليها كماكينات تنشيط سياسي داخل مربع اللعبة السياسية والانتخابية في أفق الانتخابات الرئاسية المقررة في غضون العام الجاري".